الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه تركي في حرب الكوة الصغيرة في العراق

خالد سليمان

2003 / 9 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



    لم تتورع تركيا قط عن إعلان مطامحها في كردستان العراق وتعتمد منذ عام 1992 العديد من الوسائل لتأسيس إيقونات التماثل السياسية والعسكرية في المنطقة تحت ذريعة عدة مسائل مثل إنهاء قواعد الحزب العمال الكردستاني والدفاع عن الأقلية التركمانية وإستعادة ولاية الموصل ومنع إنشاء الدولة الكردية بالإضافة لتربصها بحقول " باباكركر " . تقلق جميع هذه العوامل الدولة التركية وتعطيها في الوقت ذاته جرعات موسمية للتحرك نحو الإقليم الكردي من خلال المؤسسة العسكرية أو تحريض الأحزاب التركمانية ضد الإدارة الكردية ، لكن تركيا لم تستطع لأسباب دولية وأقليمية التدخل العسكري الواسع والمباشر وخلق فوضى سياسية لا ترى في توسيع دائرتها سوى المصالح التركية المستقبلية وإفشال دور الأطراف الكردية في إدارة المنطقة . وبقيت بالتالي اللعبة التي تنوي دخولها وفقاً لأستراتيجيات الأربعة المذكورة كوة صغيرة مُزينة ببورتريه تركي غير واضحة المعالم ، أي أن الأهداف أرتسمت على جغرافيا البانورايا السياسية من جانب وعلى أوراق الخوف من عقاب أوروبي من جانب آخر. وكان عدم سماح البرلمان لمرور القوات الأمريكية عبر أراضيها الى العراق خلال الحرب على نظام صدام حسين عقاباً داخلياً إضافياً وقوضت قرارات المؤسسة العسكرية التي خسرت فرصة تاريخية لإنتشار قواتها في كردستان العراق .
    ثم جاء الإستقرار النسبي الذي شهدته المنطقة بعد إنتهاء الحرب وسقوط حكومة البعث والتقدم الذي نالته مدينتي كركوك والموصل في إستعادة الإدارات والمرافق الخدمية بالمقارنة مع مناطق الوسط والجنوب التي تعاني من أعمال العنف والتخريب البعثي ضد قوات الجيش الأمريكي والبريطاني وضد المؤسسات المدنية العراقية أيضاً .
وقف هذا الإستقرار كتقويض آخر أمام الذرائع التركية للتدخل في شؤون الإقليم وفرض سيطرته العسكرية خوفا من مستقبل الأقلية التركمانية . لكن حرب الكوة الصغيرة التركية بقيت في المختبر كجنين مكتمل من شروط " الجاهزية " لرؤية الخارطة السياسية التي تقترحها أنقرة للمنطقة . وهي بالتالي خارطة تفترض بقاء الدولة التركية ليست كما هي فحسب ، بل مع تغيير جيوبوليتيكي يضمن القبض على الحلم الكردي ومنع تأسيس أي كيان له في المنطقة .
    ولا تظهر تركيا في هذه المعادلة وفقاً لمعايير حرب " الهوة الكبيرة " كما حصل في قبرص ، بل كتماثلات بنيوية للفوبيا والمفاهيم التي تتعلق بموت الأُمة وخطر المستقبل . وإذا تابعنا وسائل الإعلام التركية اليومية نرى أن هذه الصورة الفوبيوية تعمل جاهداً لإثبات نظرية " موت التركمان " على يد الأكراد  بغية كسب رأي الشارع التركي والحصول على دعم البرلمان والهيئات السياسية والإجتماعية الأُخرى .
    إذاً " فموت التركمان " هو البورتريه الأول لدولة " الطريق القويم " وتليها بورتريهات أُخرى عديدة لتشكل المعاني اليومية لممارسة حروبها الصغيرة من خلال " الكوة التركمانية " وإشكالاتها البنيوية مع تقاليد أب غير حكيم في السياسة . فتركيا التي تعاني من مشاكل جيوتاريخية مستفحلة في خارطتها الحالية مثل الجنوب الكردي ولواء أسكندرون السوري ومشكلة قبرص وبقاء العقدة الأرمنية في بلعومها ومحاولات قبرصة كردستان العراق . جميع هذه المعضلات التاريخية تقلق تركيا وتضع سؤال الإستقرار فيها أمام الشك والريبة من دون خلق وضع إشتثنائي في الدائرة المحيطة بها ، وجاء هذا الإستثناء في هذه الأيام من القاعدة العراقية التي تستوعب إفتراضات كثيرة بالنسبة لتركيا وجيشها وتركمانها ، حيث يمكن تحويل بعض من النوافذ المفتوحة فيها الى حواجز أمنية تضمن أشياء كثيرة حسب مؤسسات القرار التركية .
    لم تأت أحداث دوز خورماتو وكركوك منفصلة عن هذه التوجهات السياسية ، بل تجسد تلك الكوة الصغيرة التي تتربص بها دولة " الطريق القويم " ، ففي وقت تدرس فيه المجالس التركية المتعددة القومية والعسكرية والأمنية مشروع الطلب الأمريكي للمشاركتها عسكرياً في الأوضاع المتدهورة في أجزاء من الجنوب العراقي والمثلث السني ، أقترحت تركيا ومن خلال أيقوناتها السياسية إشعال حرب الكوة الصغيرة ثم الصراخ الإعلامي حول أفتقاد التركمان الذين يطالبون بمجيء القوات التركية للأمن والإستقرار في كردستان . لكنها – أي الأحداث – تحمل أشياء أُخرى في طياتها وهي :
أولاً : التهرّب من إرسال الجيش الى الجنوب أوالمثلث السني رغم ثقة المؤسسة العسكرية بأن الجبش التركي  لا يلقي ذات المعاملة التي تلقتها قوات التحالف في هذه المناطق ، لأنها قوة "  صديقة ومسلمة ".
ثانياً : خلق بؤرة توتر تنسجم عناصرها مع ذرائع التدخل التركي المباشر.
ثالثاً : إنهاء دور الأطراف الكردية في إدارة كركوك وضرب أي مشروع سياسي في كردستان بشكل عام .
رابعاً : تأسيس مشروع " تركي –  ماني " تتكون عناصره من " القبرصة "
خامساً : إثبات نظرية موت التركمان
إذاً كانت الأحداث رسالة سياسية مشفرة أعلنت مكونات عدة من الخطاب التركي ، أما ضحاياها فكانوا الأكراد والتركمان .
 
* كاتب كردي عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوليفان في السعودية اليوم وفي إسرائيل غدا.. هل اقتربت الصفقة


.. مستشار الأمن القومي الأميركي يزور السعودية




.. حلمي النمنم: جماعة حسن البنا انتهت إلى الأبد| #حديث_العرب


.. بدء تسيير سفن مساعدات من قبرص إلى غزة بعد انطلاق الجسر الأمي




.. السعودية وإسرائيل.. نتنياهو يعرقل مسار التطبيع بسبب رفضه حل