الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم المطلقة في الثقافة العربية

سعيد تيسير الخنيزي

2012 / 3 / 19
المجتمع المدني


من المؤسف ان نرى الكثير من القوى الأجتماعية اليوم يتجاهلون أهمية القيم النسبية في رؤاهم وتفاسيرهم الى ماحولهم من المسائل والأمور الجدلية والمتغيرة. سواء كانت في الأوساط الأجتماعية أو النفسية أو الدينية أو حتى الثقافية. أما استخدام القيم المطلقة بالنقيض فنحن سادة العالم بها ولله الحمد - نمتاز حق الأمتياز في تصنيف وتعريف ماهو جميل وماهو قبيح؛ ماهو شرعي وماهو غير شرعي؛ ماهو واقعي وماهو وهمي... والقائمة لاتنتهي طبعاً! حيث نتعامل معها و كأنها الواقع المجزوم آذ لايمكن أن يُجر أو ينحرف.

أن الذات العربية بحكم تركيبتها البدوية وخصائصها الثقافية ترفض ثقافة الاختلاف والتعاطي المفتوح الخالي من التحفظ. فهي تستلطف لنفسها نهج ثابت غير متغير حتى داخل حقلها المجتمعي الصغير. لعل ابرزها يتعلق في الشعور بأمتلاك الحقيقة المطلقة والقصور ازاء ما ينتجه الأخر. وبالتالي فأن رفض ذلك المنتج وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة يؤدي الى خلق نوع من الاوهام والامراض النفسية التي تجد آنعكاساتها في كثير من النظم آلأجتماعية والسياسية في العالم العربي.

فأنني لا المح حتى بميكرو المستوى والنظرة العامة ان هناك أي تناسب مابين البنى الثقافية الأجتماعية السائدة بيننا - من قيم وسلوك وتصرف وتفكير وانتاج - وبين القيم الدينية والوازع الديني الموروث من قبل قرون من الزمن. فحتى الشرائح التي تزعم بأنها ذات السلوك الجيد والقيم المثالية الرفيعة تثرثر على آكثر من جبهة وتعظ وتكتب ولكنها لاتتعامل معها تحت سقف هذه الحياة وتنزل بها الى درجتها. الواضح اننا ركزنا كثيراً على أهمية النصح والأرشاد والتأدب والخطب الرنانة يوم الجمعة واهملنا تلك الروح البشرية وفهم واقعها المعقد ظل آوساطها الأجتماعية.

فحتى نتوقف لوهلة، سنجد كيف أن روح الأنسان المتناقضة جزء لاتتجزأ من هذه الطبيعة التي هي من حولها. وكيف آنها تتأثر من قبل عوامل خارجية ظل المحيط الكائنة فيه. فالأنسان بشر متزن على قواعد دقيقة تحت منطق الخير والشر؛ كالطبيعة الممزوجة بالنهر الجاري والبركان الثائر. وذلك من فعل ظروف وخبرات آرادية وغير ارادية صنعت في مجملها ميزان هذا الأنسان المعقد. أذ لايمكن ان نتعامل معه بالمواعظ والتعليمات المطلقة في كل وقت وحين وكأنه خلق ليكون في السماء السابعة أو حياة البرزخ! ولكن نأخد ونتعامل معه في ظل الاوساط الأجتماعية الواقعية ومايتناسب معها من ظروف معينة. نحن اذا تعاملنا مع عقله الظاهر للأمور فقط ولقناه سبيله في هذه الحياة حفظاً على نهج ثابت سنفقد الكثير مما يدور في عقله الباطن من حس والهام وفكر وشعور حقيقي غريزي غير مُدْرك من ذي قبل!

اذ نريد ان ندرس الواقع الأجتماعي العربي، يجدر بنا ان ندرسه من ناحية علمية دقيقة كما هو لا كما نتمناه، بحيث قيمنا تكون نسبية في تقييمنا للناس والأفكار والمسائل من حولنا. لذلك من المؤسف حقا ان نرى معظم وعاظنا أخدوا في مجمل تعاليمهم ان يركزوا على صورية الأمر الشرعي وليس المغزى منه في تفسيراتهم للأيات القرآنية والأحاديث النبوية وآرشاداتهم الروتينية للعامة... فكيف نستوعب مجمل كل ثرثرة هذه المواعظ والتعاليم وننزل بها الى واقع الحياة العملية ياوعاظ السلاطين؟

من طريف مايذكر في هذا الصدد، كنت برفقة قريب وحبيب في وقت ليس ببعيد. جلب لي قصة مضحكة وواقعية في الوقت ذاته. فقد ذكر لي ذات مرة آن ملك من ملوك أرض الله الواسعة طلب من احد الرساميين المحترفين في ميدان الأستهواء والخيال أن يرسم صورة يُعرف بها معنى الجمال وآخرى نقيضها؛ آي القبح. تاه الرسام المسكين في بادئ الأمر ومن ثم توقفت افكاره تحت رسم طفل برئ ومبستم ليعرف معنى الجمال فيها. أُعجب الملك في الرسمة ومن ثم طلب الرسام ليواصل بحثه بعد عقدين من الزمن ويرسم نقيضها. من المبكي آن الرسام الظريف آكتشف انه آخذ ليرسم الشخص ذاته ولكن بعد حياة متغيرة وصعيبة ليصبح الطفل الجميل عجوز واهن و قبيح!

لعل أهم المغازي الأخلاقية لهذه القصة ان الأنسان هو ميزان نفسه في الخير والشر؛ والجمال والقبح والى آخره من الأمثلة! فهل يمكن حقا ان يوم من الأيام نفهم خلاصة هذا الأنسان ونقترب في نهجنا للعملية أكثر من التلقين و وتأدبية اللغة التي من الآحرى آن تصلح لدار الملائكة؟

وانني بهذا لا أتهجم على اي معتقد كائن ماكان وانما لابد لنا حتى أن نتنور, نقنن سبل حضارية للتعامل مع تلك القيم المطلقة والشكليات الخالية من الحقائق الغريزية في صيرورة الأنسان. سواء كانت في الأوساط الأجتماعية أو الدينية أو الثقافية ومالى ذلك من آوساط مختلفة. لانقول بأن شكليات وصور الأمور غير مهمة بنوعها ولكنها تأتي بالدرجة الثانية بعد محتواها الجوهري. فنحن على سبيل المثال اذا نظرنا الى اي مادة من حولنا، سنجد انها تمثل صورة او شكل. ولكن هذه الصورة أو هذا الشكل مكونة أو مكون من بلايين وملايين الجزئيات والجزيئات الدقيقة. آذ نريد بفهمنا للواقع ان نغوص ونبحث في تلك الجزئيات والجزيئات الدقيقة لنفهم الواقع المحيط بمنظور أوسع وأشمل.

لآاريد ان اكون ذلك الممل في سرده أو الثرثري الغائص في حدود معطياته. فكم هذا الموضوع عميق جداً ومن الغير الهين ان يلخص ببضعة سطور في مقالة. خلاصة القول ان عمل دراسات وبحوث في صدد رؤانا وتفاسيرنا للمسائل والأمور سيمكننا من الأستفادة من الموارد البشرية المتوفرة من حولنا في خدمة مجتمع مدني قوي الأرتكاز والهيئة. من الواضح ان الكثير من النظم الأجتماعية والثقافية والبيروقراطية والسياسية المحيطة لاتشجع هذا النوع من التفكير. ولكن آي نظم تستغل مؤسساتها من أجل تكريس ثقافات وقيم بالية لخدمة أجندات خاصة بها, غير قابلة للبقاء في ظل آزدياد التناقضات الفكرية في العالم العربي بين القوى الأجتماعية المختلفة ونظم الدولة ذاتها.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جزاك الله خيرا
فهد العليان ( 2012 / 3 / 21 - 00:42 )
آحسنت في صب الحقيقة

اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة