الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التّشرْميلُوفوبيَا في فَاس

ادريس الواغيش

2017 / 9 / 27
المجتمع المدني


التـّشـرْميلـُوفوبيـَا في فـَاس
بقلم: ادريس الواغيش
أصبح "الكريسَاج" أو ما بات يُعرف بظاهرة "التشرْميل" يُسيطر على أمننا الذاتي والنفسي كأفراد ومُجتمع مغربي بشكل رهيب، في كـُبْرَيات الحَواضر المَغربية كما في صُغرياتها، وإن تفاوت الأمر بشكل أو بآخر من هذه المدينة إلى تلك، ولم تسلم منه حتى بعض البـَوادي المغربية الأكثر عـُزلة في الجنوب المغربي، كما تشير إلى ذلك بعض الصُّوَر والفيديوهات على صفحات التواصل الاجتماعي.
لقد طال“التشرميل“ أصغر الجزئيات في حياتنا اليومية: صَباحاتنا ومَساءاتنا، ليلنا ونهارنا، أفراحنا وأحزاننا، قد يفسدون كل شيء بشكل تجاوز الإحساس بالقلق إلى ما يـُهَدِّد عـَمَليا سلامتنا وأمننا بل حياتنا بشكل جدِّي، وهو تهديد لا يقل خـُطورة عن الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، على الأقل نعرف أن هذا الأخير قد تتداخل فيه الواقعية بالإيديولوجية والميتافيزيقا، ولم نعد نعرف جـِدِّيـَة خـُطورته من عـَدَمها، فيما أصبح“ التشرميل“ أمرًا واقعا وملموسا نـُعاينه ونعيش تفاصيله ونحسب له ألف حساب كل يوم.
هل ارتقى “التشرميل“ في المغرب إلى ظاهرة الفوبيا، وأصبح رُهابًا يـُؤرق بـَال المُواطن في عـُقر داره؟. آه نعم وصحيح، نقولها هذه المرة من دون خجل، كلنا أصبح يخشى اليوم على نفسه في المغرب من حاملي السيوف بمختلف أحجامها وراكبي الدَّرَّاجات النارية، قد يفاجؤونك في أي لحظة، في أي شارع أو زقاق، فينتزعون منك حافظة نقودك وهاتفك النقال، وما خف وزنه وغلا ثمنه في مِعْصَم يدك أو جيب سترتك ولا تنتظر أن يتدخل أحد لينقذك، وأحيانا قد لا تسلم حتى وقد سلمتـَهُم كل شيء، فيـَطالـُك أذاهم(والأمثلة كثيرة)، ولم يعد الأمر يقتصر، كما من قبل، على المـُرور من مقاطع طرقية تحت- أرضية أو غابوية معروفة في بعض المدن إبـّان فترات زمنية مُعينة يقل فيها الراجلون، كالصَّباحيات الباكرة أو آخر الليل في بعض الشوارع الخلفية أو المُظلمة، فقد أصبحت الفظاعات تـُرتكب في واضحة النهار وأمام أنظار الجميع، في النقل العمومي، في الشوارع المـُزدحمة وسط الأحياء السكنية، إلى درجة تكاثرت معها التساؤلات وتناسلت بشكل رهيب وغريب:
- لمصلحة من هذا الوضع الملتبس؟ ومن المستفيد منه؟
- هل المقصود هنا المُواطن، قصد ترهيبه لأغراض تتشابك خـُيوط تفسيرها؟ أم أن الوَطن مُهـَدَّد برُمته من خلال هذه السلوكيات العـُدوانية؟ وأن المسألة أعقد وأبعدُ ممّا نظن؟ أم هي ظاهرة عابرة؟
- هل هو استعراض للعضلات بشكل شبابي كصَيْحَة عابرة؟ أم هو إجرام حقيقي، ولا بد من مُحاربته من طرف الدولة ممثلة في وزارة الداخلية والمجتمع ممثلا في الجمعيات المدنية؟
- ما موقف الجهات الرَّسمية من كل ما نسمعه ونراه على اليوتيوب، من تسجيلات مـَرئية كل يوم؟
- لم كل هذا التغيـُّر السِّلبي المُفاجئ في سلوك المغاربة دُفعة واحدة، ودون سابق إنذار؟
- أين اختفت شهامة المَغاربة في مثل هذه المواقف، ومروءتهم في مثل هكذا حالات؟ أم أن الظاهرة تجاوزت الدولة والمجتمع معا؟
- هل يحتاج الأمر منا إلى ترتيب الأوراق من جديد؟، أم خلطها بصيغة أخرى؟
- هل الموقف تحت السيطرة ولا يدعو للقلق، فقط جهات مُـعينة تلعب بالخيوط بشكل احترافي، ولا يمكن أن تنفلت الأمور من بين أيديها يوما بأي حال من الأحوال؟
كان المـُدَخنون(من ذوي الاحتياجات الخاصة) في فاس من قبل(زمان) كنموذج، ينـَزَوُون في رُكن ما أو من وراء “حجـَاب“ لتدخين لفافة تبغ محشوَّة بالحشيش أو مـَلء “سَبْسي“ بالكيف أو“العْشبَة“ كما هو مـَتداول بين الشباب، أما الآن فيفعلون ذلك جهارًا نهارًا في تحـَدٍّ صارخ للشارع العام، دون حياء ولا حشمة أو اعتبار لفرد أو جماعة أو حتى سلطة المخزن‼.
هذا قد يدفعنا لطرح بعض الأسئلة بصيغة أخرى، ولو من باب الفـُضول: هل هؤلاء الشباب“المـُتـَشَرْمـِل“ لا يخشى فعلا سُلطة المخزن؟ أعتقد جازما أن من يفكر في ذلك فهو مُخطئ وواهم، لأن ما نحن بصدد الحديث عنه نراه في كل الأماكن العامة: حـَديقة عـُمومية، حافلة نقل عمومية، أمام مـَؤسسة تعليمية أو زاوية من زقاق حي سكني أو حتى شارع عـُمومي عامر، لا فـَرق
في مدينة فاس، وإلى عهد قريب فقط، كنا نستمتع في أيام العطل وكل نهاية أسبوع بجولة في المدينة العتيقة بفاس مع أسرنا، فنأخذ صورًا للذكرى في ساحة “الرّصيف“ ودروب فاس البالي جميعها و“سقاية النجّارين“ الأثرية الشهيرة وغيرها من المعالم الأثرية الأخرى، ثم نُعـَرِّج على “أبي الجنود“ لمُعانقة كؤوس الشاي المغربي الأصيل بالنعناع الأخضر في مقاهيها، قبل أن ننهيها بجولة ثم جلسة في “جنان السبيل“ والاستمتاع بظلال أشجاره. الآن حـُرمنا من كل هذا، لأن الأمور تعقدت بشكل كبير، وأصبحنا نخاف التوجـُّه إلى أحياء المدينة القديمة في فاس، و“نـَهابُ“ مـُرافقة أحد الضيوف الأجانب أو المغاربة إلى دُروبها “العـَتيقة“ لأن كل زواياها مرصودة، خـَوفا على أمننا وأمانهم ومتاعهم من كاميرات وهواتف نقالة، خصوصا إذا كانت من النوع الذكي التي تسيل لعاب“هم“. يغلب علينا الحَياء أحيانا، فنخجل من أن نقول بكل أريحية وبساطة:
- رجاء، أعفونا من هذه المهمة
أو...
-“احْضي راسك من الشفارة الله يرحم الوالدين“
نفكر في كل ذلك سرًّا ونخشى أن نقولها جَهرًا، حـِرْصًا منـَّا على سُمعة فاس العريقة في الحَضارة والتحَضـُّر“يا حَسْراه“، وكنا نعتبر بعض أحياء فاس أكثر أمنا وأمَانا، أما اليوم فقد تساوت جميع الأحياء في مُعاناتها مع ظاهرة “التشرميل“، وأصبح بعض الشبان يقومون بتباه بالإضافة إلى كل ذلك، بوضع رشـَّاشات “كروموجين“ إلى جانبهم في جلساتهم على جانب الطريق، وكأنها قنينات “بـيبْسي“ لا أكثر.
اعذرونا أحبـَّتنا إذن، إن نحن تردَّدنا يـَومًا في مُرافقتكم/ مـُرافقتكن عبر جـَولة بين أزقة فاس ودروبها القديمة، التي كانت يوما مُوغلة في عـُمق الحضارة والتاريخ، فلا تـُحرجونا أكثر من هذا، وإن كنا في حقيقة الأمر لا نجرؤ أن نفعل هذا، لأننا نحبكم ونحب هذا الوطن كما نحب هذه المدينة أو أكثر... !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية