الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس العقل السياسي حول (تجريم الطائفية)

قاسم علي فنجان

2014 / 12 / 14
المجتمع المدني


بين والحين والأخر نسمع دعوات تصدر من هنا وهناك حول إلغاء الطائفية أو تحديدها أو أنه لابد من التخلص منها, وهذه دعوات جميلة وفيها الشيء الكثير من (حسن النية) أوقد نعتبرها (صديقة للبيئة) السياسية المتوترة طبعا. أيضا هي دعوات كانت -وستضل- مقتصرة على منظمات المجتمع المدني أو مبادرات يطلقها طلاب أو فنانين أو إعلاميين أو مثقفين, أو عندما نسير في شارع المتنبي ويواجهنا احد المتطوعين طالباً توقيعنا بأننا نرفض الطائفية والقومية. لكن كل تلك دعوات وتبقى كذلك لأنها تحمل بصمة المجتمع المدني وليس لها أي طابع سياسي, فالطائفية معرفتاً هي نظام سياسي, نظام سياسي فقط للتأكيد, وهذا النظام بنا دستورا وعملية سياسية شاركت فيها كل القوى السياسية الموجودة حاليا، ووافق وتوافق عليها بالإجماع كل دول الجوار والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأولا وأخيرا الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي لهذا النظام. قطعا هذه ليست النهاية وليس معنى ذلك أن هذا النظام وجد ليتأبد أو ليبقى دائما, فديمومته في جزء منها تأتي عبر تلك الدعوات الغير سياسية والتي تأخذ طابعا اجتماعيا ورومانسيا. والدعوة الأخيرة التي واجهتنا من قبل (التيار المدني) داخل مجلس النواب بجمع مليون توقيع لرفعها إلى رئاسة المجلس حول تشريع قانون"يجرم الطائفية", هذه الدعوة هي من تلك الدعوات التي تحمل طابعا خياليا (حلميا).
أن تأسيس شكل الحكم في العراق بعد أحداث 2003 مبني على أساس طائفي وقومي, فالكل يتذكر تجربة مجلس الحكم, الذي على أساسه تشكلت أولى الحكومات التوافقية والتي منها انبثقت لجنة كتابة الدستور, ثم جرت تلك الانتخابات المريرة مشكلةً حكومة صار لزاما عليها أن تكون بالشكل التالي: رئيس الجمهورية من القومية كذا ورئيس البرلمان من الطائفة كذا ورئيس الوزراء من الطائفة تلك. وسارت كل انتخابات على هذا الشكل, والذي يدخل في العملية السياسية على غير هذا الأساس سيكون مصيره الفشل أو في أحسن الأحوال أقلية مخجلة داخل مجلس النواب(تجربة بعض الأحزاب اليسارية). ألان كيف سنجرم من يتحدث بالطائفية؟ أولاً لنكن متأكدين من أن رئاسة مجلس النواب وجميع نواب المجلس سيصوتون على مشروع القانون أذا قٌدم, لكن هل سيجرم هذا القانون المليشيات من القتل الطائفي والذين قادتهم ومموليهم هم أعضاء في مجلس النواب والحكومة؟ هل سيجرم بعض القيادات الأمنية وأعضاء في البرلمان لهم اتصالات مع "تنظيم الدولة الإسلامية"؟ أيضا دعونا نمضي بطرح بعض الأسئلة حول الكيفية التي سيأخذ بها هذا القانون مجاله في الحياة العامة السياسية والاجتماعية. هل سيلغي هذا القانون التقسيم لمناصب الحكومة؟ وهل سيجرم الخطاب الطائفي لدول الجوار؟ وهل سيجرم الإيماءات والإشارات الطائفية في مناهج التربية والتعليم؟ هل سيجرم خطباء الجمعة؟ أو سيجرم الطقوس الدينية التي تأخذ شكل استعراضات طائفية؟ أو أن هذا القانون سيجرم الدستور والعملية السياسية كلها؟.
أن مشكلة هذه الدعوات هي أنها لا تفرق بين السياسي والمدني, أي أنها تخلط بين هذا وذاك واضعتاً بذلك نفسها في مأزق يتكرر دائما مع القوى السياسية "المدنية", وكان من المفروض على هذه القوى أن تعرف أن النظام السياسي في العراق القائم على الطائفية هو صمام أمان لكل الكتل السياسية وأيضا لحكومات الدول المجاورة "إيران والسعودية", فالمحافظة على شكل هذا النظام هو بالتالي محافظة على أنظمتهم وبقائها ولا يمكن لدعوة "رومانسية" أن تلغي أو تجرم هذا النظام. قال "نيتشه" مرة (أن المحارب الصادق يفضل كلمة "يجب عليك" على كلمة "أنا أريد")، وبما أن "التيار المدني" أراد إعلان الحرب على الطائفية من داخل المنظومة السياسية الطائفية، فكان الأحرى به أن يصٌعد من خطابة ويطالب بإلغاء الدستور وكتابة دستور جديد مدني علماني -يفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم-، دستور لا يفرق بين إنسان وإنسان على أساس طائفي أو قومي, وأن نبني عملية سياسية حقيقية يكون فيها الفرد مواطن تابع للدولة وليس لطائفة أو قومية, لكن دعوتهم جاءت على أساس "أنا أريد" الرومانسية أمام وحوش وقتلة الطائفية وهذه الدعوة ستكون ميتة حتى قبل أن تولد.
في حقيقة الأمر أنه لا يمكن الخروج من هذا النظام البغيض والمقيت بدعوات منظمات مجتمع مدني بل أن الخروج منه هو بالخروج عليه سياسيا واجتماعيا في نفس الآن, أن السياسة لعبة قوة, إنها فن الممكن كما يقال وليس فن تشريع القوانين بمعايير أخلاقية. اعتقد إننا أن حاولنا جاهدين أن نجد لهذه الدعوة -الرومانسية- مكانة داخل هكذا نظام سياسي -طائفي وقومي- لم ولن تبدو لنا كسبا أو نصراً كما تبدو لأول وهلة، بقدر ما تكون أداء دور مسرحي تمثيلي داخل مجلس النواب, ويجب علينا أن ننشد لهم ونوصيهم -التيار المدني- بأن (تخلصوا من الأسطورة, ودعوا الإلهة القدماء يذهبون لسبيلهم, لا معنى لهم عندنا, نحن نطالب الآن بما هو أفضل, ما يستثير القلب يجب أن يصدر من القلب) (فاوست).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج