الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان - ( مايو أيار 1938 )

ماو تسي تونغ

2007 / 6 / 15
الارشيف الماركسي


الفصل الأول : لماذا نطرح قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات ؟
--------------------------------------------
إن الحرب النظامية تلعب الدور الرئيسي في حرب المقاومة ضد اليابان ، أما حرب العصابات فهي تلعب فيها دورا مساعدا . و لقد توصلنا إلى فهم صحيح حول هذه المسألة . و ما دام الأمر كذلك فإننا لن نجابه في حرب العصابات إلا قضايا تكتيكية ، فلماذا نطرح إذن قضايا الاستراتيجية ؟

لو كانت الصين بلدا صغيرا يقتصر فيه دور حرب العصابات على دعم عمليات الجيش النظامي على مستوى الحملة دعما مباشرا و على مسافات قريبة ، فمن الطبيعي ألا تواجه حرب العصابات في هذه الحال سوى القضايا التكتيكية وحدها دون القضايا الاستراتيجية . و كذلك لو كانت الصين بمثل قوة الاتحاد السوفيتي تستطيع أن تطرد العدو سريعا حين يعتدي عليها ، أو لا تستطيع طرد العدو سريعا و لكنها قادرة على منعه من احتلال مناطق واسعة من أراضيها ، فإن حرب العصابات لن تلعب في هذه الحال سوى دور دعم الحملات أيضا ، و من الطبيعي أنها لن تواجه إذن سوى القضايا التكتيكية وحدها من دون القضايا الاستراتيجية .

إن القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات نشأت في الظروف التالية :

ليست الصين بلدا صغيرا كما أنها ليست بلدا مثل الاتحاد السوفيتي ، بل هي بلد كبير و لكنه ضعيف . و إن هذا البلد الكبير و الضعيف يتعرض الآن لهجوم بلد صغير و لكنه قوي ، إلا أن هذا البلد الكبير و الضعيف يشهد اليوم مرحلة تقدم ، و من هنا نشأت القضايا كلها ، و في هذه الظروف فإن في استطاعة العدو أن يحتل مناطق واسعة جدا و ارتدت الحرب طابع حرب طويلة الأمد . إن هذا العدو سوف يحتل مناطق واسعة جدا في بلدنا الكبير ، لكنه نظرا لأن قواته المسلحة غير كافية بسب صغر بلده ، سيترك في المناطق المحتلة أماكن كثيرة لا يستطيع السيطرة عليها ، لذلك فإن المهمة الرئيسية لحرب العصابات المناهضة لليابان ليست القتال في الخط الداخلي لدعم حملات القوات النظامية بل هي القتال بصورة مستقلة في الخط الخارجي ، و بما أن الصين تشهد مرحلة تقدم بسبب وجود جيش قوي العزيمة و جماهير شعبية غفيرة يقودهما الحزب الشيوعي فإن حرب العصابات المناهضة لليابان ليست حربا ضيقة النطاق ، بل هي حرب واسعة النطاق ، و من تم برزت سلسلة كاملة من القضايا كقضية الدفاع الاستراتيجي . ثم لما كانت الحرب حربا طويلة الأمد و كانت بالتالي حربا ضارية فقد تحتم على حرب العصابات أن تقوم بمهمات عديدة غير مألوفة لديها ، و مت هنا نشأت قضية القواعد و قضية تطور حرب العصابات إلى حرب متحركة و غيرهما من القضايا . و هكذا فإن حرب العصابات الصينية المناهضة لليابان قد تجاوزت حدود التكتيك و راحت تطرق باب الاستراتيجية مطالبة بدراسة مسائل حرب العصابات من وجهة النظر الاستراتيجية . و إن ما يستأهل اهتمامنا بصورة خاصة هو أن حرب عصابات واسعة النطاق و طويلة الأمد مثل هذه هي شيء جديد كل الجدة في كل التاريخ الحربي للإنسان ، و هو شيء لا يمكن فصله عن حقيقة أن الزمن قد تقدم إلى الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن العشرين و كذلك لا يمكن عن وجود الحزب الشيوعي و الجيش الأحمر ، و هذه هي النقطة الجوهرية للمسألة . و لعل أعداءنا لا تزال تراودهم الأحلام العذبة في تكرار قصة قضاء أسرة يوان على أسرة سونغ و قضاء أسرة تشينغ على أسرة مينغ و احتلال بريطانيا لأمريكا الشمالية و الهند و احتلال البلدان اللاتينية لأمريكا الوسطى و الجنوبية ..إلخ . بيد أنه لم يعد لمثل هذه الأحلام أية قيمة واقعية في الصين المعاصرة ، ذلك لأنه تتوفر فيها عوامل معينة لم تكن متوفرة زمن الحوادث المذكورة آنفا ، و من بين هذه العوامل حرب العصابات هذه التي هي شيء جديد كل الجدة . و إذا أهمل أعداؤنا هذه النقطة ، فمن المؤكد أنهم سيدفعون ثمن إهمالهم غاليا .

هذه هي الأسباب التي تقضي بدراسة حرب العصابات المناهضة لليابان من وجهة النظر الاستراتيجية على الرغم من أنها لا تلعب إلا دورا مساعدا في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها .

إذن فلماذا لا نطبق على حرب العصابات المبادئ الاستراتيجية العامة لحرب المقاومة ضد اليابان ؟

إن القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان هي بطبيعتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقضايا الاستراتيجية في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها ، بسبب أن هناك نقاطا مشتركة كثيرة تجمع بينهما . و لكن حرب العصابات من جهة أخرى تختلف عن الحرب النظامية و لها خصائصها المميزة ، و بالتالي فإن قضاياها الاستراتيجية تتميز كذلك بكثير من الخصائص ، و لذلك لا يجوز لنا أبدا أن نطبق المبادئ الاستراتيجية العامة لحرب المقاومة ضد اليابان ، بدون تعديل ، على حرب العصابات التي تتميز بخصائصها المحددة .

الفصل الثاني : مبدأ الحرب الأساسي هو المحافظة على النفس و إفناء العدو :
-----------------------------------------------


لا بد لنا قبل أن نعالج بالتفصيل موضوع القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات أن نتحدث قليلا عن القضايا الأساسية للحرب .

إن جميع المبادئ الموجهة للعمليات العسكرية تنطلق بلا استثناء من مبدأ أساسي واحد ، ألا و هو السعي قدر الإمكان إلى المحافظة على القوة الذاتية و تحطيم قوة العدو إن هذا المبدأ ليرتبط في الحرب الثورية ارتباطا مباشرا بمبدئها السياسي الأساسي . و مثال ذلك أن المبدأ السياسي الأساسي لحرب المقاومة التي تخوضها الصين ضد اليابان ، أي غرضها السياسي ، هو طرد الإمبريالية اليابانية و إنشاء صين جديدة مستقلة حرة و سعيدة . و إن هذا المبدأ ليعني ، حين يطبق من الناحية العسكرية ، استخدام القوات المسلحة للدفاع عن وطننا ا"لأم و طرد الغزاة اليابانيين منه . ففي سبيل تحقيق هذا الغرض تتمثل أعمال القوات المسلحة ذاتها فيما يلي : السعي قدر الإمكان إلى المحافظة على قوتها الذاتية ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى العمل بقدر الإمكان على تحطيم قوة العدو . و لكن كيف نبرر حثنا على التضحية البطولية في الحرب ؟ إن كل حرب تتطلب ثمنا ، و قد يكون هذا الثمن باهظا جدا في بعض الأحيان لكن ، ألا يناقض هذا مبدأ "المحافظة على النفس" ؟ في الحقيقة ليس ثمة تناقض على الإطلاق ، و إذا شئنا المزيد من الدقة ، قلنا إن التضحية و المحافظة على النفس أمران متضادان و متكاملان في وقت واحد ، ذلك أن مثل هذه التضحية أمر ضروري لا من أجل إفناء العدو فحسب ، بل من أجل المحافظة على النفس أيضا ، فإن "عدم المحافظة" لبعض الوقت على جزء من القوات (تضحية أو دفع ثمن) ضروري من أجل المحافظة على الكل بصورة دائمة . و تنبثق عن هذا المبدأ الأساسي سلسلة من المبادئ الموجهة لجميع العمليات العسكرية ، من مبدأ الرماية ( التستر للمحافظة على النفس ، و استخدام قوة النار إلى أقصى حد من أجل إفناء العدو ) حتى المبادئ الاستراتيجية ، بجميعها مشربة بروح هذا المبدأ الأساسي ، إن جميع المبادئ الخاصة بالعمليات التكنيكية و التكتيكية و بالحملات و كذلك المبادئ الاستراتيجية تعد كلها تطبيقات لهذا المبدأ الأساسي . و إن مبدأ المحافظة على النفس و إفناء العدو هو أساس جميع المبادئ العسكرية .

الفصل الثالث : ست قضايا استراتيجية محددة في حرب العصابات المناهضة لليابان :
-----------------------------------------------------


لننظر الآن ما هي السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في عمليات حرب العصابات المناهضة لليابان حتى نستطيع بلوغ الغاية المنشودة التي هي المحافظة على النفس و إفناء العدو؟ لما كانت قوات العصابات في حرب المقاومة ضد اليابان (بل في سائر الحروب الثورية ) تنشأ على العموم من العدم و تتسع من قوة ضئيلة إلى قوة ضخمة ، فإن عليها أن تسعى لا إلى المحافظة على نفسها فحسب ، بل إلى توسيع صفوفها أيضا . و هكذا فإن السؤال يكون على الوجه التالي : ما هي السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في حرب العصابات حتى نستطيع بلوغ الغاية المنشودة التي هي المحافظة على قواتنا أو توسيعها و إفناء العدو ؟

إن السياسات الرئيسية تنحصر على العموم في النقاط التالية : 1ـ المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و في القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي ؛ 2ـ تنسيق عمليات حرب العصابات مع عمليات الحرب النظامية ؛ 3ـ إنشاء القواعد ؛4ـ الدفاع الاستراتيجي و الهجوم الاستراتيجي ؛ 5ـ تطوير حرب العصابات إلى حرب متحركة ؛ 6ـ إنشاء علاقة صحيحة بين القيادات . إن هذه النقاط الست تشكل كل البرنامج الاستراتيجي لحرب العصابات المناهضة لليابان و تدلنا على السبيل الذي يجب أن نسلكه من أجل المحافظة على قوات العصابات و توسيعها و إفناء العدو و طرده و تنسيق عملياتها مع عمليات الحرب النظامية و كسب النصر النهائي .


الفصل الرابع : المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و في القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض عمليات الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي :
----------------------------------------------------------------------------------------------------


يمكننا أن نقسم هذا الموضوع إلى أربع نقاط : 1ـ العلاقة بين الدفاع و الهجوم ، و العلاقة بين طول أمد الحرب و سرعة حسم العمليات فيه ، و العلاقة بين الخط الداخلي و الخط الخارجي ؛ 2ـ أخذ زمام المبادرة في جميع العمليات ؛ 3ـ المرونة في استخدام القوات ؛ 4ـ التخطيط في جميع العمليات .

و لنبدأ بالنقطة الأولى . لما كانت اليابان بلدا قويا في وضعية الهجوم ، في حين أن الصين بلد ضعيف في وضعية الدفاع في حرب المقاومة د اليابان بمجموعها ، فقد اقتضى الأمر أن نخوض حربا دفاعية و طويلة الأمد من الناحية الاستراتيجية . و فيما يتعلق بخطوط القتال ، فإن العدو يقاتل في الخط الخارجي و نحن نقاتل في الخط الداخلي . هذا جانب واحد من الوضع ، أما الجانب الآخر فهو على نقيض ذلك . فإن قوات العدو على رغم أنها قوية ( من حيث ما تتمتع به من جودة الأسلحة و حسن التدريب العسكري ) ، هي صغيرة عدديا في حين أن قواتنا بالرغم من أنها ضعيفة ( فقط من حيث نوعية السلاح و التدريب العسكري ، هي ضخمة جدا عدديا ، و يضاف إلى ذلك أن هذا العدو أتى من أمة أجنبية ليعتدي على بلادنا ، بينما نحن نقاوم العدوان الأجنبي في ارض بلادنا ، و هذا كله قد حدد المبدأ الاستراتيجي التالي : إنه من الممكن بل من الضروري اللجوء إلى العمليات الهجومية على مستوى الحملة و المعركة خلال الحرب التي هي من الناحية الاستراتيجية حرب دفاعية ، و اللجوء إلى العمليات السريعة على مستوى الحملة و المعركة خلال الحرب التي هي من الناحية الاستراتيجية حرب طويلة الأمد ، و خوض عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة في نطاق عمليات الخط الداخلي في الحية الاستراتيجية . هذا هو المبدأ الاستراتيجي الذي ينبغي تطبيقه في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها . و هذا ينطبق على الحرب النظامية و حرب العصابات على حد سواء . و في هذا الصدد لا تختلف حرب العصابات عن الحرب النظامية إلا في درجة تطبيق هذا المبدأ و أساليب تطبيقه .فحرب العصابات تتخذ على العموم شكل الغارات في هجومها . أما الحرب النظامية فرغم أنه من الضروري بل من الممكن أن نلجأ فيها إلى شن الغارات ، فإن عنصر المباغتة فيها أضعف مما هو في حرب العصابات ، و كذلك نجد أن حرب العصابات تتطلب إلى حد بعيد جدا سرعة المعارك ، و أن دائرة الخط الخارجي ضيقة جدا حين تقوم قوات العصابات بتطويق العدو خلال الحملات و المعارك . هذه الأمور جميعا التي تميز حرب العصابات عن الحرب النظامية .

و هكذا يتبين لنا أن عمليات قوات العصابات تتطلب تركيز أكبر عدد ممكن من القوات المسلحة و العمل في سرية تامة و سرعة فائقة لأخذ العدو على حين غرة و كسب المعركة بسرعة بالغة ، في حين يجب الابتعاد كليا عن الدفاع السلبي و التلكؤ و تقسيم القوات عند خوض المعركة . و طبيعي أن حرب العصابات لا تتطلب الدفاع الاستراتيجي فحسب ، بل تتطلب الدفاع التكتيكي أيضا ، فإن تقييد تحركات بعض قوات العدو و تكليف وحدات بمهمة الحراسة في أثناء المعارك ، و تنظيم المقاومة في الممرات الضيقة و المراكز المنيعة و على ضفاف الأنهر أو في القرى من أجل استنفاد قوى العدو و إنهاكه ، و عمليات التغطية عند التراجع ..إلخ ، فإن ذلك كله يعد من عمليات الدفاع التكتيكي في حرب العصابات . لكن المبدأ الأساسي هو أنه يجب أن تقوم حرب العصابات على الهجوم ، و إن طابع الهجوم فيها يجب أن يكون أشد بروزا منه في الحرب النظامية ، بل يجب أن يتخذ الهجوم في حرب العصابات شكل الغارات المباغتة ، أما أن تكشف القوات نفسها بأن تتقدم نحو العدو في جلبة و ضوضاء و بدون مبالاة فهو أمر غير مسموح به في الحرب النظامية ناهيك عن حرب العصابات . و رغم أن هناك حالات في حرب العصابات تستمر فيها المعارك عدة أيام كما هي الحال في مهاجمة قوة معادية صغيرة معزولة و محرومة من الإمدادات ، إلا أن حرب العصابات تتطلب على العموم حسم المعارك بسرعة أكبر مما في الحرب النظامية ، و هو أمر تفرضه حقيقة قوة العدو و ضعفنا ، إن حرب العصابات بطبيعتها تخاض بقوات متفرقة ، الأمر الذي يجعل منها حربا منتشرة على نطاق واسع ، و فضلا عن ذلك فإن مبدأ تقسيم القوات ينطبق على كثير من مهمات قوات العصابات ، نحو التشويش على قوات العدو و تقييد تحركاتها ، و نحو أعمال النسف و التخريب ، و العمل الجماهيري ، لكنه حينما تقوم إحدى فصائل العصابات أو فرقها بمهمة إفناء العدو ، و خصوصا حين تسعى إلى سحق إحدى هجمات العدو ، فإنه من الواجب أيضا تركيز قواتها الرئيسية .

إن مبدأ " تركيز قوات كبيرة من أجل سحق قوة معادية صغيرة " هو أيضا أحد المبادئ لعمليات ميدان القتال في حرب العصابات .

و هكذا يتبين لنا أيضا أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها ، وجدنا أن خوض عدد كبير من العمليات الهجومية على مستوى الحملة والمعركة في كل من الحرب النظامية و حرب العصابات ، أي تحقيق انتصارات كثيرة في عملياتنا الهجومية هو السبيل الوحيد لبلوغ غايتنا المنشودة التي هي الدفاع الاستراتيجي في سبيل إلحاق الهزيمة النهائية بالإمبريالية اليابانية . و إن القيام بعدد كبير من العمليات السريعة على مستوى الحملة و المعركة ، أي إحراز النصر في عدد كبير من العمليات الهجومية على مستوى الحملة و المعركة بفضل حسم القتال بسرعة ، هو السبيل الوحيد لبلوغ غايتنا المنشودة التي هي المثابرة على حرب طويلة الأمد استراتيجيا حتى نستطيع كسب الوقت من أجل زيادة قوتنا في المقاومة ، و في الوقت نفسه ننتظر حصول تبدلات في الوضع الدولي و انهيار العدو من الداخل مع تعجيل حدوث ذلك ، و حينئذ سوف نشن هجوما مضادا استراتيجيا على الغزاة اليابانيين و نطردهم إلى خارج الصين . كما أنه لا بد لنا أن نركز قوات متفوقة في كل معركة ، و أن نلجأ إلى أسلوب عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة ، سواء في مرحلة الدفاع الاستراتيجي أو في مرحلة الهجوم المضاد الاستراتيجي كي نطوق قوات العدو و نبيدها ـ يجب أن نطوق قسما منها على الأقل إذا لم نستطع أن نطوقها كلها ، و أ، نبيد قسما من القوات المطوقة إذا لم نستطع إبادتها كلها ، و أن نكبد القوات المطوقة أكبر الخسائر الممكنة من القتلى و الجرحى إذا لم نستطع أن نأسر أعدادا كبيرة منها ـ لا بد لنا أن نخوض عددا كبيرا من مثل معارك الإبادة هذه لكي نستطيع أن نغير الوضع القائم بين العدو و بيننا ، ، أن نحطم بصورة تامة تطويقه الاستراتيجي أي نحطم سياسته القائمة على القتال في الخط الخارجي ، حتى نتمكن في النهاية من محاصرة الإمبريالية اليابانية بالتعاون مع القوى الدولية و نضالات الشعب الياباني الثورية فنقضي عليها بضربة واحدة . إن تحقيق هذه النتائج يعتمد بصورة رئيسية على الحرب النظامية ، و لا تقدم حرب العصابات في هذا المجال إلا مساهمات ثانوية . بيد أ، الحرب النظامية و حرب العصابات تشتركان في نقطة واحدة هي تجميع عدد كبير من الانتصارات الصغرى ليتشكل من مجموعها نصر كبير . إن ما ذكرناه هنا هو الدور الاستراتيجي العظيم الذي تلعبه حرب العصابات في سياق حرب المقاومة ضد اليابان .

لننتقل الآن إلى مسألة المبادرة و المرونة و التخطيط في حرب العصابات . ما هي المبادرة في حرب العصابات ؟

إن كلا الفريقين المتحاربين ، في كل حرب ، يسعى بكل جهد إلى كسب زمام المبادرة في ميدان القتال و في منطقة القتال و في المنطقة الحربية بل في الحرب بمجموعها ، و هذه المبادرة تعني حرية الجيش في العمل . فإذا فقد الجيش زمام المبادرة و وقع بالتالي في موقف سلبي حرم من حريته في العمل و تعرض لخطر الإفناء أو الهزيمة. و من الطبيعي أن كسب زمام المبادرة شيء صعب نسبيا في الدفاع الاستراتيجي و في عمليات الخط الداخلي . في حين أنه سهل نسبيا في العمليات الهجومية في الخط الخارجي. بيد أن الإمبريالية اليابانية تعاني من نقطتي ضعف أساسيتين هما الافتقار إلى القوات الكافية ، و القتال في بلد غريب . و فيما عدا ذلك فإنها بسبب استصغارها لقوة الصين و بسبب وجود التناقضات الداخلية بين أمراء الحرب اليابانيين ، قد ارتكبت أخطاء كثيرة في توجيه الحرب مثل زيادة قواتها بصورة تدريجية ، و افتقارها إلى التنسيق الاستراتيجي ، و عدم تحديد الاتجاه الرئيسي لهجماتها في بعض الأوقات ، و تفويت الفرص الملائمة في بعض العمليات الحربية ، و إخفاقها في إبادة القوات التي تحاصرها ..إلخ ، و هذا كله يمكن اعتباره نقطة ضعف ثالثة تعاني منه . و هكذا فإن افتقارها إلى القوات الكافية ( نعني بذلك أن اليابان بلد صغير سكانه قليلون ، و موارده غير كافية ، و أنها دولة إمبريالية إقطاعية ..إلخ ) ، و قتالها في بلد غريب ( نعني بذلك أن حربها هي حرب إمبريالية و وحشية ..إلخ ) ، افتقارها إلى المهارة في التوجيه ، هذه كلها قد جعلت أمراء الحرب اليابانيين يفقدون زمام المبادرة مع مرور الأيام ، رغم أنهم في مركز ملائم هو مركز الهجوم و القتال في الخط الخارجي . و ليس لدى اليابان في الوقت الحاضر رغبة في إنهاء الحرب ، بل إن ذلك ليس في مقدورها ، و لم توقف هجماتها الاستراتيجية بعد ، لكن الاتجاه العام يدل أن هجماتها ستقف عند حد معين ، و هذه ستكون النتيجة الحتمية المترتبة على نقاط ضعفها الثلاث ، و لذلك يستحيل عليها أن تستمر في هجماتها دون توقف بغية ابتلاع الصين برمتها . إنه ليمكن أن نتبين منذ الآن بعض الدلائل على أن اليابان ستجد نفسها ذات يوم في موقف سلبي تماما ، أما بشأن الصين ، فقد كانت في موقف جد سلبي في المرحلة البدائية من الحرب ، لكنها الآن بعدما اكتسبت التجربة و الخبرة في اتباع سياسة جديدة هي سياسة خوض الحرب المتحركة ، أي سياسة القيام بالعمليات الهجومية و السريعة و عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة ، و بفضل هذه السياسة ، بالاظافة إلى سياسة إجراء حرب العصابات على نطاق واسع ، بدأت الصين تحوز على زمام المبادرة مع مرور الأيام .

إن مسألة المبادرة ترتدي أهمية أكبر بالنسبة إلى حرب العصابات . ذلك أن قوات العصابات تعمل عادة في ظروف شاقة ، و نعني بذلك أنها تقاتل من دون مؤخرة تستند إليها و تجابه بقوة ضعيفة عدوا قويا ، و تفتقر إلى الخبرة ( أعني بذلك قوات العصابات الحديثة التنظيم ) و أنها معزولة عن بعضها ..إلخ . و مع ذلك فإننا نستطيع أن نكسب المبادرة في حرب العصابات ، و الشرط الأساسي لذلك هو الاستفادة من نقاط ضعف العدو الثلاث الآنفة الذكر . فإذا استطاعت قوات العصابات أن تستفيد من افتقار العدو إلى القوات الكافية ( من حيث الحرب بمجموعها ) ، أمكنها أن تعمل بجرأة فتتخذ مناطق واسعة كميادين لعملياتها ، و إذا استطاعت أن تستفيد من كون العدو غازيا دخيلا يطبق سياسة في غاية الوحشية ، فإنها تستطيع أن تكون طليقة اليد في كسب تأييد عشرات الملايين من أبناء الشعب ، و إذا استطاعت أن تستفيد من قلة مهارة العدو في توجيه الحرب ، أمكنها أن تظهر كل براعتها و فطنتها . و يجب على الجيش النظامي أن يستفيد أيضا من نقاط ضعف العدو هذه ليجعل منها سلاحا في إلحاق الهزيمة به ، و لكن يجب على قوات العصابات على وجه أخص أن تستفيد منها . . أما بشأن نقاط الضعف في قوات العصابات فإنه يمكن التغلب عليها بصورة تدريجية في سياق نضالها . و فوق ذلك فإن نقاط ضعفها في بعض الأحيان هي بالفعل تشكل عاملا من أجل كسب المبادرة ، و مثال ذلك أن قلة عددها هي التي تسهل عليها الظهور و الاختفاء في مؤخرة العدو بسرعة مدهشة وسرية تامة دون أن يستطيع العدو أ، يعمل شيئا ضدها ، و هذه الحرية الواسعة التي تتمتع بها في عملياتها هي مما لا يمكن للجيوش النظامية الضخمة أن تحصل عليه .

و حين تجابه فوات العصابات تطويقا و هجمات متعددة الاتجاهات من قبل العدو ، فإنه من الصعب عليها أن تحتفظ بزمام المبادرة بل من السهل أن تفتقده . فإذا أخطأت في تقدير الوضع و اتخذت تدابير خاطئة في مثل هذه الظروف فإنها تقع بسهولة في موقف سلبي و تخفق بنتيجة ذلك في فك تطويق العدو و سحق هجماته . و يمكن أن تنشأ مثل هذه الظروف أيضا حين يكون العدو في حلة الدفاع و نكون نحن في حالة الهجوم . و لذلك فإن زمام المبادرة ناشئ عن التقديرات الصحيحة للوضع ( وضع العدو و وضعنا على حد سواء ) ، و كذلك عن التدبير العسكرية و السياسية الصحيحة . و مما لا شك فيه أن التقديرات المتشائمة التي لا تتفق مع الظروف الموضوعية و ما ينتج عنها من تدابير سلبية تحرمنا من زمام المبادرة و ترمي بنا إلى موقف سلبي . و لكن التقديرات المفرطة في التفاؤل التي لا تتفق مع الظروف الموضوعية و ما يعقبها من تدابير متسمة بطابع المجازفة ( و هي مجازفة لا مبرر لها ) تحرمنا كذلك من زمام المبادرة ، الأمر الذي يؤدي بنا في آخر المطاف إلى نفس الطريق التي تقودنا إليها التقديرات المتشائمة . ليس تملك زمام المبادرة موهبة طبيعية خاصة بالعباقرة ، بل هو شيء يحصل عليه القائد الذكي بواسطة دراسته المجردة من النزعة الذاتية و تقديره الصائب للظروف الموضوعية و اتخاذ التدابير العسكرية و السياسية الصحيحة . فهو ليس بشيء جاهز و إنما شيء يجب السعي من أجل الحصول عليه بمجهود واع .

و يجب على قوات العصابات أن تتخلص بكل جهودها من الموقف السلبي حين تضطر إليه بنتيجة التقديرات أو التدابير الخاطئة ، أو نتيجة لضغط لا يمكن مقاومته . أما كيف تتخلص منه فالأمر يتوقف على الظروف . و في كثير من الحالات يكون "الانتقال " أمرا ضروريا . و إن قدرة قوات العصابات على الانتقال هي بالضبط إحدى خصائصها المميزة . إن الانتقال هو الطريقة الرئيسية من أجل الخروج من السلبية و استرداد المبادرة ، لكنه ليس الطريقة الوحيدة . فإن الفترة التي يتقدم فيها العدو بجنونية شديدة و تواجهنا فيها ظروف عصيبة جدا ، هي غالبا ما تكون الفترة التي يبدأ فيها الوضع يتغير و يصبح مضرا بالعدو و ملائما لنا . و كثيرا ما يعود الوضع ملائما لنا ونسترد زمام المبادرة نتيجة لما نبذله من جهد في " مواصلة الصمود بعض الوقت " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي