الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد الماركسي للمجتمع المدني

دلدار ميتاني

2017 / 4 / 22
المجتمع المدني


بالنسبة لماركس البيروقراطيون هم ممثلو "المادية الفظة" والاهتمام الاساسي لهذه الفئة حاجتهم الخاصة للتقدم داخل التنظيم، واكثر من ذلك البيروقراطيون هم اناس يقبلون بخضوعهم وطاعتهم للدولة كشرط لتأمين مستقلبهم.

لكي نفهم النقد الماركسي للمجتمع المدني علينا في البداية التطرق باختصار لموقف ماركس من فلسفة هيجل.
في كتاب هيجل "فينومينولوجيا الروح" يؤكد ان التاريخ ممكن فهمه بوصفه تقدما بواسطة الفكرة المحورية التي يسميها هيجل "الروح المطلق". ويعني الروح الاتجاهات الاخلاقية التي يجب ان تكون متجسِّدة في المؤسسات او النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحكم الحياة الانسانية وهذه المعرفة تتطور بازدياد مع الوقت وبوصفها فهما للروح تظهر امكانياتنا الاخلاقية.
بموجب فلسفة هيجل، في نهاية التاريخ تظهر الروح او تتجلى بشكل كامل كفهم تام ممكن لكل التصورات الاخلاقية التي تتحكم بالحياة وما يوافقها من الاشكال الدستورية او القانونية المعروفة للبشرية، وبموجب فلسفة هيجل، الدولة هي التجسد الضروري للروح المطلق فهي تراقب المجتمع المدني الذي هو مجال المصالح المتنافسة.
وبموجب هيجل كذلك، الاتجاه الاخلاقي المقدم من الدولة، ويمكن ان يكون هناك كثير من المصالح المختلفة في المجتمع المدني ولكن في الوقت نفسه سوف لا يكون هناك تشظٍّ او منافسة مدمرة. وتقترح رؤية هيجل ان الروح تبني طريق الحياة والهوية للجنس البشري، بالمحافظة على اهداف الروح المطلق.
في مقابل هذا الطرح المثالي للفلسفة الهيجلية حول المجتمع المدني تقول الفلسفة المادية الماركسية بان تفكير الموجودات الانسانية ومشاريعها او اعمالها هي التي تخلق تصور الروح المطلق، وايضا النظام الاخلاقي لهذا المجتمع او ذاك، وتعكس المسار الحقيقي للاحداث الجارية في التاريخ. وان الفهم الذاتي الانساني هو وظيفة لشكل جدلي متطور في احداث التاريخ. فبموجب الفلسفة الماركسية الروح المطلق ليس هو الذي يخلق المسار الذي نسلكه لنرى ونفهم انفسنا، ولكن عملية التفكير هي التي تخلق الروح المطلق. لا بل وبالاضافة الى ذلك عمليات التفكير الانساني هي التي تكشف طريق منطق الاحداث الحقيقية الذي يشكل ويصور مشاهد الحياة والفهم.
لذلك عندما يبحث ماركس اعادة النظر في هيجل فان هدفه كان اثبات كيف تخلق أبنية الوجود المادي في المجتمع الطبقي، اي مجتمعات الملكية الخاصة تباعد الجنس البشري، برفضها تحقيق الحاجات الحقيقية والممكنة للناس، لكل الناس، واكبر مثال على ذلك ما يجري في عالمنا المعاصر من خلال ظاهرة الفقر، حيث يعاني اكثر من مليار انسان من الجوع، في حين هناك مئات العائلات فقط تسيطر على الاقتصاد العالمي. وفقط عندما تصبح أبنية الوجود المادي ذات ملكية عامة مفهومة ومتغيرة ايضا قد تكون البشرية اخيرا قادرة على تحقيق معظم حاجاتها الحقيقية ورغباتها.
في هذا المسار يؤكد ماركس في نقده "لفلسفة الحق عند هيجل" ان هيجل اخطأ في فهم العلاقة المناسبة بين الدولة والمجتمع، فالدولة عند هيجل بوصفها مظهرا لفكرة الروح المطلق انما تعكس العلاقة بين الدولة والمجتمع. وعند هيجل الأمل الاسمى هو الدولة التي تجسد تصوره للحياة الاخلاقية، وتخلق هذه الدولة الشروط ايضا التي تحدد الاساس للحياة الانسانية غير انه عند ماركس الديمقراطية هي التصور الأسمى الذي تستطيع الدولة ان تجسده وفي الديمقراطية يعمل المواطنون معا على خلق دستورهم الخاص وتحديد الشروط التي بمقتضاها يعيشون، وفي الوقت نفسه يصفون الشروط التي بمقتضاها ترتبط الدولة بمواطنيها. يبدأ هيجل من الدولة ويجعل الانسان خاضعا للدولة، وتبدأ الديمقراطية من الانسان وتجعل الدولة تشكيلا للانسان. وفي الواقع كان ماركس يعتقد ان الديمقراطية كشكل للحكومة هي التعبير الصحيح وحده عن المصالح العامة للناس، فالديمقراطية وحدها هي الوحدة الحقيقية للخاص والعام.
واكثر من ذلك رفض ماركس رفضا قاطعا اقتراح هيجل ان البيروقراطية تقوم على الطبقة المثقفة والموظفين المدنيين المتعلمين جيدا الذين يحملون فكرة الروح المطلق ويشكلون المجتمع المدني بالطريقة التي هي اقدر على تحقيق هذا التصور في الممارسة.
لكن بالنسبة لماركس البيروقراطيون هم ممثلو "المادية الفظة" والاهتمام الاساسي لهذه الفئة حاجتهم الخاصة للتقدم داخل التنظيم، واكثر من ذلك البيروقراطيون هم اناس يقبلون بخضوعهم وطاعتهم للدولة كشرط لتأمين مستقلبهم.
مقابل ذلك اكد ماركس بأن المجتمع المدني القائم على التعقب الحر للمصلحة الذاتية لا يمكن ان يخلق او يوجد مجتمعا يلازمه الاحساس بالرخاء المشترك.
فبالنسبة لماركس الفهم التام لحقيقة الاوضاع الموجودة التي يندمج بها الناس مع اسلوب الطابع المادي للمجتمع، خاصة بناء الحياة الاقتصادية، والتي غالبا تغرب الافراد وتمنعهم من تأدية دور في النشاطات التي تعينهم على التحقق التام لجهودهم الفطرية، وهذا ما يحدث الآن في المجتمع الرأسمالي وكتابات ماركس المطروحة في "المخطوطات الفلسفية والاقتصادية" ومقالته "عن المسألة اليهودية" كتبها ماركس ليؤكد اهمية البناء الاقتصادي للمجتمع في تحديد البناء الفوقي للمجتمع من مفاهيم، واخلاق، وثقافة وسياسة، اي الوجود يحدد الادراك.
فبالنسبة لماركس النظام الاقتصادي الرأسمالي للمجتمع المدني ينكر اولوية التطور التام للأشخاص. وهذا نجده في الكثير من دراسات ماركس ونقده الاقتصادي والتاريخي للرأسمالية.
كان ماركس يرى ان الحياة في المجتمع المدني تأخذ مكانها في وضع السوق الرأسمالي المسيطر. حيث يتنافس اعضاء هذه البيئة، كلٌ مع الآخر كأفراد ليحققوا الكثير لانفسهم بقدر ما يستطيعون، ويمتثلوا لمسار القواعد الحاكمة في العملية التنافسية، وهنا كل شخص "يعمل ببساطة كفرد خاص" "ويعامل الآخرين من البشر كوسائل" ويحط من قدر نفسه بلعب دور الوسيلة ويصبح ألعوبة لقوى السوق الغريبة.
فبالنسبة لهيجل تقوم الدولة فوق المجتمع المدني، مثلها وضع السوق يوجد النظام والوحدة داخل كل مجال، وهنا كنتيجة لافعال الدولة، فإن الافراد في المجتمع المدني قد يرون انفسهم بوصفهم افرادا منفصلين يتنافسون مع الكل الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية