الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جَسْر الهُوّة بين المُجتَمَع المدني والحكومة

اسماعيل داود

2008 / 6 / 30
المجتمع المدني


تعتبر حرية التجمع وتشكيل الجمعيات احدى اهم مميزات التغيير الايجابية التي تبعت سقوط الدكتاتورية في العراق ،والتي نرى وجوب المحافظة عليها لتصبح من سمات المشروع السياسي العراقي الجديد، حيث سيقع على عاتقنا جميعا مسؤولية ان يتجه بمسيرته بقوة نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان متجاوزا كل العقبات .

اثمرت حرية التجمع هذه ضمن ما اثمرت عن تشكيل قطاع المنظمات غير الحكومية العراقية اذ استقطب الكثير من الناشطات والناشطين الراغبين ببناء بلدهم وانتشاله من حالة الضياع، ويعد ما تحقق من عمل اغاثي وتنموي خلال الخمس سنوات الماضية على يد هذا القطاع. امر يستحق التقدير والاعجاب، هذا اذ ما اخذنا بنظر الاعتبار كل التحديات التي تواجهه.كما ان ما بذل من جهد وتضحيات جسيمة من قبل العاملات والعاملين فيه بلغ الى حد استشهاد البعض او تعرضه للتهجير والخطف، يعتبر جزءا مهما من التضحيات الكبيرة التي يدفعها العراقيون عموما في هذه الفترة العصيبة من تاريخهم.

وككل تجربة حديثة يمكن لنا أن نستخلص منها العبر من خلال أن نتوقف أيضا عند عوامل الضعف التي تخللتها والتحديات التي تواجهها وإذا ما تركنا الحديث هنا عن التحديات الموضوعية والمتمثلة بالوضع الأمني والخدمات والبناء التحتي للدولة ليس لعدم أهميتها أو لقلة تأثيرها بل لأنها تمثل تحديات مشتركة لقطاع (م غ ح) كما للقطاعات الأخرى في المجتمع المدني والقطاعات الحكومية وحتى القطاع الخاص، ولأننا نجد إن من واجبنا في هذا المجال أن نركز نظرنا واهتمامنا للعوامل الذاتية، إذ يتشارك طيف لا يستهان به من العاملين والمهتمين والمراقبين لهذا القطاع مع الحكومة العراقية، القلق من عوامل الضعف التي تعتري هذه التجربة مثل تدني مستوى الشفافية والمشاركة وانتشار آفة الفساد إلى حد ما بين بعض المنظمات العاملة في هذا القطاع، وكذلك تدني مستوى الفاعلية وصعوبة تحديد الأثر، لبعض المشاريع التي تنفذها تلك المنظمات، لكننا نختلف بكوننا لا نرى أي حلول تعسفية أو مبنية على المساس بجوهر حرية التجمع واستقلالية هذا القطاع ممكن أن تفضي إلى معالجات للمشاكل القائمة، خصوصا وان مثل هذه المشاكل تمثل تحديات منطقية في هذه المرحلة لا يكاد يخلو منها أي قطاع آخر بما فيها القطاع الحكومي العراقي!
نحن ندعو لان لا تكون المقاربة الأمنية هي الوحيدة التي تحكم علاقة الحكومة بال (م غ ح) بل نجد إن البديل يتمثل بالبحث عن حلول ومعالجات تعمل على دعم هذا القطاع وتطويره لأنه يمثل اكبر ضمانة للمشاركة وبناء السلم الأهلي ودفع الديمقراطية إلى أمام، ولأنه يمثل لاعبا أساسيا في عملية التنمية بمختلف أشكالها في العراق الجديد.
إن الحكومة العراقية مطالبة بتبني موقف واضح باتجاه ضمان شرعية وجود هذه المنظمات دون المساس باستقلاليتها وضرورة الاعتراف بحقها في الاستدامة وحقها في بناء الشبكات والتحالفات والعمل ضمن القوانين العراقية السارية والاتجاه إلى تعزيزه بتوفير الإطار القانوني لقطاع المنظمات غير الحكومية عملا بما نص عليه الدستور العراقي في (الفقرة أولا من المادة 37) واستجابة للالتزامات المترتبة على العراق والتي تحددها الاتفاقات والمعاهدات الدولية الملزمة وخصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 22) كون العراق من الدول التي صادقت عليه.
ولاننا نؤمن بانه لا يمكن لاي تشريع او اجراء ان يسلب حقا ضمنه الدستور العراقي الجديد وانه (لا يمكن ان يأخذ بالشمال ما منح باليمين ، نحن ندعو الى كتابة قانون خاص بالمنظمات غير الحكومية ينصفها بين الفعاليات الاخرى من مكونات المجتمع المدني الاوفر حظا من ناحية المساحة المتاحة للعمل والتخصيص من الموارد العامة كما هو ملاحظ مع الاحزاب السياسية وبعض الهيئات الدينية مثلا ، وكذلك لان بعض مكونات المجتمع المدني الاخرى تتمتع بتشريعات قانونية خاصة وتحتاج الى ضوابط اخرى لتنظيم العمل فيها اما لخصوصيتها او لارتباطها بتشريعات اخرى مثل (قانون العمل وتشكيل النقابات، تشكيل وتكوين الاحزاب، ضوابط النشر والعمل الاعلامي والصحافة...الخ) وسواء كان المقترح مناقشة قانون خاص بـ(م غ ح) او تخصيص جزء لها من قانون اعم فما ينبغي ان يثار حوله النقاش ايضا هو تحديد تعريف للمنظمات غير الحكومية ومبادئ عامة يلتزمها اي تشريع يراد له ان ينظم عملها، ونرى ذلك ممكنا في اطار عام يحددها بكونها تجمعا طوعيا غير ربحي يستهدف المنفعة العامة لا يتبنى العنف ولا يروج له يقوم على اسس غير طائفية او عنصرية لا يستهدف السلطة او ان يكون جزءا منها يتم تسجيله وفق القانون وبمبدأ الاخبار والاعلان يخضع للقوانين المحاسبية والادارية السائدة في البلد ويعمل ضمن اطار التشريعات القانونية الوطنية السائدة.

إن إعطاء مثل هذا التشريع أولوية هو رغبة عراقية ملحة تطرحها المنظمات غير الحكومية وجمهورها إلى البرلمان العراقي ، أملين بان يتم النظر أيضا بجملة إجراءات وتشريعات أخرى تعززه مثل شمول موظفي هذا القطاع بـالضمان الاجتماعي وصياغة قوانين للتفرغ الإبداعي والتفرغ للعمل الطوعي للملاكات العاملة في القطاع الحكومي والأكاديمي منها بشكل خاص.كما إن الحكومة مدعوة لبلورة سياسات تطور وتنمي هذا القطاع من خلال تبني مبادرات تدعم المهنية والشفافية والديمقراطية فيه من خلال تخصيص الحوافز المادية والمعنوية للمنظمات التي تسلك مسارات واضحة في هذا الاتجاه.
كما نرى إن من الضروري أن يتم التوجيه للوزارات حسب اختصاصاتها إلى إشراك (م غ ح) في خطط التنمية وتبني سياسة تبادل ومشاركة قواعد البيانات والمعلومات المطلوبة لعملها وكل حسب تخصصه والى المباشرة بتمويل مشاريع اغاثية وتنموية يقوم بها قطاع (م غ ح) على أن يتم حصر توفير الدعم والمساعدة على جهة المعايير المهنية وتخصص وخبرات هذه المنظمات والتقييم الموضوعي لمقترحات مشاريع التي تتقدم بها وبشفافية تامة.
كما لا يجب إغفال أهمية عملية بناء القدرات للموارد البشرية العاملة في هذا المجال حيث إن إل(م غ ح) مطالبة بالإفادة مما تحقق من انجازات خلال الأعوام الخمسة الماضية وبتجاوز الإخفاقات والتعلم من الدروس المستخلصة.
ونشير إلى إن دورا حاسما ممكن أن يلعبه القطاع الحكومي على مستوى إقليم كوردستان وعلى النطاق الاتحادي في هذا الخصوص من خلال المساهمة الفاعلة في إنشاء معهد متخصص بإدارة وتطوير ملاكات (م غ ح) في العراق بحيث يضمن إيجاد الحلول العملية لمواجهة التحديات التي تقف عائقا أمام تطور هذا القطاع الواعد ويضمن أيضا إعطاء الخبرات العراقية والموارد العراقية والتشريعات العراقية والأولويات العراقية قدرا أوسع من الأهمية في عملية بناء القدرات ويؤسس لمرجعية في مجال الإدارة والتخطيط في هذا القطاع ممكن أن تنهل من معين التجارب العالمية والإقليمية.

اسماعيل داود- ناشط في مجال حقوق الانسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي


.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه




.. اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين


.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل




.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر