الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من جديد الحقد يثبت فشله

علي قاسم مهدي

2007 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نستوعب ما يدور حولنا من أحداث سياسية واجتماعية ، ونفهم الغايات المقصودة منها ، نكون قد أدركنا الحقيقة وساعدنا في بناء مناهج الحياة بالشكل الصحيح ، وهذا بدوره يتطلب قدرة عالية من التمييز والوعي لبلورة الصيغ النهائية للحقائق والخروج منها إلى أفضل السبل . ومن اجل استيعاب وتحليل الأعمال الإرهابية الجديدة التي طالت ضريح الأماميين العسكريين وتصور الحادثة بمنظور يتطلب التحليل الدقيق والمباشر ، للحد من ظاهرة تفشي تحريك النوازع الطائفية ولاجتثاث نار الفتنة وقطع دابرها إلى الأبد، فان نظرة إلى الوراء تعطي مزيدا من الضوء على أحداث الحاضر ، وخاصة ما جرى في أفغانستان ما لحقه من تطور متسارع للأحداث السياسية والاجتماعية ، حيث لعب العنصر والعامل السلفي، بدوره المتخلف وأفكاره الهدامة ،دورا هاما في تطور الأحداث السياسية . فنحن لا نستطيع أن نفهم أي طرح ما لم نكن مدركين عمق جوهره وملمين بجوانبه المختلفة، معتمدين في ذلك على أسس تحليلية موضوعية . تخدم وتطور التصورات المندرجة في خانة الفهم ، وتضع لها المناهج المناسبة للحيلولة دون تفشي الطروحات التي تتنافى مع الواقع.. فلقد استطاعت الأصولية أن تنفذ إلى أعماق المجتمع الأفغاني ، حيث وجدت بيئة حاضنة خلال مرحلة الحرب بشقيها الاحتلال والحرب الأهلية .. ومن خلال تفحص التاريخ، نجد إن دعوات احمد بن حنبل 780- 855م للعودة إلى الأصولية والسلفية ، مطالبا النجاة بالإسلام عن طريق العودة إلى الأصول . ومن هذه الدعوة القديمة التي بنيت على أساس التمييز بدأت مباديء السلفية والأصولية تختمر وتنمو يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل .. ومن ثم تحولت تلك الدعوات إلى حقيقية معاشة عندما تولى أمرها ابن تيمية 1263- 1328 م ودعا إلى عودة بالإسلام إلى أصوله ، والثابت إن الذي دفع ابن تيمية إلى ذلك ، تضافر عاملين تزامنا في القرن التاسع الميلادي هما :
- تردي الحكم الإسلامي المتمثل بالخلافة العباسية وترهل سيطرتها وانغماسها بالملذات والتفاهات الكثيرة .
- الغزو المغولي الذي اجتاح الكثير من البلدان الإسلامية . واعتبار المغول حتى بعد دخولهم إلى الإسلام (حسب رأي ابن تيمية ) اشد خطرا على الإسلام من غيرهم .. اشد خطرا حتى من الكفار .
وظهر على مر الأجيال من تبنى تلك الأفكار وقام بالتصدي لأمور المسلمين ورفع راية الإصلاح ، وغذوا المجرى الذي صب فيه ابن تيمية أفكاره ، بأفكار جديدة وأدوات اشد غلظة وآراء جعلت من القيم العليا للدين تنهار تحت وطأة ما أنتجوه حتى وصل حال المسلمين إلى ما هم عليه ألان من فرقة وضياع الرأي السديد ، ومن هولاء الذين اتخذوا من ابن تيمية قدوة لهم ،محمد بن عبد الوهاب ، السنوسي ، المهدي ، حسن البناء ، أبو الأعلى المودودي ، سيد قطب . لقد زرع كل هؤلاء في الأرض الأفغانية بذور الدعوة الأصولية التي أثرت في العمل السياسي بشكل مباشر ، فعندما اجتاح الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان لمساعدة الحكومة الجديدة في كابول بدعوة منها ، صرخ الغرب في وجه الاتحاد السوفيتي آنذاك معتبره غازيا ومحتلا ، وبدأت دعوات بعض العرب لمساعدة الأفغان لاعتبارات سياسية اكتست برداء الدين والإسلام ، يجب مساعدة المسلمين الأفغان وتحرير بلادهم من جيوش الكفر والإلحاد ، وجاء الغرب بكل ما يحمل من مكر مخابراتي لزج وتوريط العرب في هذا المنزلق الخطير، وتم تأسيس القواعد المناسبة لاستقبال المقاتلين العرب الوافدين من كافة الأقطار العربية في السعودية ، لتدريبهم وإرسالهم إلى أفغانستان للمشاركة بتحريرها ومساعدة الإخوة الأفغان ، تحت راية الجهاد ،واستمرت مخابرات بعض الدول العربية بالمشاركة والدعم المادي والسياسي في تجنيد الكثير من الشباب العربي ، ولم يتركوا كل الذين ذهبوا إلى هناك أي فرصة للشعب الأفغاني الحق بالدفاع عن بلده تحت راية الوطنية ، لقد استطاعت أجهزة المخابرات لبعض الدول العربية وبمساعدة جهات غربية معروفة من السيطرة على الشعب الأفغاني وإلغاء دوره الوطني ، واستطاع التنظيم الجديد أن يفرض حياة قاسية تختلف جذريا عن ثقافة وطبيعة المجتمع الأفغاني ، حيث فرض عليهم المقاتلين الجدد صيغ جديدة للحياة تعود إلى العصور القديمة والبعيدة كل البعد عن قيم الإسلام الحقيقية في التسامح والعدل والمساواة ، فبعد أن تخلص الشعب الأفغان من الاحتلال السوفيتي وقع تحت سيطرة الاحتلال الجديد المتمثل بالقاعدة ودعواتها المتخلفة بالعودة إلى الحياة الأولى للإسلام .وجرت الحرب الأهلية الطويلة والتي استمرت سبع سنوات،منذ دخول احمد شاه مسعود إليها، ثم طالبان لتعيد البلاد إلى الوراء قرونا والشعب يرزح تحت ثقل الفقر والبؤس ويعيش على مساعدات الصليب الأحمر . التصوير ممنوع والأفلام السينمائية والتلفاز والجرائد والمجلات ، ولا تخرج النساء دون لباس ( البوركا ) وهو ثوب ازرق يمنع على النساء الخروج من دونه . ولا تملك المرأة حق العمل في أفغانستان إلا في مجال التمريض في المستشفيات المخصصة للنساء . فما زالت هذه الدولة تعيش منغلقة على نفسها والعالم متوقف عند حدودها لا يدخلها أبدا ، فوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ساهرة متيقظة ، الجميع يرتدي ثيابا متشابهة ويرخي لحيته ويضع غطاء للرأس ، والإذاعة الوحيدة في البلاد هي إذاعة الشريعة وعدا بث الأخبار تقتصر برامجها على المدائح الدينية وإذاعة القران الكريم .. هذا حال أفغانستان ، لقد ذاق الشعب الأفغاني مرارة العيش وتعدى الكل على تاريخه حيث أزيلت الكثير من المعالم الحضارية وتم نسف الكثير من المواقع والآثار التي تمتد في عمق التاريخ الأفغاني، والتي لأتمثل دين أو طائفة بل حضارة ،هي من حق الأفغان أولا والإنسانية ثانيا ، وهي جزء من تاريخهم ، لقد أزالها التخلف على اعتبار أنها لا تمثل الإسلام، مثل تماثيل بوذا والمعابد الحجرية التي تمثل جانب مهم من الحضارة الإنسانية . إن ما فعله ممن يدعون الإسلام ، جعل من الأفغاني حاقد على كل التراث الإسلامي ، وعلى القيم الإنسانية نتيجة لما تعرض له شعبه وتاريخه ، اليوم يعيد السلفيون ما فعلوه في ألاماكن المقدس للشيعة في القرن الماضية وما فعلوه في أفغانستان ، فهم لا يريدون سوى تمرير مخططات أسيادهم، في الفرقة وبث روح العداء بين المسلمين كي ينعموا بالخيرات لوحدهم ، لقد بات واضحا ما يريدون الوصول إليه إنهم ساعون إلى زرع الكره والحقد بين أبناء الشعب الواحد . فالذي يفجر ويقتل حاليا يريد أن يعم الخراب،ويقلق الحياة ويجعلها أشبه بالجحيم . إن التكفيرين ومن لف لفهم ،لا يملكون أي مسوغ للبقاء سوى أنهم قتلة مجرمين مختبئين من عين العدالة الإنسانية ، لقد تغلغلت العقد النفسية داخل عقولهم ، فحولتهم إلى مجرمين يريدون التخلص بأي شكل من الأشكال من أي معلم حضاري يؤكد عمق أصالة التراث الإسلامي ، إن تدمير ضريح الإمامين العسكريين وللمرة الثانية وضرب مرقد الكيلاني، يؤكد بان الحقد على الإسلام والمسلمين هو العامل المشترك الذي يجمعهم تحت راية الكفر ، لقد اشترك في هذا العمل الجبان ،من يريد جر الشعب العراقي إلى محرقة الفتنة الطائفية ،من التكفيريين الصداميين ، إنها الفرصة الحقيقية التي يجب على الشعب العراقي التمسك بها كي يثبت للعالم بأنه شعب يحب الحياة ويحترم مقدساته وتراثه الحضاري، وانه شعب تواق على مواصلة الحياة تحت ظل حكومة منتخبة تمثله وتدافع عنه . إن ما عانا منه الشعب العراقي كفيل بأنه يكون الدافع القوي للتخلص من هولاء القتلة الذين يحاولون زرع الفتنة وبث سمومها في جسد العراق الطاهر . وهي دعوة للوحدة للتخلص من هذا الكابوس الجاثم على رقابنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م