الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول العلاقات المسيحية- الدرزية

مهدي سعد

2009 / 7 / 1
المجتمع المدني


أثارت أحداث شفاعمرو الأخيرة موجة من ردود الفعل المنددة والمستنكرة والداعية إلى إعادة اللحمة وتعزيز أواصر العيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد. إلا أن رجال دين لا يتمتعون بحس المسؤولية أطلقوا تصريحات نارية مقززة تصب في خانة تهييج الغرائز الطائفية والمذهبية. غني عن القول إن رسالة رجل الدين الأساسية هي نشر بذور المحبة والتسامح في المجتمع، إلا أن رجال الدين هؤلاء اختاروا سلوك الطريق المعاكس الذي يسكب الزيت على النار ويساهم في تفاقم الأزمة بدلا من العمل على إخماد لهيبها.

أسوق هذه المقدمة لأطرح مقاربة مغايرة لتاريخ العلاقات المسيحية- الدرزية من شأنها أن تؤسس لواقع جديد من الشراكة الإنسانية بين أبناء الطائفتين. لست في وارد الشروع بسرد تاريخ هذه العلاقات، لكني سأمر على أحداث مُصَمِمَة كان لها الدور البارز في إرساء أسس التسامح والتعايش التي ميزت الجزء الأكبر من تاريخ العلاقة بين الطائفتين. لا أنكر أن أحداثًا مأساوية وحروبًا أهلية شابت العلاقة بين الطرفين، فقد شهد التاريخ صراعات مدمرة بينهما أدت إلى خراب هائل وأضرت بشكل عميق بنسيج العلاقات المسيحية- الدرزية، كان أبرزها في الأعوام 1840 و1860 و"حرب الجبل" في عام 1983. إلا أن الحاضر والمستقبل لا يبنيان على أحقاد تاريخية ظننا أننا تجاوزناها وباتت من ورائنا، بل يرتكزان على العناصر المشرقة والجوانب الإنسانية التي ميزت تاريخ الآباء والأجداد. من أجل بناء المستقبل الجميل نحن بحاجة إلى ترك الشوائب التي اعترت قسمًا من تاريخنا جانبًا والتركيز على القواسم المشتركة التي تجمعنا على الانتماء الوطني والإنساني الواحد.

رافقت نشوء العقيدة التوحيدية الدرزية مطلع القرن الحادي عشر للميلاد موجة من الخلافات المذهبية التي عصفت بالعالم الإسلامي نتيجة الاجتهادات الفقهية المتضاربة في فهم النص القرآني. وجاءت الأفكار الثورية التي أطلقتها العقيدة الدرزية لتثير زوبعة في العالم الإسلامي أدت إلى سخط "الإسلام التقليدي" على أتباع المذهب الجديد الذي ولد من رحم مصر الفاطمية والعقيدة الشيعية- الإسماعيلية. هذه الحالة وضعت الدروز في مأزق حرج وسط بيئة معادية لمذهبهم وعقيدتهم، فلجئوا إلى الانعزال في قرى نائية توفر لهم العيش الهادئ والحرية في ممارسة شعائرهم الدينية. إلا أنه مع مرور الزمن وجد الدروز أنفسهم يقطنون في قرى مختلطة واشتركوا في العيش مع إخوان لهم من طوائف أخرى كانت أبرزها الطوائف المسيحية بسبب الراحة والطمأنينة التي وجدوها في العيش مع المسيحيين بعيدًا عن الجدالات المذهبية والعقائدية بين الفرق الإسلامية المختلفة، وهذا ما يفسر حقيقة كون غالبية القرى المختلطة التي يقطن فيها الدروز هي قرى درزية- مسيحية.

ومن الأمثلة البارزة لمتانة العيش المشترك بين الدروز والمسيحيين الخطوة الإنسانية النبيلة التي أقدم عليها الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي، المرجع الروحي الكبير للطائفة الدرزية، حين أوصى لجيرانه المسيحيين من عائلة سركيس بقسم من أملاكه حصلوا عليها بعد وفاته. أضف إلى ذلك تسامح الأمير فخر الدين المعني الثاني مع المسيحيين والذي اعتبر "حامي المسيحيين في الشرق"، وفي فترة حكمه قام الدروز بتقديم الأراضي للمسيحيين ليبنوا عليها كنائسهم وأديرتهم. وكذلك فعل المعلم كمال جنبلاط حين وزع أرزاقه وأراضيه على الفقراء والمعوزين دون تفريق في الدين والمذهب، وكان للمسيحيين نصيب وافر من الأراضي والأرزاق التي وزعها.

وإن أتيت على ذكر فضل الدروز على المسيحيين فلا بد من الإتيان على ذكر فضل المسيحيين على الدروز. وفي هذا السياق يمكننا الإشارة إلى مساهمة البعثات التبشيرية الإنجيلية التي أنشئت في المناطق الدرزية اللبنانية في تعليم أبناء الطائفة وتخريج نخبة من المثقفين الدروز الذين أدوا دورًا أساسيًا في النهضة العربية في لبنان بمختلف الحقول. وكذلك كان للراهبات المسيحيات الفاضلات الدور الكبير في علاج المرضى الدروز الذين كانوا يقصدونهن، وكن يقدمن العلاج اللازم والدواء المناسب بأثمان زهيدة. ويجب ألا ننسى أن مزار سيدنا أبي عربية، الولي الكبير عند الطائفة الدرزية، لا يزال حتى اليوم في عهدة عائلة مسيحية شفاعمرية.

أعتقد أن هذا التاريخ الزاخر بعلاقات التآخي والمحبة يجب أن يشكل لنا دافعًا نحو إكمال مسيرة العيش المشترك التي عبدها لنا أسلافنا عبر مئات السنين. يتحتم علينا المحافظة على هذا الإرث الإنساني العظيم وعدم تضييعه لأن فيه من العناصر الثمينة التي لا تقدر بثمن. حبذا لو يدرك القياديون والمسئولون في هذه المدينة الحبيبة قيمة هذا التراث ليعملوا على ترسيخه وتذويته في نفوس الجيل الجديد الذي يعاني من جفاء وتباعد يميزان علاقته مع الآخر.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موقف صريح للطائفة الدرزية
sary ( 2009 / 7 / 1 - 08:45 )
بصراحة المقال كله تجميل بتجميل ومحاولة للتغطية للوضع الغير مقبول الان والتصرفات اللا وطنية للطائفة الدرزية.
ان هذه الاحداث كثيرا ما تكررت والطائفة الدرزية هي البادئة دائما بافتعال الشجارات ، ان تحالف الدم الذي عقده الدروز مع الجيش الاسرائيلي هو قمة الخيانة والمعاداة لابناء جلدتهم
عندما يكون الجنود الذين خاضوا حرب غزةمن الكتيبة الدرزية في الجيش الاسرائيلي عندما يكون اشرس الجنود في معركة مخيم جنين هم من الدروز عندما ينهال جندي درزي علي بالضرب والاهانات على حاجز الكونتينر في بيت لحم تسقط الامثلة البارزة لمتانة العيش المشترك
الطائفة الدرزية بحاجة الى اعادة بلورة موقف صريح وواضح للطائفة من باقي الطوائف وعلاقتها بالشعب الفلسطيني ومن عروبتها
وتحية لكل الشرفاء الدروز الذين اعرفهم


2 - لا تعليق
جيفارا ( 2009 / 7 / 1 - 18:00 )
شكال بهلول


3 - وطنية بني معروف
وسيم ( 2012 / 6 / 7 - 20:36 )
ان بني معروف وطنيون اكثر من البعض من الفلسطنيين الذين باعهم العرب ووقعوا بالسر على غض النظر عن قيام الكيان الصهيوني الغاصب. الحق نقول لكم بان بني معروف لا يتروكون ارضهم للمحتل وحتى لو كانوا الوف مؤلفة. الوطنيون من ابناء بني معروف تعاملوا مع واقع جديد في فلسطين فرضه الانكليز وتعقيدات الأديان السماوية والأشخاص الذين يسخرون الدين لمصلحتهم وليس لعبادة الباري. الكثير من الفلسطنيين اصبحوا عملاء للعدو الصهيوني، يزودونه بمعلومات لقتل ابناء جلدتهم. فاين هي الوطنية ولماذا يهاجمون بني معروف؟ العرب والقيادات الاسلامية تخلت عن فلسطين ومن فيها من بشر وحجر ولماذا دائما يتم التصويب على بني معروف مع العلم بأن الكثير من المسلمين البدو يخدمون في جيش العدو الاسرائيلي

بني معروف لا يعتدون، بل يستضيفون ويفتحون ابوابهم لمن هم مضطهدون ويهبون اراضيهم لأنهم يؤمنون بان كل ما في الارض هو ملك الله. بني معروف لا يعتدون بل يدافعون عن ارضهم وعرضهم في وجه المحتل. انهم اصل عرب اقحاح

اخر الافلام

.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي


.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال




.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا


.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي




.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس