الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين السُّلوك الطبيعي وأجيال الضِّباع!!

ادريس الواغيش

2017 / 8 / 22
المجتمع المدني


بين السـُّلوك الطبيعي وأجيال الضـِّباع!!
بقلم: إدريس الواغيش

كثيرة هي السلوكيّات التي تـُبعدنا كشعب مغربي عن هويـَّتنا وأصولنا ووتاريخنا وحضارتنا وتحُّضرنا وتقتلعنا من جـُذورنا، حتى وإن أبدينا عكس ذلك من سلوكيّات مُغايرة في جهات أخرى.
قبل أيام قليلة فقط، كنت في جولة بالشمال المغربي بين تطوان وطنجة، رأيت فيها جغرافية مُختلفة في أجواء مُغايرة، وعُمرانًا مُبهجًا ومـُناخًا مُغايرًا وسلوكـًا بشريّـًا يـَشي بأننا فعلا شعبٌ جدُّ متحضر!.
جلت بمدينة طنجة القديمة وزرت أغلب أحيائها العتيقة بغرائبها وعجائبها الأكثر من سبع، هي من جعلت منها مدينة عالمية بامتياز ومعشوقة المشاهير، لم أشعر في أي لحظة من اللحظات بالرُّهبة أو الخوف أو أنني متابع من قبل قاطع طريق أو"سياف" ولا “ساموراي“ سيُشهر في وجهي سلاحه وجها لوجه في درب“الميتر“( (1mالذي لا يتسع لأكثر من شخص واحد، حيث لا مجال للهرب، وفي تطوان لم يعكر فيها سلوك عابر للص هو الآخر عابر مثلي مزاجي، رغم محاولته سرقة هاتفي النقال من جيبي، فطوقنا الحادث معا عن طيب خاطر وأنهينا الأمر باتفاق مسبق بيننا بابتسامة ملؤها الشماتة، لأنه لم يكن فعلنا أكثر من ذلك ولم يكن أمامنا(لا أنا ولا هو) خيارات كثيرة!.
في مدينة مرتيل الشاطئية الجميلة التي لا تبعد عن تطوان سوى بـ12 كلم، لم تمنعها موجات البشر الطوفانية المتدفقة إليها من كل حدب وصوب هذه السنة بشكل استثنائي، تجاوزت الثلاثة ملايين زائر(حسب مصدر شبه مؤكد)، من أن تعيش نظافتها وأمنها وراحتها وهدوءها بكل اطمئنان وفخر!
لكن في المقابل وبعيدا عن هذه النشويات، خلونا نتمعن هذه المُنغصات التي فاجأتنا وطفت على السطح وكلها تدعو إلى الغرابة والاستهجان، وهي منغصات جعلت منا شعبا مختلفا ومتخلفا وشوشت على تحضرنا، وكأننا نعيش ازدواجية في شخصيتنا كشعب ومجتمع وأمة:
1 - في الدار البيضاء أو “البيداء الكبرى“ كما يسميها السي أحمد بوزفور شبان يغتصبون بشكل جماعي شابة مُختلة عقليًّا في حافلة للنقل العمومي دون أن يمنعهم أحد، والرُّكاب يكتفون بالتقاط الصور والفيديوهات في تلذذ، والسائق اكتفى هو الآخر بمراقبة علامة المرور!..
لا يهم هنا بعد ذلك تاريخ الحدث: هل هو قديم أم حديث؟ ولا هل كانوا تحت تأثير مخدر معين؟ لأن الأحداث أثبتت أن الحدث قديم فعلا، وقد أشارت إليه بعض وسائل الإعلام في حينه بشكل محتشم، لكن الإفراج عن الفيديو أصاب الجميع بالغثيان لهول الحدث ولا إنسانيته، كفعل همجي أبعدنا كل البعد عن التحضر، ولن تكفي معه كل التبريرات بعد ذلك: مقرقبون- متسولون- أيتام- متخلى عنهم- صغار السن...إلخ، لأنهم في الأول والأخير نتاج مجتمع“مُقرْقب“ هو نفسه، والمسألة تحتاج إلى ترتيب أوراق أخرى بعيدا عن العقوبة الحبسيّة، لأن الفعل في حد ذاته يحتاج إلى ما هو أكثر من السجن.
2 - في سلا، شبان آخرون غير ملثمين يأخذون لهم صورا بالنهار في انتشاء مع سيوفهم البراقة وخليلاتهم الجميلات، كأنهم رجعوا لتوهم من فتح مبين في الأندلس، وفي الليل يتفرغون لسلب المارة، ويأخذون منهم ما خـَفَّ وزنه وغلا ثمنه!.
3 - خمسة عشر شابًّا من سيدي قاسم يمارسون الجنس مع أتانة، دون علمهم بأنها مُصابة بمرض“مَسْعورَة“ بشكل جماعي والنتيجة كانت كارثة، إصابتهم بأمراض خطيرة لم تستطع مصالح وزارة الصحة مُعالجتها، فتكفلت بهم جهات من وزارة الداخلية!.
4 - في إنزكان قرب أغادير مدينة البحر،“بيدوفيل“ يغتصب أطفالا صغارا بعد إغرائهم، وحين ألقي عليه القبض من قبل بعض الشباب في انتظار تسليمه للشرطة، كان يستعطفهم بشكل يدعو إلى الدهشة:“الله يرحم الوالدين، ارحموني العْوَاشر هادي...!!“.
هذه الحالات وغيرها كثير، تستفزنا كمجتمع مدني مغربي بشكل أو بآخر، وتثير لدينا الكثير من الأسئلة وتلقي بحصاها في بـِرَكنا الرّاكدة، من قبيل:
- هل نحن فعلا مكبوتين إلى هذه الدرجة؟
إذا كان الأمر كذلك، وهو حاصل فعلا وواقعا، ليس في مجال الجنس وحده رغم كل الانفتاح والتحرر الذي يعرفه المغرب على جميع المستويات، بل في مجالات أخر قد تكون أخلاقية، اجتماعية، اقتصادية وسياسة بعد أن أفلست الأحزاب الوطنية التقليدية اليمينية واليسارية خصوصا حزبي: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اللذان كانا فعلا متنفسا حقيقيا للشباب كي يُعبر سياسيا سواء كتابة أوصياحا في المظاهرات عن هموم الشعب والوطن، أم أننا أمام نتيجة طبيعية لسياسة مُمَنهجة للبنك الدولي وجهات خارجية نافذة أخرى، نجحت سياسة المسؤولين المغاربة في تطبيقها حرفيا على أرض الواقع، وما نعيشه اليوم ما هو إلا إفراز طبيعي“لأجيال جديدة من الضباع“، وهو ما يعود بنا إلى صرخة السوسيولوجي الكبير السي محمد جسوس الشهيرة رحمه الله، التي كان قد أطلقها في المؤتمر الوطني الرابع للطلبة الاتحاديين الذي انعقد بفاس، وهي الصرخة التي أغضبت الملك الراحل الحسن الثاني.
قد نجد تفسيرا لظاهرة اغتصاب الأطفال، بصفتها عملا إنسانيا شاذا وقديما قدم تواجد الإنسان نفسه على وجه الأرض أو ممارسة الجنس مع الأتان، كسلوك شاذ يمارسه المراهقون للضرورة في الأرياف المغربية عند الضرورة، لكن أن تغتصب معاقة ذهنيا في “الطوبيس“ ولا يتدخل أحد، بل الأنكى من ذلك يتفننون في أخذ صور ومقاطع فيديو لمناطق حساسة من جسمها، فلعمري تلك ممارسة تعود إلى ممارسة حيوانية تقوم بها قطعان الضباع في السافانا الإفريقية.
فماذا كنا ننتظر إذن بعد إقصاء دور المدرسة العمومية وتعمد إفشال دورها التربوي، وإخلال بعض رجال الأمن بمهمتهم وتواطؤ بعض المرتشين منهم في نقل بعض أنواع المخدرات إلى المغرب أو تهريب أخرى مع مافيات المخدرات في الشمال والشرق، وتحويل السجون إلى فنادق من فئة خمس نجوم دون مقاربة زجرية
دون مقاربة زجرية، مع تفشي الرشوة والفساد في كثير من القطاعات، إضف إليها الفساد السياسي والإداري وتهافت الأحزاب وقادتها حول الكراسي والمناصب وعدم محاكمة كل مسؤول تورط في الفساد غير هذه السلوكيات وما خفي كان أعظم.
كل هذه العوامل وغيرها أكثرت من دوائر الفقر والإقصاء في أوساط الشباب، وهي العوامل التي كان قد تحدث عنها جسوس سابقا وتخوف منها حين صرخ صرخته المدوية الشهيرة:“إنهم يردون خلق أجيال جديدة من الضباع“، وها هو ذا قد حصل و تحولت أجيالنا إلى ضباع فعلا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة