الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي دور للمجتمع المدني في تطوير التماسك الوحدوي؟

كريمة بكراوي

2012 / 4 / 27
المجتمع المدني


من الضرورة بمكان- قبل التطرق لهذه القضية - تحديد بعض المفاهيم المكونة للإطار المعتبر حضنا لها ألا وهو:علاقة استراتجية الجهوية كدعامة للتنمية والهوية، المجال الحيوي لفعالية المجتمع المدني.
فما معنى استراتيجية؟
الإستراتيجية مفهوم عسكري، هي فن القيادة وخوض الحروب عن علم، لذلك تجمع بين الخطة و التصميم و البرمجة وتحديد التوقعات و الاستعداد لها.
ما هي إستراتيجية الجهوية المتقدمة؟
إنها السعي إلى تحقيق نظام أكثر تقدما، بحيث ينطلق الإصلاح مما هو موجود ليتم توسيع اختصاصات الجهة اعتماد الحكامة الجيدة مع الاستقلالية المالية.
ثم كيف أنها دعامة للتنمية المستدامة؟
إنها ليس كذلك وحسب، بل إنها رافعة للتنمية المستدامة بكونها وسيلة لخدمة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، وإطار للحوار وممارسة الديمقراطية، و بذلك تصبح ورشا كبيرا لتحديث مؤسسات الدولة و تحقيق القدرة على الحياة الكريمة.
أما استراتيجية الجهوية المتقدمة كدعامة للهوية الوطنية، فهي صلب دور المجتمع المدني في تطوير التماسك الوحدوي، المقاربة المزمع تقديمها بين أيديكم في هذه الورقة.
إن تحديد المفاهيم ضرورة منهجية، لإنجاز أي مقاربة سوسويولوجية و أنثربولوجية، ومما يجب الوقوف عنده منها ولو بعجالة :
أولا- المجتمع المدني:
- هومجموعة من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الأهلية غير الحكومية وغير الربحية.
- هو رابطة اختيارية، ينظم إليها الأفراد طواعية، بحيث لا تقوم عضويتهم فيها على الإجبار، وإنما تتم بمحض إرادتهم لإيمانهم و قناعتهم بقدرتها على حماية مصالحهم بعد التعبير عنها؛ لذلك تتحول هذه الشبكة بطبيعتها إلى صمام أمان اجتماعي بالنسبة للسلطة وللمنتسبين إليها، وإلى أداة للتنمية المستدامة ووسيلة لتقوية الولاء و التقديس.
- هو ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور التاريخية، يمكن التدليل على ذلك داخل مجتمعنا المغربي بالحلف، القبيلة، العظم، الفخذ المعروف بآيت و آل.
- ثانيا الدور: هو أداء قابل للوصف والقياس و المعاينة، ليس كتأثير فقط بل كتدبير للشأن المشترك، وهو غالبا لا يتم إلا في فضاء عمومي وبشكل جماعي.
- ثالثا التطوير: فعل يتم في حيز زمني، ويتسم بالرقى. ينطلق من وضعية بدئية نحو أخرى مستهدفة منشودة، وهو فعل يتم عن قوة معرفية و مادية لذلك يستلزم موارد مالية و بشرية.
- رابعا التماسك: مفاده التلاحم بين مكونات محافظة على استقلاليتها رغم تفاعلها و ترابطها، فهو ليس أي من الاندماج أو الإدماج أو الانصهار.
- خامسا الوحدوي: من الوحدة التي تتم رغم التعدد لإنتاج كيان كجسد يمتاز بالوحدة رغم تعدد الأعضاء.
بعد التحديد المبسط للمفاهيم المكونة لإطار موضوعنا هذا بهدف توحيد الرؤية، لا بأس من أن نتحدث بشكل موجز عن: المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية، ما سماته؟ ما مقوماته؟ كيف يؤدي وظائفه؟ و ما القوانين التي يفرضها؟
يعتبر المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية؛ لكونه ثمرة جهود مختلفة متراكمة ونشاطات إنسانية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية و سياسية. تولد نتيجة الحاجة لفئات اجتماعية محددة بهدف تحقيق مصالحها و التعبير عن آرائها وأفكارها. وهو متسم بصفات الظاهرة الاجتماعية التي يمكن إيجازها فيما يلي :
- الاستقلالية: إنه كيان مستقل عن السلطة، لا يبغي ربحا، غير تابع لما هو حكومي، منفصل عن الانتماءات السياسية.
- التكرار: إنه يمتاز بكونه يتكرر بنفس الخصائص الجوهرية لمكوناته عبر أزمنة مختلفة، ولذلك لا يمكن تجاهله، علما أنه يتطور عبر التاريخ.
- الإكراه:إن كان الأفراد ينظمون إليه عن طواعية، فإنه يخضعهم لقوانينه سواء كانت الممارسة اختيارية أو إلزامية؛ مما يجعلهم في حالة انصياع يتحملون مسؤولية، تسمح بمحاسبتهم، والوصول بهم ربما إلى أقسى أنواع العقوبات.
- القابليىة للملاحظة و الدراسة: اشرنا انه متميز، مثير للانتباه، متكرر، متغير حسب الأحداث و حاجات المجتمع، إذن مستفز للباحث ولغيره، مما يسمح للجميع بتتبعه وللاختصاصي المهتم بدراسته بكيفية منهجية.
- الانتشار: إن مكوناته من: منظمات واتحادات ونقابات، ورابطات، ونواد وجمعيات متواجدة في كل مكان سواء دخل المدينة الواحدة أو الإقليم أو الجهة، بل و في تزايد مستمر فأصبح المجتمع يتكون من المجتمع المدني إلى جانب المؤسسات الرسمية.
- الممارسة الجماعية: إنه لا يتأسس بشكل فردي، ولا يمارسه شخص بمفرده بل هو سلوك جماعي يعبر عن وعي جمعي.
- الانتقال من العام إلى الخاص: المتفق أن العمل الجمعوي نشاط تطوعي جماعي، لتلبية حاجة عضو أو جماعة مستهدفة، قد تكون من المتطوعين أنفسهم أو من غيرهم؛ إلا أن الفعل الممارسة غالبا ما تبدو مساهمة جماعية، وهي في جوهرها أداء فردي متكرر من لدن الأعضاء بشكل متزامن أو متلاحق. والمستفيدون يدركون بقوة أثر ونتيجة العملية على كل منهم بشكل خاص، ولذلك إن العملية تنتقل من العام إلى الخاص على مستوى الإنجاز حيث الكل يشارك في العملية ولكن المسؤولية فردية خاصة، أما على مستوى الهدف فرغم كونه يمتلك مظهر العام، كتكوين فردي أو تكوين المجموعة حقوقيا، فهذا لا يعدم وجود التخصص في الترافع؛ ولنقرب المسألة أكثر: إن الحالة تبرز عندما تكون الغاية إكساب كل شخص اللياقة البدنية ويكون التركيز إبان ممارسة الأنشطة الرياضية موجه إلى نوع من العضلات فقط: القلب. والنتيجة أن المجتمع المدني ككيان، وسلوك، وقناعة، وجود معرفي له خاصيات المادة .
أما مقوماته، فأربع و هي:
- الفعل الإرادي لتحقيق مصالح المستهدفين، وحماية حقوق الأعضاء وحرياتهم في الفعل المنبثق عن إرادتهم بكل حرية وتطوع وتحمل.
- الصفة القانونية: إنه يشتغل في إطار القانون ويحتكم إليه بل يتفاوض وينظم مختلف الأنشطة بالمساطر والقواعد المنبثقة من دستور البلد، والعقود والأعراف؛ وعليه فان المجتمع المدني يمتلك الصفة القانونية، ويعتبر شخصية معنوية.
- عدم السعي للسلطة السياسية، فوظيفته تجعل منه عامل ضغط وتأثير على القرار السياسي من غير طمع في السلطة.
- الاستقلال عن السلطة: انطلاقا من مقومات المجتمع المدني نخلص إلى أنها مستقلة تتمثل روح المبادرة الطوعية الفردية والجماعية، تحقق مجتمع التضامن، والحوار والاعتراف بالأخر. غايتها الأسمى تلبية الحاجات والتنمية البشرية المستدامة في استقلالية عن السلطة السياسية.
- فما هي وظائف المجتمع المدني بمختلف تشكيلاته؟و كيف يؤديها؟
إنها كثيرة أهمها:
- حماية وضمان مصالح المستهدفين من جهة، و أعضائه من جهة أخرى، في مواجهة قهر الكوارث وأية سلطة قهرية من تنظيمات ومؤسسات أو جماعات أخرى.
- تنشئة أعضائه وجعلهم قادرين على الإنجاز النوعي.
- تنظيم العلاقات و تحقيق التواصل فيما بين مكوناته من جهة و بينها وجهات أخرى من جهة ثانية.
- تعبئة القوى الاجتماعية و إشعارها بمدى دورها في خلق نوع من التوازن داخل المجتمع.
- تنشيط مكونات الواقع و كل مجالات الإنتاج: فلاحة، تجارة، صناعة و فكر.
- إشراك المواطنين في تحقيق التنمية المستدامة بالتعاون و الحصول على خدمات من منظمات غير حكومية وطنية و دولية.
أما أدواره فمتعددة منها:
- فرض روح التضحية و التطوع والتعاون.
- تربية أعضائه على الديمقراطية والمساواة و التسامح و احترام الاختلاف لتحقيق الإتلاف.
- تحقيق التواصل، التشاور، الحكامة الجيدة و التشارك؛ مما ينفي كل أنواع الميز.
- تنمية روح الولاء و تأجيجها والإقناع بها.
- زيادة الثروة و تحسين أوضاع الناس.
- تحقيق التماسك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، و التآلف والالتفاف الوحدوي حول القيم المغربية المشتركة.
و عليه إن المجتمع المدني يمارس نشاطه غالبا في الفضاء العمومي، علما أنه حسب ماركس " هو نفسه فضاء للصراع الطبقي". كما أنه وسيلة للهيمنة على المجال الثقافي و التعليمي لمواجهة الهيمنة الاقتصادية (غرامشي). فإذا كان للسلطة مجال السياسة و الإدارة، وللاقتصاد مجال تراكم الرأسمال فللمجتمع المدني مجال التواصل الحر المفتوح.
و بناءا على ما سبق، ما دور المجتمع المدني في تطوير التماسك الوحدوي؟ ما المقصود بالتماسك الوحدوي؟ ما مستوياته؟
إن المقاربة السوسيولوجية تنشغل بأهمية الجغرافيا الطبيعية و أثر تنوعها ، بل و فعله في حياة الساكنة و أنواع البنيات و المؤسسات التي يفرزها المجتمع. فالطبيعة أهم مصدر للعيش بتنوع ثرواتها، و هي تفرض غالبا أنواع العلاقات الاقتصادية، و أنواع الصراع من أجل تلبية الحاجات، و تحديد نوع المعيش والعمران و المسالك. و بما أن الجهة هي مجال طبيعي لممارسة الحياة، فمن الضرورة بمكان اعتبار التنوع الجغرافي الطبيعي و تكامله في إطار وحدة الجهة. و من هذا المنطلق تم التقسيم الجهوي الأخير بعلاته، ما مصدر وحدة الجهة طبيعيا؟
فرغم تنوع التضاريس، فإن ما ينتج الوحدة الطبيعية هو النوع المهيمن منها، على سبيل المثال لا الحصر الواحة تنتشر على طول الوادي الذي يجمع بين مكونات مختلفة من حيث المظاهر الطبيعية (واحات: زيز، غريس، كير) فالموحد بينها هو الوادي. الذي ينتج التماسك بين الأعلى: المنبع والأسفل: النهاية؛ و يفرض مثلا نظام توزيع الماء و التناوب على استغلاله، و توزيع مناطق الرعي و السواق و بالتالي كل العلاقات الإدارية، والاجتماعية والاقتصادية ( أنظمة القبائل، القيادات، المشيخات، الدوائر، الجماعات،.....) . هذا التنوع الطبيعي أعطى تنوعا لغويا متباينا بتباين التضاريس بين المنبع و المنتهى. و هذا يعد مصدر غنى ليس فقط على مستوى العادات و التقاليد وإنما على مستوى المقدرة على ضبط اللغات. فالوادي بانسيابه على طول مئات الكيلومترات أرغم الساكنة على إبداع مجتمع مدني للتفاوض و فرض طرق استثماره بديمقراطية وتشارك مع تطبيق مبدأي العدل و المساواة؛ و نفس الأمر يسير على باقي المجالات مثلا: التعليم، الصحة، الرياضة....إلخ.
فالمجتمع المدني كان و لا يزال هو العامل الوحيد القادر على تحقيق الانسجام و تطوير التماسك بين مكونات الجهة لتحقيق التكامل الاقتصادي و هذا ما يشهد به التاريخ المشترك و النموذج الحضاري المعيش، سواء إبان مواجهة الكوارث الطبيعية أو النوازل أو عمليات الإنتاج المختلفة و على رأسها ظاهرة العمران.
ومن هذا المدخل نلاحظ أن المقاربتين السوسيولوجية والانثروبولوجية بدراستهما للثنائيات النمطية على مستوى الظاهرة الواحدة كالقصر و الزواج وعاداته إنما تبرز المشترك و المختلف بين النمطين، و تؤكد الغنى الحاصل في نفس المجال و تحت نفس الشروط، فلكل قصر مثلا سور و أبراج و محج على الأقل و أزقة، و يبقى الاختلاف بين أشكال هذه المكونات و حجمها؛ أما فيما يخص ظاهرة الزواج فيكفينا أن الجامع بين أنواعه و أشكاله شيوع و استمرار ظاهرة الزواج الجماعي و المشاركة في الفرح بالهدايا، مما يجعل الزواج والعمران أمر جماعي يحتاج إلى تنظيم و مسايرة و خدمة مصالح الأطراف. فيلجأ الكل بشكل ديمقراطي إلى تطوير مؤسسات المجتمع المدني للحفاظ على المصالح و تحقيق الغايات النبيلة.
.... يتبع
ذ. كريمة بكراوي
باحثة اجتماعية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي


.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال




.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا


.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي




.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس