الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر/ 43 / القانون العشائري يبرز إلى الواجهة من جديد!!

خليل الجنابي

2016 / 8 / 8
المجتمع المدني


على ضوء الأحداث الأخيرة التي حدثت في البرلمان العراقي عند إستدعاء وزير الدفاع السيد خالد العبيدي للإجابة على بعض الأسئلة والإتهامات التي تخصه وتخص وزارته والتي كشف فيها بعض المستور من حالات الفساد التي طالت أسماء مهمة مساهمة بالعملية السياسية وعلى رأسهم السيد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب وغيره من أعضاء المجلس وخارجه .
وبغض النطر عما جاء من تراشق للإتهامات بين ألأطراف إلا أنه وللأسف برز على السطح وبشكل سريع ( القانون العشائري ) الذي ظهر واضحاً حين وقفت عشائر المتخاصمين كلاً منها خلف ( أبنائها ) من منطلق ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) . فوقفت مثلاً عشائر العُبيد خلف إبنها خالد العبيدي ، وعشائر الجبور خلف إبنها سليم الجبوري ، وعشيرة الكرابلة خلف إبنها الكربولي . وكل من هذه العشائر تدعي بأن إبنها هو ( النزيه العفيف ) الذي لا يدخل الباطل من بين جناحية .
وقبل هذا حدث المثل حين إشتكت السيدة النائبة ( حنان الفتلاوي ) ، شكوى عشائرية ضد زميلها من إئتلاف المواطن ( أحمد أبو كلل ) ، بتهمة الشتم خلال مشادة كلامية بإحدى الحلقات التلفزيونية. وكان أبو كلل قد وصف الفتلاوي بـ (الانبطاحية) ، ما دفعها إلى التوجه إلى مضارب عشيرتها، التي هددت عشيرة أبو كلل في حال لم يحضر ممثلوها جلسة الحكم . وبالفعل إحتكمت عشيرة الأخير وغُرّمت بدفع 84 ألف دولار مع اعتذار علني ، تم بثّه على قناة تابعة لرئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي ، الذي تنتمي الفتلاوي لكتلته .
ليس بعيداً عنا ما حدث ويحدث للأطباء من تهديد من قِبل العشائر حين وفاة أحد أفرادها في المستشفى أو العيادات الخارجية وتحميل مسؤوليته إلى الطبيب المعالج وتُكتب على عيادته وبيته عبارة ( مطلوب دم ) ، وتهدر دمه إبتغاء إبتزازه ودفع ( المقسوم ) ، وهو ما أدى إلى خوف الأطباء على حياتهم وحياة عوائلهم مما أدى إلى هروبهم وهجرتهم ليخسر الوطن شريحة أخرى من الأطباء بكل إختصاصاتهم إلى جانب أساتذة الجامعة والمهندسين والصيادلة والمحامين والأدباء والفنانين وغيرهم من الكوادر والكفاءات العلمية .

لقد تراجع دور القضاء العراقي خاصة بعد صعود القانون العشائري الذي قضت عليه ثورة 14 تموز 1958 ، حيث كان من أهم أهدافها ضرب الإقطاع ، فأصدرت قرار إلغاء حكم العشائر الذي جردت بموجبه شيوخ العشائر من سطوتهم وظلمهم وجورهم للفلاحين ، وأصدرت ( قانون الإصلاح الزراعي ) الذي ضرب المصالح الإقتصادية للشيوخ والملاكين الكبار ، وحقق إنقلاباً كبيراً في العلاقات الإجتماعية ، ومن حينها نمت النزعة الوطنية على حساب الإنتماءات والولاءات الأخرى .
لقد حدثت الإنتكاسة بعد إنقلاب 8 / شباط / 1963 وإغتيال ثورة تموز الخالدة وإستلام مقاليد الحكم من قِبل البعثيين والقوميين الذين أجهزوا على قانون الإصلاح الزراعي وأعادوا السطوة للعشائر والشيوخ بغية التقرب منهم لإسنادهم لحكمهم الشمولي المقبور .
إن الردة الحضارية الآن التي تحدث في العراق متأتية ولا شك من ضعف الدولة وأجهزتها في حماية المواطن والدفاع عنه وعن عائلته وممتلكاته وأمنه ، فنرى الناس تلجأ إلى عشائرها لتدافع عنها ، وهذا ولا شك يسوقنا إلى ( قانون الغاب ) الذي يؤدي إلى إنتصار القوي على الضعيف .
لقد إرتفع مؤشر عدم ثقة المواطن بالقضاء العراقي نتيجة للفساد والمحسوبية أيضاً وتلمس أنه سيذهب ( في خبر كان ) حيث لا قانون منصف يحميه ، وهذا ما دفعه إلى البحث عن الولاءات القومية والدينية والمذهبية . فبرزت المحاكم العشائرية حتى سُجل في بغداد وحدها 800 جلسة حكم عشائري في شهر واحد ، وفي النجف إلى 1200 جلسة حكم إنتهت جميعها إلى الصلح ودفع ( الديّة ) بغض النطر عن نوعية التهمة ومن هو المتهم ومن هو البريء . وكثير منها جرت تسويته بإعطاء فتيات كهدية من العشيرة الفلانية إلى العشيرة الأخرى لغرض المصاهرة وحقن الدماء !! .
العشائرية في مرحلة ما قبل آلاف السنين كانت أكثر تقدماً عما سبقها من مجتمع الصيد والمشاعة البدائية في العصور الحجرية ، ولكنها تُعد متخلفة لما بعدها .

إن المخاوف أصبحت كبيرة من إحتمال عودة العراق إلى المجتمع البدوي ، وإلا ماذا يؤشر قيام بعض البرلمانيين والبرلمانيات لإطلاق حملة جمع تواقيع داخل البرلمان الغرض منها تمرير هذا القانون المتخلف .
العشائرية أيها السادة مرحلة من مراحل المجتمع البشري الذي إنتهى مفعوله ، والعودة إليه سيعيدنا إلى مراحل التخلف التي تخطتها الشعوب المتحضرة التي ترنو لإزالة الحدود والسدود بينها .
إن المحاكم القضائية الرسمية تراجعت إلى المرتبة الثالثة بعد أن تعدتها إلى المرتبة الثانية المحاكم الشرعية الدينية الموجودة في الحسينيات والمقامات الدينية .

في هذا الصدد، يرى الخبير القانوني، مهند عبد الرزاق، أنّ ( السياسات التي تنتهجها الدولة ، من خلال سيطرة الأحزاب على المؤسسات ، ومنها القضائية ، والتعامل بألمحسوبية في كافة القضايا القانونية ، دفع باتجاه تقوية العشائر على حساب سلطة الدولة) .
والأن أصبح معروفاً بأن العلاقة بين الفرد والعشيرة يقوى ويضعف حسب قوة الدولة ومكانتها في ضمان أمن ومعيشة المواطنين . فكلما أصبحت الدولة قوية ، كلما ضعف دور العشيرة وإنحسر ، وبالعكس كلما وهنت الدولة وضعفت زاد الدور العشائري في تقرير مصير الناس والعباد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي


.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس




.. Amnesty International explainer on our global crisis respons


.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد




.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي