الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على برنامج الحزب الشيوعي الجزء الثالث

منير العبيدي

2007 / 6 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


العلمانية أو فصل الدين عن الدولة
لم ترد كما رأينا في برنامج الحزب الشيوعي أي من هاتين الصيغتين ( العلمانية أو الدعوة الى فصل الدين عن الدولة ) و العلمانية او فصل الدين عن الدولة هو الذي يؤمن بالتأكيد احترام الدين و احترام الرموز الروحية و لا يتعارض معها . و هذا ما لم يرد في أي حقل من حقول البحث رغم أن الكثير من الامور لا يمكن لها أن تستقيم بدون فصل الدين عن الدولة و الحد من تدخل رجال الدين في ادارة شؤون البلاد السياسية ، هذا رغم أن رجال دين شجعان قد طالبوا بالعلمانية كما طالب بها شيوخ عشائر بصراحة . و تحظى العلمانية بالمزيد من التقبل و تزداد شعبيتها بعد التجربة المرة التي جربها شعبنا مع الاحزاب الدينية . إن اوساطا شعبية و أوساطا بين رجال الدين كانت تنتظر دائما من يقولها بصراحة .
و تبقى المطالبة بالديمقراطية و التعددية لا معنى لها بدون علمانية . و اذا كان من الصحيح القول أن ليس كل الانظمة العلمانية كانت ديمقراطية ، و لكن من الصحيح ايضا أن جميع الانظمة الديمقراطية هي انظمة علمانية و لا وجود حتى لمثال واحد على دولة استطاعت ان تكون ديمقراطية و تضمن الحريات العامة بدون أن تكون علمانية .
و كما رأينا ففي مجال حقوق المرأة و الديمقراطية و المجتمع المدني و كذلك في الدعوة الى اصلاح النظام التعليمي و في العديد من المجالات لا يمكن اصلاح الحال اطلاقا بدون العلمنة ، فقد نجحت حكومة عبد الكريم قاسم و تكلل نضال المرأة من اجل حقوقها بالنجاح بقدر ما استطاعت التخلص من نفوذ رجال الدين في مجال السياسة و التشريعات من الذين عارضوا و لا يزالون أي قانون متقدم للأحوال الشخصية لأنه يهدد نفوذهم ، لذلك حظيت حكومة عبد الكريم قاسم بكراهية رجال الدين و عملوا المستحيل لإسقاطها .
و يسعى " يساريون" ميالون الى المساومة الى تشبيه السلطات الدينية في العراق بالفاتيكان من اجل ايجاد تسوية بينهم و بين انفسهم على الأقل قائلين : ما الضير في ذلك ؟ أليس لدى اوربا فاتيكان و بابا ؟!! . على أن هذه المقارنة بعيدة كل البعد عن الواقع ، فسلطة رجال الدين في العراق هي سلطة سياسية و لن تقبل اقل من ذلك ، و سلطة الفاتيكان سلطة معنوية و لا تتدخل في السياسة في الغالب و لا تستطيع أن تحرك الناخب و هي تحترم الحدود التي وضعتها لنفسها ايمانا منها بأن احترام الدين و قدسيته يستلزم ابتعادها عن السياسة . كما أن المجتمع العلماني المدني الاوربي لا يكترث في الغالب لرأي الفاتيكان الا في حدود الامور الاخلاقية و الارشادية و ذلك بسبب أن المجتمع المدني في اوربا قد تأسس و ترسخ منذ فترة طويلة في حين على الضد من ذلك بلغت سلطة رجال الدين في العراق حدا يجعل من حقنا اعتبار الحكومة الحالية حكومة ثيوقراطية ، أو كما عبر العديد من الكتاب و المفكرين فإن حكومتنا الحالية ما هي الا حكومة ولاية الفقيه غير المعلنة .
و مع ذلك فهناك حالات نادرة و غير مباشرة لتدخل الفاتيكان في السياسة فزيارة البابا يوحنا بولس الثاني على سبيل المثال الى بولونيا والتي كانت تحت الحكم الشيوعي آنذاك لعبت دورا في تأجيج مشاعر البولنديين ضد الحكومة و كانت أحد أسباب تحول النظام السياسي هناك و رغم إن الفاتيكان قد نفى أن يكون هناك تدخل او تحريض مقصود ضد الدولة ، كما أن الزيارة و ما رافقها كانت موضع نقد اوساط سياسية حتى من تلك التي لم تكن تتعاطف مع الشيوعية و ذلك لانها كانت تخشى هذه السابقة ، و بذا فإن هذا المثال ينقلب ضد هؤلاء اليساريين و ليس لصالحهم ، و اجد ان من المستغرب أن يجد يساريون في هذه المقارنة أي مساعدة لتبرير التخلي عن مبدأ الفصل الضروري بين الدين و الدولة .
النقد و النقد الذاتي
لم يشر البرنامج الى النقد الذاتي بالارتباط مع حياة الحزب الداخلية و كقانون من قوانين تطورها ، و قد وردت كلمة " نقد " مرة واحدة في البرنامج في سياق اصلاح النظام التعليمي و ليس هذا من قبيل المصادفة فحالة الرضا عن الذات و تجنب النقد و النفور منه اصبحت للاسف احد الملامح الشائعة في الحياة السياسية و الثقافية ، و يعامل المثقف و السياسي الناقد بطريقة تؤدي الى عزله و اقصائه . و لا عذر او تبرير اذا كانت هذه الكلمة او المفهوم قد وردت في وثائق اخرى مثل النظام الداخلي او غيرها . فبرنامج الحزب هو اهم و ثيقة و يمثل هوية الحزب و قد يطلع المرء على هذه الوثيقة دون غيرها .
و لم ترد في البرنامج مصطلحات و تعابير مثل : العلمانية أو فصل الدين عن الدولة أو الحداثة ، ( وردت كلمة التحديث مرة واحدة فقط في مجال الثقافة و للاشارة الى مهمة الدولة في وضع تخصيصات لتشجيع التحديث و التنوير . كما لم ترد كلمات مثل : محافظون او تعدد الزوجات أو حق الطلاق او ظلاميون أو الاسلام السياسي . تحت أي بند و بأية صيغة .
كل السلبيات من صنع النظام السابق
في سياق تشخيص برنامج الحزب للسلبيات كما لاحظنا في أكثر من موقع يشير في الغالب الى مسؤولية النظام السابق ، بل إن الامر بلغ بالمسئولين عن صياغة البرنامج الى الاشارة في حقل المهجرين و المهاجرين كما رأينا و حصرهم بالذين غادروا العراق في عهد النظام السابق رغم إن هؤلاء الذين بقوا في الخارج في أغلبتهم الساحقة لا يواجهون مشاكل جدية بل إن أغلبيتهم الساحقة قد حصلت على جنسية البلد المضيف و هم يعيشون في بحبوحة بل إن قسما منهم لم يعد معنيا بالعراق اصلا .
في الوقت الذي يعيش فيه المهجرون في اعقاب السقوط في الداخل او في الخارج اوضاعا مزرية ، رفض السيد رئيس الوزراء أن يطلق على هؤلاء المهجرين اسم لاجئين على اعتبار ان العراق الجديد لا لاجئين فيه ، و هذا التلاعب بالتسميات هو نوع من محاولة طمس جوهر الأمور. و سواء كان مئات الالوف أو الملايين من العراقيين الذين يعيشون بعيدا عن بيوتهم و مدنهم و قراهم و احبتهم من الذين نهبت بيوتهم و احرقت بساتينهم و ضاعت ممتلكتهم مهجرين او لاجئين فإن الامر واحد و اذا ما كان السيد المالكي معنيا بتبييض صفحة حكومته فإننا ننتظر أن يدافع عنهم برنامج الحزب الذي دأب منذ نشأته على الدفاع عن حقوق المظلومين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي و العرقي و السياسي .
و لم يكن الميل الى القاء اللوم على النظام السابق وحده في هذا المجال بل تكررت محاولة تجنب تحميل الحكومة المسؤولية و جعل السلبيات بالكامل من صنع النظام السابق أو الاحتلال في أكثر من موقع .
الحلقة الرئيسية
إن المنهج الماركسي هو اهم جزء حافظ على حيويته في أفكار ماركس ، و يشير منهج ماركس الى أن هناك حلقة رئيسية في كل وضع ملموس يعتمد على حلها وتطويرها حل العديد من المشاكل الثانوية الاخرى و اذا لم نعرف الحلقة الرئيسة او المهمة المركزية تصبح الكثير من المجهودات عبثية و لا طائل من تحتها ، بمعنى اننا بدون حل القضية المركزية أو حزمة الاولويات لن نستطيع ان نحل ايا من المشاكل الاخرى .
و من السهولة معرفة ان الوضع الراهن يتطلب تشخيص الحلقة الرئيسية و المهمة المركزية بشكل ملح و من السهولة معرفة انه بدون حل هذه القضية فان حل قضايا كثير مهما فعلنا سيكون متعذرا .
و الحلقة المركزية في الوضع العراقي الملموس الآن هي الترابط العضوي و التلازم بين الديمقراطية ، و العلمانية ، و الفدرالية .
لا يمكن تحقيق أي واحدة من هذه الاهداف بدون الاخرى ، و ليس من حق أحد و بطريقة انتقائية أن يسقط احدى هذه المتلازمات التي تترابط عضويا ، و لعل المهمة الاكثر الحاحا بين هذه الجوانب الثلاثة رغم ترابطها هي قضية فصل الدين عن الدولة التي لا يمكن بدونها ان يكون هناك حرية تعبير او ديمقراطية او حل لمشاكل التعليم و التطوير العلمي او قضية المرأة و بالتالي لن تكون هناك حتى فدارلية و ستكون جهودنا مجرد عبث ان اسقطنا واحدة من هذه الاستحقاقات .
و رب معترض يقول أن المهمة الرئيسة و الحلقة الرئيسية هي القضاء على الارهاب ، و هذا صحيح تماما . و لكن في نفس الوقت ليس من الممكن القضاء على الارهاب بالوسائل العسكرية و انما بالوسائل السياسية و تحشيد جميع او اغلب قوى المجتمع وراء هدف الدولة الرئيسي و محور عملها من خلال تحديد هويتها خصوصا و ان المجتمع العراقي مجتمع تعددي ديني مذهبي و بدون فصل الدين عن الدولة و العمل على تأسيس حكومة تعتمد على مقومات المجتمع المدني تضيع كل جهودنا هباء ، و لذلك فان مهمة القضاء على الارهاب والعنف مرتبط اشد الارتباط بتحديد المهمة الرئيسية في البرنامج التي يستطيع أن يلف حوله قوى المجتمع السليمة و الذي يستطيع أن يعيد الهيبة الى سلطة الدولة و يمنع التدخل في عمليها من خلال المحاصصة المذهبية والقومية .
الثقافة البرنامج و التطبيقات
الثقافة و الموقف منها هي واحدة من أهم الفصول على الاطلاق لسبب بسيط : ثقافة سليمة و حرة تؤدي الى رقابة سليمة على سلوك الافراد و الاحزاب و الحكومة و مواقفها من قضايا المجتمع . و لذا فإن الموقف من مختلف القضايا : المرأة ، الفدرالية ، القضية الزراعية و المياه توزيع الثروات ...الخ أي باختصار جميع القضايا مرتبط اشد الارتباط بالموقف من الثقافة و حرية التعبير و الرأي و الرأي الاخر . أن حرية المثقف هي التي تضمن ارساء آلية تصحيح الاخطاء . و قد حققت اوربا دورها الحضاري و الريادي لأن الساسة قد احترموا دور المثقف و استقلاليته و استمعوا له . اما الفكر الشمولي و الستاليني فقد ازدرى المثقف و نعته بأسوأ النعوت : متذبذب ، غير منضبط ، متسيب الى آخر ما في جعبة الانظمة الشمولية و الساسة الشموليين من نعوت . و السبب هو أن المثقف لدى البعض : مزعج ، شكاك ، مشاغب ، لا يترك الامور تسير على رسلها بسهولة ينقب و يتفحص و لا يستسلم بسهولة يعتد برايه عنيد في سبيل الحقيقة .
و مثقف مستقل مشاكس ، كما قلنا في أكثر من مرة ، افضل من مثقف تابع مداح . لذا فان الفصل الذي يدعو الى عدم تسييس الثقافة في البرنامج هو واحد من الفصول المهمة ، لانه اذا ما طبق فسوف يضمن الاستقلالية لرقيب ضروري يتابع و ينبه و ينبش في النصوص التي تبدوا هادئة على السطح ، و بدونه سيبدو كل شيء على ما يرام رغم أن كل شيء ليس على ما يرام .
و لكننا مع ذلك لا نزال في الخطوة الاولى فبين الاقرار المبدئي بالفكر الصحيح من جهة و تبنيه عن قناعة و تحويله الى قوة فاعلة و اسلوب عمل مسافة شاسعة ، و تحتاج هذه العملية الى اعادة تربية و حزم و عدم تساهل و تجنب التسويات
ـ النتاجات الابداعية كسلعة
و لا مفر امامنا من العودة الى النص التالي في مجال الثقافة
" مواجهة وكبح الاتجاهات المحتمل بروزها في المرحلة المقبلة ، مع تبلور ملامح النظام الجديد في البلاد ، نحو تحويل الثقافة الى سلعة مجردة "
و رغم اننا قد أشرنا الى خطورة هذه الفقرة و ما تحتويه ما امكانية التفسير الملتبس من خلال كلمتي : " مواجهة و كبح " الا ان هناك جانب اخير لا يمكن اغفاله و هو تحول الثقافة الى سلعة مجردة .
إن من المعروف إن النتاجات الابداعية اسوة بكل النتاجات الاخرى المادية و الخدمات تتحول خارج ارادة المنتج المباشرة و بحكم علاقات الانتاج نفسها الى سلعة في المجتمع السلعي و لم ير ماركس الى امكانية خلق جزر من النتاجات غير السلعية في المجتمع السلعي الا كبقايا متخلفة من نظام الانتاج البطريركي آيلة الى الزوال ، و ذلك ببساطة لأن هذا الامر غير ممكن ، ويرى ماركس ان المجتمع السلعي متقدم جدا على المجتمع البطريركي الابوي الذي ينتج البضاعة للاستهلاك العائلي . و في هذا السياق فان المقصود بالسلعة هي ذلك المنتج المادي او الخدمي من الذي يعد للبيع الى مستهلك غير محدد و غير معلوم سلفا يقرره السوق . و الدعوة الى عدم تحويل الثقافة الى سلعة مجردة اما انها تعبير ادبي لم استطع التوصل الى جوهره أو افهم معناه ، او انها بالتعبير العلمي ، وهذا هو الغالب ، تعني ما اشرت اليه ، أي : العمل في المجتمع السلعي على جعل الثقافة غير سلعية . و بالرغم من أن هذا غير ممكن الا انه يعني اذا ما طبق ان من حق جميع المنتجين أن يبيعوا نتاجهم : اللحام و الجزار و بائع الخضار و الصناعي و عامل الخدمات ...الخ الا المبدع : الكاتب و الرسام و المسرحي ، أي بتعبير آخر ان على الرسام ان لا يبيع اللوحة و على الموسيقي و المسرحي أن لا يتقاضى اجرا لقاء حفلة موسيقية و على الكاتب أن لا يطالب الصحف بمكافأة نقدية ازاء مقالاته او ان لا يبيع كتبه .
و بما أن النتاجات الابداعية تلبي حاجة روحية لا غني عنها للمستهلك ، و بما أن المجتمع والقادرين على الدفع يدفعون الى المبدع لقاء هذه المتع الروحية اسوة بالمتع المادية من اكل و شراب حين يختلفون الى المسارح و يستمعون الى المقطوعات الموسيقية او يقتنون لوحة ما ، فلا أفهم لماذا ينبغي على المبدع ان لا يتلقى مقابلا نقديا نتيجة ابداعه خصوصا و ان المنتج الابداعي يحتاج هو الآخر الى مصاريف و تكاليف و تعليم و ثقافة و مران طويل و ايام و سنين من العمل الشاق ، كما أن من حق المبدع اسوة مثلا لنقل بالقصاب أن يعيش عيشة مقبولة لكي يستطيع ان يستمر في عمله .
و بذا نجد أن فنانين مثل بيكاسو كانوا يجعلون من لوحاتهم سلعة بل و يتفننون في بيعها و المساومة عليها رغم ان بيكاسو كان شيوعيا و كذلك فرناند ليجيه ، و هذا الامر لا يتناقض مع سمو الفن و تعبيره عن اهداف سامية كما رأينا في أعمال بيكاسو نفسه .
أنتهى
منير العبيدي
13 ـ 6 ـ 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال