الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-

ماو تسي تونغ

2007 / 6 / 16
الارشيف الماركسي


و لننتقل الآن إلى مسألة المرونة . إن المرونة ظاهرة تجسد المبادرة بصورة عملية . إن استخدام القوات بمرونة هو أمر أكثر ضرورة في حرب العصابات منه في الحرب النظامية .

إن من واجب قادة حرب العصابات أن يدركوا أن استخدام القوات بمرونة هو أهم وسيلة من أجل تبديل الأوضاع القائمة بين العدو و بيننا و من أجل كسب زمام المبادرة .و بناء على خصائص حرب العصابات فإن استخدام القوات لا بد أن تتغير بمرونة حسب المهام و الظروف من نحو وضعية العدو و طبيعة الأرض و مشاعر السكان ، و الطرق الرئيسية هي تقسيم القوات ، و تركيزها ، و تغيير مراكزها . إن قائد حرب العصابات لأشبه في استخدامه لقوات العصابات بصياد يرمي شبكته ، إذ يجب على الصياد أن يحسن نشر الشبكة و أن يحسن سحبها . و حين ينشر الصياد شبكته يجب عليه أن يتأكد من عمق المياه ، و سرعة التيار ، و وجود العقبات أو انعدامها . كذلك يجب على قائد حرب العصابات حين يستخدم قواته في وحدات مقسمة أن يحتاط كي لا تصاب القوات بخسائر نتيجة جهل الوضع و القيام بعمليات خاطئة . و مثلما يجب على الصياد أن يمسك جيدا بنهاية الحبل كي يسحب شبكته ، كذلك يجب على القائد حين يستخدم قواته في وحدات مقسمة أن يكون على اتصال دائم بجميع الفرق و أن يبقي في يده قسما مناسبا من القوات الرئيسية . و مثلما يجب على الصياد أن يغير مكانه من حين إلى آخر ، كذلك يجب على قوات العصابات أن تغير مراكزها من حين إلى آخر . إن تقسيم القوات و تركيزها و تغيير مراكزها هي الطرق الثلاث لاستخدام القوات بمرونة في حرب العصابات .

و على العموم ، فإن تقسيم قوات العصابات ، أي " تقسيم الكل إلى أجزاء " ، يجري بصورة عامة في الظروف التالية : 1ـ حين نحاول تهديد العدو على جبهة واسعة في حالة أن العدو يتخذ موقف الدفاع و يستحيل علينا مؤقتا أن نقاتل بقوات مركزة ؛ 2ـ حين نريد أن نشوش على قوات العدو و نقوم بأعمال النسف و التخريب على نطاق واسع في المنطقة التي تكون قوات العدو فيها ضعيفة ؛ 3ـ حين نحاول صرف انتباه العدو كي نتمكن من الإفلات منه ، و ذلك عندما نكون عاجزين عن تحطيم التطويق و الهجمات من قبله ؛ 4ـ حين نواجه المصاعب الناتجة عن طبيعة الأرض أو قضايا التموين ؛ 5 حين نقوم بالحركات الجماهيرية في منطقة شاسعة . لكنه ينبغي توجيه الانتباه ، حين تعمل القوات مقسمة في أي ظرف من الظروف المذكورة ، إلى النقاط التالية : 1ـ لا يجوز تقسيم القوات بصورة متساوية تساويا مطلقا ، بل ينبغي الاحتفاظ بقسم كبير منها في مكان ملائم للتحركات ، بحيث يمكن استخدامه في مجابهة ما قد يحصل من أحداث ، و من جهة أخرى يمكن استخدامه في مهمة رئيسية من المهمات التي تؤديها قوات العصابات في وحدات مقسمة ؛ 2ـ ينبغي أن تعين لكل وحدة من الوحدات المقسمة مهامها بكل وضوح ، و أن تحدد لها ميادين العمليات ، و مدتها ، و مكان الحشد ، و طرق الاتصال و وسائله .

أما طريقة تركيز القوات أي " تجميع الأجزاء في كل واحد " ، فنستخدمها عادة من أجل إفناء العدو حين يهاجمنا ، كما نستخدمها أحيانا من أجل إفناء بعض قوات العدو المرابطة حين يكون العدو في موقف الدفاع . و لا يعني تركيز القوات التركيز المطلق ، و إنما يعني تركيز القوات الرئيسية لاستخدامها في اتجاه هام ، في حين يترك في الاتجاهات الأخرى أو يرسل إليها قسم من القوات لغرض تقييد تحركات العدو و التشويش عليه أو القيام بأعمال النسف و التخريب ، أو للقيام بالحركات الجماهيرية .

و على رغم أن تقسيم القوات و تركيزها بمرونة وفقا للظروف كلاهما طريقة رئيسية في حرب العصابات ، فإنه يجب علينا أن نعرف كذلك كيف ننقل ( نغير مراكز ) قواتنا بمرونة . فحين يشعر العدو بأن قوات العصابات تهدده بصورة خطيرة ، فإنه سيرسل القوات من أجل قمعها أو مهاجمتها . و لذا يجب على قوات العصابات أن تمعن النظر في الظروف المحيطة بها ، فإذا وجدت الظروف ملائمة للقتال خاضت القتال في مكانها ، و إذا وجدتها غير ملائمة للقتال ، فإن من واجبها أن تنتقل سريعا إلى اتجاه آخر دون إضاعة الوقت .

و يحدث أحيانا لغرض تحطيم وحدات العدو كلا على حدة ، أن تنتقل قوات العصابات من مكانها ، فور سحقها لإحدى قوات العدو ، إلى مكان آخر كي تبيد قوة أخرى . و في أحيان أخرى يتحتم على قوات العصابات ، حين تجد الظروف في مكان ما غير ملائمة للقتال ، أن تتخلص على الفور من العدو و تنتقل إلى مكان آخر كي تقاتل هناك . و إذا كانت قوات العدو تشكل تهديدا خطيرا جدا ، فإنه لا يحسن أن تبقى قوات العصابات طويلا في مكان واحد ، بل يجب عليها تبديل مراكزها بسرعة فائقة كالسيل الجارف و الريح الهوجاء . و على العموم يجب أن يتم نقل القوات في ظل السرية و بسرعة . و إنه لمن الواجب على الدوام استخدام الحيل البارعة لأجل خداع العدو و استدراجه و تضليله ، كالقيام بعمليات خداعة في جهة لشن الهجوم في جهة أخرى ، و الظهور فجأة في هذه الجهة و الظهور بعد لحظات في جهة أخرى ، و توجيه الضربات إلى العدو و الاختفاء في الحال ، و العمليات الليلية ..إلخ .

إن المرونة في تقسيم القوات و تركيزها و نقلها هي شيء يجسد المبادرة بصورة عملية في حرب العصابات ، في حين أن الجمود و بطء الحركة يؤديان بصورة حتمية إلى موقف سلبي و يسببان خسائر لا مبرر لها . بيد أن فطنة القائد لا تعني أنه يدرك أهمية استخدام القوات بمرونة ، و إنما تعني أنه يقدر على تقسيم قواته أو تركيزها أو نقلها في الوقت المناسب وفقا للظروف المحددة . و ليس مثل هذه الفطنة في تقدير الحالات المتغيرة و انتهاز الفرص السانحة صفة سهلة المنال ، إذ لا يمكن أن يكسبها إلا أولئك الذين يدرسون دراسة مجردة من النزعة الذاتية ، و يتابعون تطورات الأوضاع باستمرار و يمعنون النظر فيها . و إنه من الضروري دراسة الأوضاع بترو حتى لا تتحول المرونة إلى طيش .

لننتقل أخيرا إلى مسألة التخطيط . إن كسب النصر في حرب العصابات لا يتأتى بمعزل عن التخطيط . و إن من يظن إنه يمكن إن يخوض حرب العصابات كما يحلو له إنما هو يعبث بحرب العصابات أو هو رجل يجهل ما هي حرب العصابات . إن جميع عمليات العصابات ، سواء أ كانت عمليات تشمل منطقة بأكملها من مناطق حرب العصابات ، أم كانت عمليات تقوم بها فصيلة من فصائل العصابات أو فرقة من فرقها ، يجب أن يسبقها تخطيط دقيق قدر الإمكان ، و هذا هو العمل التحضيري الذي يسبق كل عملية من العمليات . إن الاطلاع على الظروف ، و تحديد المهمات ، و توزيع القوات ، و التثقيف العسكري و السياسي ، و إعداد المؤن ، و تهيئة العتاد ، و كسب التأييد الشعبي ..إلخ ، هذه كلها من ضمن أعمال القادة التي يجب أن يمعنوا النظر فيها و ينفذوها تنفيذا حازما و يراجعوا مدى تنفيذها . و لا يمكن ـ بدون هذا ـ أن تتحقق المبادرة أو المرونة أو الهجوم . و طبيعي أن ظروف حرب العصابات لا تسمح بتلك الدرجة العالية من الدقة في التخطيط التي نجدها في الحرب النظامية ، و بنتيجة ذلك فإنه من الخطأ أن نسعى إلى وضع خطط متسمة بالدقة المحكمة في حرب العصابات ، لكنه من الضروري مع ذلك ، في حدود ما تسمح به الظروف الموضوعية ، أ، نضع خططا دقيقة قدر الإمكان ، إذ يجب أن نفهم أن الكفاح ضد العدو ليس مزاحا .

إن النقاط الواردة أعلاه توضح القضية الأولى المتعلقة بالمبادئ الاستراتيجية لحرب العصابات : المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي . و هذه هي القضية المركزية الأولى المتعلقة بالمبادئ الاستراتيجية لحرب العصابات . و إن حل هذه القضية يوفر ، من حيث القيادة العسكرية ، الضمانة المهمة للنصر في حرب العصابات .

و على الرغم من أننا عالجنا ههنا أمورا كثيرة ، فإنها تتركز جميعا حول الهجوم على مستوى الحملة و المعركة . و لا يمكن كسب المبادرة نهائيا إلا بعد إحراز النصر في الهجوم . إنه لمن الواجب أن نبادر إلى تنظيم جميع العمليات الهجومية بدلا من أن نلجأ إليها مضطرين . و إن استخدام القوات بمرونة يدور حول هذه النقطة الأساسية ـ القيام بالعمليات الهجومية ، و كذلك فإننا حين نقول إن التخطيط ضروري إنما نهدف بصورة رئيسية إلى كسب النصر في الهجوم .

إن التدبير الدفاعية التكتيكية تصبح عديمة المغزى إذا لم تدعم الهجوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة . إن حسم المعارك بسرعة هو مسألة تتعلق بمدة الهجوم ، كما أن القتال في الخط الخارجي هو مسألة تتعلق بنطاق الهجوم . إن الهجوم هو الوسيلة الوحيدة من أجل إفناء العدو ، كما أ،ه الوسيلة الرئيسية من أجل المحافظة على الذات ، في حين أن الدفاع البحت و التراجع المحض لا يمكن أ، يلعبا إلا دورا مؤقتا و جزئيا في المحافظة على الذات ، و هما عديما الجدوى كليا في إفناء العدو .

إن هذا المبدأ نفسه ينطبق بصورة متماثلة من حيث الأساس على كل من الحرب النظامية و حرب العصابات ، و كل ما هناك من اختلاف إنما يظهر في درجة تطبيقه .و لكن من الهم و من الضروري في حرب العصابات أن ننتبه إلى هذا الاختلاف . إن هذا الاختلاف في درجة التطبيق هو بالضبط السبب في اختلاف أساليب العمليات في حرب العصابات عن أساليب العمليات في الحرب النظامية ، و إذا ما أهملنا هذا الاختلاف فإن النصر في حرب العصابات يصبح أمرا مستحيلا .


الفصل الخامس : التعاون مع الحرب النظامية :
----------------------------



إن القضية الاستراتيجية الثانية في حرب العصابات هي تعاون هذه مع الحرب النظامية . و سنوضح هنا العلاقة بين عمليات حرب العصابات و عمليات الحرب النظامية وفقا لطبيعة العمليات الفعلية لحر العصابات . و إن فهم هذه العلاقة ذو أهمية بالغة في هزيمة العدو بصورة فعالة .

إن هناك ثلاثة أنواع من التعاون بين حرب العصابات و الحرب النظامية : التعاون في الناحية الاستراتيجية ، التعاون في الحملات ، و التعاون في المعارك .

إن الدور الذي تلعبه حرب العصابات بمجموعها في مؤخرة العدو من إضعافه و تقييد تحركاته و عرقلة نقلياته ، و دورها في رفع معنويات الجيوش النظامية و الشعب في مختلف أرجاء البلاد ، هذه كلها تعد تعاونا استراتيجيا مع الحرب النظامية . و لنأخذ مثلا حرب العصابات في المقاطعات الشمالية الشرقية الثلاث ، فإن قضية التعاون لم تكن قائمة طبعا قبل اندلاع حرب المقاومة على نطاق البلاد ، لكن أهمية التعاون قد تجلت بعد اندلاع هذه الحرب . ذلك أن قوات العصابات هناك كلما قتلت جنديا من جنود العدو أو اضطرته إلى استهلاك رصاصة أو قيدت تحركات جندي من جنوده و منعته من التقدم نحو جنوب السور العظيم ، ساهمت في زيادة قوة المقاومة. و إنه لشيء ظاهر للعيان أيضا أثر حرب العصابات في تحطيم معنويات جيش العدو كله و بلاد العدو كلها و أثرها الطيب في رفع معنويات كل جيشنا و شعبنا . أما دور التعاون الاستراتيجي الذي تلعبه حرب العصابات الجارية على جانبي خطوط سكك حديد بيبينغ ـ سوييوان و بيبنغ ـ هانكو و تيانجين ـ بوكو وداتونغ ـ بوتشو وتشنغدينغ ـ تاي يوان و شانغاي ـ هانغتشو فيمكننا أن نلاحظه بوضوح أكثر . إن قوات العصابات تتعاون مع الجيوش النظامية في أداء مهمة الدفاع الاستراتيجي في هذا الوقت الذي يشن فيه العدو هجوما استراتيجيا ، كما أنها ستتعاون معها في تحطيم دفاع العدو حين ينهي هجومه الاستراتيجي و يتحول إلى الدفاع عن المناطق التي احتلها ، و ليس هذا حسب بل سوف تتعاون أيضا مع الجيوش النظامية في دحر العدو و استرداد جميع الأراضي المفقودة حين تشن الجيوش النظامية هجوما مضادا استراتيجيا ، إنه لن يجوز التغاضي عن دور التعاون العظيم الذي تلعبه حرب العصابات من حيث الاستراتيجية . و إنه ليجب على قادة قوات العصابات و الجيوش النظامية أن يدركوا هذا الدور جيدا .

و ليس هذا فحسب بل إن حرب العصابات تلعب دور التعاون في الحملات أيضا . و مثال ذلك أنه في أثناء حملة شينكو الواقعة شمال تاي وان لعبت حرب العصابات في شمال يانمنقوان و جنوبها دور التعاون الكبير مع الحملة حيث دمرت سكة حديد داتونغ ـ بوتشو ، و طرق السيارات في بينغشينغقوان و يانغفانغكو . و مثال آخر هو أن حرب العصابات التي انتشرت في جميع أنحاء شانشي بعد أن احتل العدو فنغلينغدو ( و قد جرت عملياتها بصورة رئيسية من قبل الجيش النظامي ) قد لعبت دورا أعظم في التعاون مع الحملات الدفاعية على الضفة الغربية للنهر الأصفر في مقاطعة شنشي و على ضفة النهر الجنوبية في مقاطعة خنان . و مثال ثالث هو أنه حين هاجم العدو جنوبي شاندونغ ساهمت حرب العصابات في جميع المقاطعات الخمس بشمال الصين مساهمة كبيرة في التعاون مع حملات جيشنا النظامي في جنوب شاندونغ . و إزاء هذه المهمة يجب على قادة جميع قواعد حرب العصابات في مؤخرة العدو ، و كل قادة فرق العصابات المرسلة مؤقتا إلى مؤخرة العدو أن يوزعوا قواتهم على أفضل صورة ، و يتخذوا مختلف الوسائل وفقا للظروف الزمنية و المكانية للقيام بعمليات إيجابية ضد أشد نقاط العدو حيوية و أكثرها ضعفا ، و ذلك بغية إضعاف العدو و تقييد تحركاته و عرقلة نقلياته و رفع معنويات جيوشنا التي تخوض الحملات في الخط الداخلي ، و بذلك يؤدون مهمة التعاون خلال الحملات . و إذا ما قاتلت كل منطقة من مناطق حرب العصابات ، أو كل وحدة من قواتها بصورة منفردة مهملة أمر التعاون مع الجيوش النظامية في العمليات الحربية على مستوى الحملة ، فإنه رغم أنها قد لعبت دورا في التعاون في العمليات الاستراتيجية عامة إلا أن أهميتها في التعاون الاستراتيجي قد ضعفت بسبب عدم قيامها بالتعاون في العمليات الحربية على مستوى الحملة . إن هذه النقطة جديرة بالاهتمام البالغ من جانب قادة حرب العصابات كلهم . و إنه لمن الضروري كل الضرورة ، في سبيل تحقيق هذا التعاون ، أن تجهز كل فصائل العصابات و فرقها الكبيرة نسبيا بأجهزة الاتصالات اللاسلكية .

و أخيرا فإن التعاون في المعارك ، أي التعاون في عمليات القتال ، هو مهمة جميع قوات العصابات الموجودة على مقربة من ميدان القتال في الخط الداخلي ، و هي مهمة تقتصر بطبيعة الحال على قوات العصابات القريبة من الجيوش النظامية أو على تلك الوحدات المرسلة ـ مؤقتا ـ من قبل الجيوش النظامية للقيام بحرب العصابات . إن من واجب قوات العصابات في مثل هذه الحال أن تعمل بتوجيهات قادة الجيوش النظامية و تنفذ المهمات التي يعينونها لها ، و هي عادة مهمات تستهدف تقييد تحركات قسم من قوات العدو ، و عرقلة نقلياتها ، و استطلاع أحوالها ، و القيام بدور الدليل للجيوش النظامية . و حتى لو لم تتلق قوات العصابات أي توجيه منهم ، فإن من واجبها تنفيذ مثل هذه المهمات من تلقاء نفسها . و لا يجوز لها أن تقف مكتوفة اليدين دون تحرك و لا قتال ، أو تكتفي بالتحرك دون قتال .


الفصل السادس : إنشاء القواعد :
-------------------




إن القضية الاستراتيجية الثالثة في حرب العصابات المناهضة لليابان هي إنشاء القواعد . إن ضرورة القواعد و أهميتها تنشأ عن طول أمد الحرب و ضراوتها . ذلك أننا لا نستطيع استرجاع أراضينا المغتصبة إلا حين نشن هجوما استراتيجيا مضادا على نطاق البلاد كلها ، أما قبل ذلك فإن جبهة العدو ستمتد بعيدا في وسط بلادنا و تقسمها شطرين ، و سوف يقع قسم من أراضينا يقل عن النصف ، بل و قد يزيد عليه ، في يد العدو و يصبح مؤخرة له . إن من واجبنا أ، ننشر حرب العصابات في كل هذه المناطق الشاسعة التي يحتلها العدو ، محولين مؤخرته إلى جبهة أمامية ، و فارضين عليه القتال بلا انقطاع في مختلف أرجاء المناطق المحتلة . و طالما لم نشن هجومنا الاستراتيجي المضاد و لم نسترد أراضينا المغتصبة ، فإنه علينا أن نواظب على حرب العصابات في مؤخرة العدو ، و على الرغم من أننا لا نستطيع أن نحدد مدة تلك الحرب على وجه الدقة ، فإنها بلا شك ستكون طويلة جدا ، و هذا ما نعنيه بطول أمد الحرب . و في الوقت نفسه فمن المؤكد أن العدو سيضاعف يوما بعد يوم عملياته ضد حرب العصابات من أجل حماية مصالحه في المناطق المحتلة و أنه سيقمع قوات العصابات بكل قسوة و خاصة بعد أن يوقف هجومه الاستراتيجي . و هكذا فإن حرب العصابات في مؤخرة العدو بسبب طول أمد الحرب و ضراوتها ، لا تستطيع الصمود بدون القواعد . فما هي قواعد حرب العصابات؟ إنها قواعد استراتيجية تعتمد عليها حرب العصابات في تنفيذ مهماتها الاستراتيجية من أجل تحقيق غرض المحافظة على قواتنا و توسيع صفوفها و إفناء العدو و طرده . و بدون هذه القواعد الاستراتيجية ستفقد حرب العصابات ما تعتمد عليه في تنفيذ أي مهمة من المهمات الاستراتيجية أو تحقيق أي غرض من أغراض الحرب . و معلوم أن القتال دون مؤخرة هو إحدى خصائص حرب العصابات في مؤخرة العدو ، ذلك لأن حرب العصابات تجرى منعزلة عن مؤخرة البلاد العامة . لكنه لا يمكن لحرب العصابات أن تستمر طويلا و لا تتطور بدون القواعد ، فهذه القواعد هي بمثابة مؤخرة لها لقد عرف التاريخ حروبا فلاحية كثيرة جرت حسب أسلوب العصابات المتنقلة و قد باءت جميعا بالإخفاق ، إن محاولة كسب النصر بأسلوب العصابات المتنقلة هي وهم لا يقوم على أي أساس خصوصا في عصرنا هذا الذي تقدمت فيه وسائل المواصلات و التكنيك . و لكن نزعة العصابات المتنقلة لا تزال موجودة عند الفلاحين المفلسين ، و حين تنعكس نزعتهم هذه على أذهان قادة حرب العصابات فإنها تتجلى في نظرة رفض إنشاء القواعد أو عدم تقدير أهميتها . و لذا فإن تصفية هذه النزعة من أذهان قادة حرب العصابات شرط مسبق لرسم سياسة إنشاء القواعد . إن مسألة إنشاء القواعد أو عدم إنشائها ، مسألة تقدير أهميتها أو عدم تقديرها ، أو بتعبير آخر مسألة الصراع بين فكرة إنشاء القواعد و نزعة العصابات المتنقلة ، تنشأ في أي حرب من حروب العصابات ،و لا يمكن لحرب العصابات المناهضة لليابان أن تشذ ، إلى درجة ما ، عن هذه القاعدة . و لذا فإن الصراع الفكري ضد نزعة العصابات المتنقلة سيكون عملية لا يمكن الاستغناء عنها . ذلك لأننا لا نستطيع المثابرة على حرب عصابات طويلة الأمد إلا بتصفية نزعة العصابات المتنقلة تصفية تامة و تنفيذ سياسة إنشاء القواعد .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي