الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة الثمانية في المانيا بين الوعود والنتائج الفعلية تمخض الجبل فولد فأراً

نبيل يعقوب

2007 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


شغلت قمة مجموعة الثمانية في المانيا الاعلام المرئي والمقروء لاسابيع كاملة.. ولم يترك الاعلام صغيرة او كبيرة لم يفصل في وصفها .. السور المحيط بمقر القمة بطول 12 كيلومترا وقوات الشرطة التي بلغ تعدادها 16 عشر الف شرطي لحماية القمة .. والاسطول الالماني وقوارب الشرطة التي تمنع الاقتراب من القمة من جهة البحر .. واغلاق قرى المنطقة باكملها حيث لم يصرح الا لسكانها بدخولها.. والصدامات بين المحتجين ورجال الشرطة .. والتقارير المصورة عن دقة الاستعدادات الالمانية لعقد قمة ناجحة تريد حل قضايا المناخ ومشاكل افريقيا وكثير غيرها. بل وراح الاعلام الرائج يوحي باننا امام حدث جلل سيغير العالم مناخيا وسياسيا واقتصاديا.

قبل الحديث عن النتائج

ووجهت القمة قبل انعقادها بشهور بحملة واسعة من المعارضة والاحتجاج والتي ساهم فيها ولايام عديدة عشرات الآلاف من الشباب والشيوخ اعادت لحركة مناهضة العولمة الرأسمالية في المانيا واوروبا حيويتها. جاءوا بقطارات خاصة وبآلاف الباصات وأقاموا مخيمات تحيط بمقر القمة وانطلقوا منها في مظاهرات تعبر عن تشككهم في نوايا الدول المجتمعة، بل وفي شرعية مجموعة الثمانية واهليتها لوضع حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها العالم.

وحديث معارضي القمة بسيط وواضح: تلك الدول الثمانية تمثل 13 بالمائة من سكان العالم فقط فلا يحق لها التصرف في مصير 6 مليارات من البشر، وهي مسؤولة عن 90 بالمائة من صادرات السلاح فلا يتوقع منها جدية في وقف الحروب، وهي اول من يتحمل المسؤولية عن الكوارث البيئية في العالم (البلدان الثمانية وحدها مسؤولة عن اكثر من 43 بالمائة من التلوث البيئي بسبب انبعاث ثاني اكسيد الكربون). وسياساتها تجاه افريقيا وشعوب العالم الثالث تتحمل مع حكومات العالم الثالث الموالية لها المسؤولية الرئيسية عن تفاقم الفقر في العالم والبؤس الاجتماعي في افريقيا .. وهؤلاء الثمانية يسعون فقط لمصالحهم الضيقة، بل ان منهم من يشل الامم المتحدة ويعرقل التوصل الي السلام والي اتفاقات تضمن التنمية والتقدم من خلال اقامة نظاما اقتصاديا عالميا عادلا.
ويستند هذا النقد الي تاريخ القرارات السابقة لمجموعة الثمانية والتي تكشف التناقض بين الاهداف المعلنة والسياسات المطبقة من خلال المؤسسات والاتفاقيات المنفذة لارادة قادة الثمانية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتفاقية التجارة الدولية وغيرها.

قضية المناخ

قبل افتتاح القمة اعطت الرئاسة الالمانية لدورة الثمانية انطباعا متفائلا يوحي بأن التوصل الي نتائج محققة ومحددة ممكن في قضيتين رئيسيتين على الاقل. الاولى هي قضية المناخ والثانية قضية افريقيا. ولكن عددا من المؤشرات دفعت المانيا الي تخفيف لهجة التفائل، خاصة بعد ان فاجأ بوش الجميع قبل ايام من انعقاد القمة بطرح رؤية امريكية جديدة في قضية المناخ تراوحت التعليقات عليها بين اعتبارها مناورة للحيلولة دون وصول القمة لنتائج ملزمة وبين اعتبارها تحولا كيفيا في الموقف الامريكي الذي "بدأ لاول مرة ينظر بجدية لقضية المناخ". وجوهر الرؤية الامريكية تكمن في ان تتفق الدول الخمس عشر الاكثر مسؤولية عن الانبعاث الحراري بتطبيق تكنولوجيا حديثة للحد منه. وكان هذا الموقف بعيدا جدا عن رؤية الاوروبيين الذين بعد تقرير الامم المتحدة الذي اعطى العالم 15 سنة فقط لاتخاذ اجراءات تمنع الكارثة المناخية، ارادوا الاتفاق على البدء فورا باجراءات لخفض انبعاث ثاني اكسيد الكربون. ولكن القمة انتهت عمليا فقط الي اصدار اعلان نوايا. ولم يتحقق ما تمنته المستشارة الالمانية من الاتفاق على ارقام محددة وتواريخ متفق عليها لتنفيذ اجراءات دولية في هذا الصدد. ونص الاعلان الختامي على اخذ هدف حصر ارتفاع الحرارة بدرجتين في الاعتبار بجدية. وبينما اعتبر معظم الاعلام الالماني هذه النتيجة وتحويل الملف الي عناية الامم المتحدة نجاحا كبيرا بل و"اختراقا" عبرت الصحافة العالمية عن تشككها في التوصل الي سياسات جادة لحماية المناخ. لا تريبيون الفرنسية كتبت ان ما قررته القمة "لا يتضمن اي نجاح" وان " التنازل الشفهي من االرئيس الامريكي لن يشفي مناخ الارض"، وكتبت لا ريبوبليكا اليطالية ان "هذا الالتزام غير المحدد لا يعد نجاحا". خبير البيئة العالمي هيرمان شير وصل في نقده الذي نشرته صحيفة بلينر تسايتونج بأن هذا الاتفاق يمثل عقبة ضد حماية المناخ لان "البحث عن اجماع عالمي يعوق التصرف السريع من اجل حماية المناخ لان التوصل لمساومات الحد الادنى سيصبح هو المقياس المعمول به". ولكن الجديد في الامر انه لاول مرة تقف الاربع دول الاوروبية (المانيا، ابريطانيا، فرنسا، وايطاليا) في قضية سياسية هي قضية المناخ في جبهة متماسكة ضد الولايات المتحدة. المستقبل وحده هو الذي سيبين ان كان لهذه الظاهرة بقاء واستمرارية تمتد الي مجالات سياسية اخرى كتعبير عن تفاقم لتناقضات موجودة بين كتلة من الدول الاوروبية من ناحية والولايات المتحدة بنهجها الحالي من ناحية ثانية.

افريقيا .. "خرز لاهالي المستعمرات"
ابرز الاعلام الالماني وعد القمة لافريقيا بتقديم مساعدة لمكافحة الفقر والايدز والملاريا والسل تصل الي 60 مليار دولار حتى سنة 2015. نصفها تقدمها الولايات المتحدة الامريكية. وجددت القمة والوعود التي قطعتها القمة السابقة في جلين ايجلز باسكتلندا والتي وعدت آنذاك بزيادة المساعدات لافريقيا ولكن الواقع المر الذي ذكر به منتقدي العولمة تمثل في انخفاض المساعدات منذ القمة السابقة. شككت منظمات الاغاثة في جدية هذه الوعود والكنائس الالمانية عبرت عن عدم ارتياحها للنتائج غير الملزمة للقمة. كما اكدت منظمات الاغاثة ان جزءا كبيرا من المبالغ الموعودة متضمن فعلا في برامج سابقة للقمة ولا تمثل تخفيفا جديا للاعباء على القارة الافريقية. صوت رؤساء افريقيا الذين حضروا اجتماعا جانبيا للقمة للتشاور معهم اهمله الاعلام فيما عدا اشارة لصيحة الرئيس السنغالي الذي قال امام جمع من 8 صحافيين (بدلا من مئات الصحافيين الذين حضروا في العادة المؤتمرات الصحفية الاخرى) "لم نأت هنا للحصول على صدقات". ولكن الاخطر هو الاصرار على دفع بلدان افريقيا على طريق النيوليبرالية ويشهد على ذلك انه بدلا من الاتفاق على التخلى عن السياسات الحمائية التي تطبقها الدول الغنية تجاه منتجات افريقيا، وبلا من اغراق اسواق افريقيا بمنتجات اوروبية وامريكية وآسيوية مستوردة تخنق الصناعة والزراعة الوطنية اهتمت الوثيقة الختامية بالتشديد على حماية الاستثمارات وتوسيع المجال امام القطاع الخاص مؤكدة ما توقعه منتقدو العولمة الرأسمالية. الوعود التي كيلت لافريقيا لا تزيد عن ان تكون "خرزا لاهالي المستعمرات".
مداواة النيوليبرالية بالتي كانت هي الداء
وبسبب مقاومة بوش وبلير فشلت القمة في مجرد فتح باب النقاش حول قضية تؤرق مضاجع العديد من الدول الرأسمالية، وهي فرض الرقابة على المضاربات الطفيلية لما يسمى شركات ال هيدج فوندز Hedge Funds والتي يستقر معظمها في الولايات المتحدة وبريطانيا. هذه الشركات التي يطلق عليها الاعلام اسم "الجراد" تنظم عمليات النفاذ الي شركات كبرى والاستيلاء عليها بشراء حصص من اسهمها تبلغ في مجموعها مئات المليارات من الدولارات ثم تعمل على تفكيك هذه الشركات ومن ثم بيعها محققة ارباحا خرافية. يصف الاعلام نشاط هذه الشركات بهجوم الجراد والتهامه للمحاصيل وتركها أرضا قاحلة. رغم ان المانيا تحتل الموقع الثالث من حيث القدرة الاقتصادية في العالم، تعبر النقابات والحكومة الالمانية عن قلقها العميق ازاء العملية التي بدأت تثير االاضطراب في بنية الاقتصاد الوطني وتتم بلا رقابة فعالة تحمي مصالح العاملين وحملة الاسهم وتقي هيكل الانتاج من الاضرار. وجدير بالذكر ان هذه الظاهرة تعبر عن الاندفاع المنفلت لعولمة الرأسمال لصالح قلة احتكارية وتهدد ايضا وبشكل خاص البلدان النامية والتي ان لم تتنبه للاخطار المحدقة الناجمة عن التخلي عن دور الدولة الرقابي في الاقتصاد يمكن ان تستيقظ على كوارث تنشأ عن فقدان السيطرة على توجيه اقتصاداتها القومية التي تصبح مجرد سلعة في سوق عالمي لا تملك ازاءه حولا ولا قوة.

بالرغم من الاسلوب الالماني المستحدث في الاعداد للقمة مثل الاهتمام بدعوة العديد من دول العالم الثالث للتشاور معها، والسعي لتمرير تحسينات تخفف من التوتر بسبب سياسات التجارة العالمية الراهنة، وربما الخطاب الحريص على مشاعر المستبعدين من اجتماع "الحكومة العالمية" كانت قمة هايليجنباد الالمانية بكل ايجاز سجينة الاصولية النيو ليبرالية ونهج الهيمنة في السياسة العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة