الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيب المعاملة يحسن الأداء

محمود عبد الله
أستاذ جامعي وكاتب مصري

(Dr Mahmoud Mohammad Sayed Abdallah)

2016 / 11 / 14
المجتمع المدني


طيب المعاملة يحسن الأداء
بقلم: د. محمود محمد سيد عبد الله

لم أكن بحاجة إلى أكثر من أيام في بلاد الضباب حتى أقف على سر تقدمهم ورقيهم! فكلمة السر كانت هي ’النظام’ و ’حسن المعاملة’ و’الآدمية’ في كل شيء! كان أول لقاء لي بعميدة الكلية بعد عدة أشهر من البعثة...وكان في البداية مجرد ذكر لقب ’عميد كلية’ يصيبني بالرهبة والخوف! كان اللقاء محددا بموعد في مكتبها قبلها بأيام كعادة الإنجليز... وكنت أكتم أنفاسي قبيل هذه اللحظة...وما إن وصلت إلى السكرتارية وقلت لهم اسمي: محمود عبدالله طالب دكتوراه، فوجئت بالسكرتارية تقول لي "أهلا مستر عبدالله! البروفوسير .......في انتظارك وسأخبرها بحضورك حالا!" وما هي إلا لحظات حتى جاءت العميدة من الباب الرئيسي وفتحته لي بنفسها وأشارت لي بالدخول والجلوس على أحد المقاعد! تصورت أن هذه معاملة خاصة أو صدفة، ولكني سرعان ما اكتشفت أن كل القيادات والمديرين والرؤساء الإنجليز يستقبلون أي وافد بأنفسهم ومباشرة بفتح الباب بأنفسهم (دون وسيط) وادخال الضيف بهذا الشكل المحترم بغض النظر عن شخص الضيف أو درجته الإجتماعية أو الأكاديمية أو وضعه الوظيفي أو حالته المادية والشكلية أو ........

أما في بلادنا ، فإن مجرد فكرة الدخول إلى مكتب مديرك أو أحد رؤسائك كافية لأن تصيبك بالضيق والتوتر العصبي..وهو إحساس لا يختلف كثيرا عن إحساس الجندي عندما يستدعى من قبل أحد قياداته أو عندما "يتدور مكتب"! فأنت - في الغالب - لا تتوقع الخير وتفترض اللوم والتوبيخ واتهامك بالتقصير..في مثل هذا المناخ ، لا ينظرون إلى حسناتك وميزاتك (من حماس وانضباط وإلتزام بالمواعيد وجودة في الأداء وسرعة في الإنجاز مع اتقان للعمل وجدية وتعاون وتفرغ كامل وحرص على الصالح العام واستجابة سريعة للأوامر على حساب أسرتك وصحتك وأعصابك)..إنما يركزون أكثر على زلاتك وأخطائك الصغيرة التي قد يقع فيها أي إنسان بحكم ضعفه نقصه البشري (مثلا: إنت اتعصبت شوية مع فلان..وما سلمتش على علان..وما بتروحش مكتب "س" وما بتشكرش في "ص"..وما بتعملش لايك لــــ"ع" على الفيس)..وقد تبتلى ببعض الأقران المرضى الذين يعميهم الحقد والحسد والغرور عن ميزاتك - بل ويحولونها إلى عيوب (مثلا: هو جاد في عمله - بس كشري..هو بيلبس كويس بس البرفان اللي بيحطه مش عاجبني..هو بيجي في مواعيده وملتزم مش حبا في العمل ولا حاجة؛ هو بس مش لاقي حاجة تانية يعملها..هو بيعمل جروبات تعليمية على الفيس بس بيسيطر عليها - مع إن الجروب بتاعتك! ده مش بيفيد الناس ده بيضغط عليهم علميا ويذلهم..الخ)..ناهيك عن "خلط" الأوراق والزج بالحياة الشخصية في الحياة المهنية وانتهاك الخصوصية والتجسس والتطفل والإنشغال بمراقبة الآخرين والحديث عنهم وجلوس بعض الفارغين النمامين باستمرار - ولأوقات طويلة - في مكاتب المسئولين والرؤساء ، مما يعرضهم للنقد اللاذع والتجريح والمقت من قبل الآخرين..ويجعلهم السبب وراء كل مصيبة تحدث في المؤسسة..وهذا قد يعرض المدير أو المسئول للشبهات والقيل والقال! أضف إلى ذلك ، البيروقراطية الشديدة التي تحد من التميز والإبداع وتصب الجميع في قوالب جامدة ثابتة لا تفكر "خارج الصندوق"! ناهيك عن الشخصيات المقرفة بطبيعتها والتي لا مفر من التصادم معها والتي تدعي "المثالية" و"النزاهة" و"الموضوعية" وتتشدق بآيات قرآنية تخرجها عن سياقها كي تخدم أعراضها الشخصية..مثل هؤلاء بدلا من أن يكتفون بالتواري خجلا بعيدا عن الأنظار بتاريخهم المشين الملوث المليء بالإنحرافات والسقطات والمفاسد والتفاهات ، تجدهم يشنون حربا على من حولهم بدعوى محاربة الفساد وكشف "أهل الباطل"..وتحت هذه الشعارات الزائفة ، يخبئون "المنافع الشخصية" و"الوصولية" لهم ولذويهم..ويعززون الفكر القائم على الصوت العالي و’البلطجة والدراع’..

في العالم الراقي المدني المتحضر، يشعر الفرد بكيانه لمجرد أنه "بني آدم"..وطالما أنه انتمى لمؤسسة ما ، تجد الجميع يسعون لخدمته وتشجيعه وإسداء النصح له - دون من أو أذى! تجدهم يدفعونك دفعا نحو الإنجاز والترقي طالما أن ذلك سيصب في النهاية في مصلحة المؤسسة..هناك تجد أقرانا يتفوهون بما يشعرون به فعلا دون تصنع أو تملق أو رياء..هناك تشعر أن الحياة واضحة بسيطة وقواعد اللعبة واضحة معروفة ولا يتخذ أحد أي إجراء رسمي ضدك دون تحذيرك وإنذارك مرة - وربما مرتين! تلك الشخصيات الراقية المهذبة تحببك في عملك وفي حياتك..وتجعلك تعمل وتنجز في ظل مناخ داعم بناء..يقدم لك كل ما تعوزه لكي تؤدي عملك بإتقان! فلا ذل ولا نكد ولا عقد..لا صراعات ولا أعباء نفسية تجلب لك الأسقام والعلل وتشيبك قبل الأوان..هناك - كما لمست - يحرصون على خلق مناخ أكاديمي خدمي فاعل ؛ أما هنا فالكثير يخلق حواجز صلبة وثأر شخصي مع كل شاب كبح أو ظلم أو أسيء معاملته خلال رحلته الشاقة الطويلة حتى يحصل على الدرجة العلمية أو الوظيفية التي يستحقها! هناك..عندما يتداولون أخبارا فإنها تكون إيجابية تعين المرءوسين على الإنجاز وتشعرهم بالإنتماء للمؤسسة..هناك يخصصون أوقاتا للإجتماعات العامة لطرح الأفكار والرؤى التي من شأنها أن تعلي من قدر المؤسسة..هناك ينسبون الفكرة (أو العمل) إلى صاحبه ، دون أن يسرق أحدهم جهد من دونه في الدرجة أو الوظيفة..

وختاما: طيب المعاملة يدفع الناس إلى الخير والرقي..والكلمة الطيبة تفيد ولا تضر..والعقول "الراقية" المستنيرة تنشر العدوى (الإيجابية) بسرعة البرق..أما العقول الصغيرة فلا يمكن أن تبني أمجادا لبلد كبيرة! فسيروا معاقل علمكم وعملكم..مسلحين بالإيمان والجد والإجتهاد..والله يرعاكم ويسدد في طريق الخير خطاكم..

خالص تحياتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية


.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور




.. تكدس خيام النازحين غرب دير البلح وسط قطاع غزة


.. ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟ •




.. نتنياهو: أحكام المحكمة الجنائية الدولية لن تؤثر على تصرفات إ