الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القانون في المجتمعات الأولى
حياة محمد ابراهيم
2006 / 3 / 4المجتمع المدني
لم يكن للقانون وجود في المجتمعات البدائية ، ففي أكثر المجتمعات تخلفاً كان الناس يديرون أمورهم بدون قانون وبدون محاكم . فكل فرد يعرف حقوقه وواجباته وفقاً للعرف والتقاليد ؛ وقد كانت تلك الأعراف والتقاليد في صرامتها واستحالة الخروج عليها كأي قانون .
إنّ التقاليد ، في المجتمعات القديمة ، تكوّن أساساً قوياً ، تقوم عليها الظواهر الاجتماعية ، وهي التي ترسخ قواعد الاستقرار والنظام في المجتمع، وإذا أضيف ، إلى هذا الأساس ، تأمين سماوي عن طريق الدين نصبح تقاليد الآباء ، هي التي تريدها الآلهة للأبناء ، وعند ذلك تكون تلك التقاليد قوية التأثير في السلوك الاجتماعي ؛ وربما كان تأثريها أقوى من تأثير القانون ؛ إنّ من يتجاوز التقاليد يصطدم بمقت كل الناس لأنّ التقاليد تنشأ من الناس أنفسهم ، وتـفـرض على المجـتـمع من الأسفل ، أمّا من يتجاوز القوانين فيصطدم بمقت بعض الناس ، لأنّ القانون يفرض عليهم من الأعلى .
فالقانون في الأصل يكون عامة مرسوم قضى به الملك أو رجل قوي ، متنفذ ، أمّا التقاليد فهي الانتخاب الطبيعي لأنواع السلوك التي تثبت صلاحيتها في خير المجتمع . والقانون يحل محل التقاليد ، حيث تحل الدولة محل القبيلة ، وحيث ظهرت الكتابة وأخذت القوانين تدون على ألواح الطين أو أوراق البردي ..
وأولى المراحل في تطور القانون هو أخذ الإنسان لنفسه بالثأر؛ فكلّ إنسان في المجتمع البدائي هو شرطي لنفسه ، وهو الذي قيم ميزان العـدل بما تسعفه قوته للـثـأر . وقد ظلّت عادة الثأر حتى في أرقى مجتمعاتنا في الوقت الحاضر . ويظهر هذا الاتجاه بشكل أقوى في القوانين القديمة ؛ فالقصاص يلعب دوراً كبيراً في تشريع حمورابي وفي القانون الروماني وفي شريعة موسى ؛ فنلاحظ تأكيداً على مبدأ (العين بالعين والسن بالسن) . وما يزال الثأر كامناً وراء معظم العقوبات القضائية هذا اليوم .
أمّا المرحلة الثانية ، في تطور القانون ، من حيث التصرف إزاء الجريمة ، فهي استبدال الثأر بالتعويض ؛ وفي هذه الحالة يستعمل الرئيس نفوذه وسلطته لكي يحافظ على حسن العلاقات بين أفراد قبيلته ، أو على حسن الجوار مع القبيلة الأخرى ، فيسعى إلى حمل الأسر ، الراغبة في الأخذ بالثأر ، على استبدال الدم المطلوب بالذهب أو بالمتاع ، ولذلك وضعت قائمة بالتعويضات ، على أساس تحديد المال المطلوب ثمناً للعين أو للسن أو للذراع أو لحياة الإنسان بكاملها .
ولمّا كانت الغرامات ، التي تدفع اجتناباً للثأر ، تتطلب تقديراً للجريمة والتعويض ، بحيث يتناسبان ، فقد اتخذت خطوة ثالثة نحو القانون بإقامة المحاكم ؛ حيث يجلس رؤساء القبائل أو الكهنة في مجلس القضاء ليقضوا فيما ينشب بين الناس من خلافات . ولم تكن هذه المحاكم دائماً مجالس قضاء بل كثيراً ما كانت مجالس لإصلاح ذات البين ، وقد تصل بالمتخاصمين لحلٍ يرضيهما ودياً . ولبث الالتجاء إلى المحاكم اختيارياً لدى الكثير من الشعوب ، زمناً " طويلاً " ، وكان المعتدى عليه، إذا لم يرضه قرار الحكم ، يباح له أخذ الثأر بنفسه .
وعندما بلغت تلك المجتمعات الأولى درجة من النمو والتطور ، في نظامها السياسي والاجتماعي ، أدرك ملوكها وحكامها أنّ العادات والتقاليد والأعراف غير كافية لتنظيم العلاقات بين الأفراد من جهة، وبين الأفراد والدولة من جهة أخرى ، كان لابد من تشريع يحدد الحقوق والواجبات وينظم الحريات العامة ، فبدأت تلك التشريعات في بلاد وادي الرافدين على هيئة إصلاحات اجتماعية، للقضاء على المساوئ، التي كان يتذمر منها سكان مدينة ( لكش ) السومرية، ويرجع تاريخها إلى 2355 ق . م . وقد قام ( أورونميكينا ) حاكم مدينة لكش بهذه الإصلاحات استجابة لمطالب ومظالم الفقراء من شعبه ، بعد تقديمهم شكاوي ضدّ موظفي الضرائب واستغلال الأغنياء لهم وأخذ الرشاوى .
وفي مدينة سومرية أخرى قام الملك (أورنمو) ملك مدينة أور ومؤسس سلالة أور الثالثة 2111-2003 ق . م ، بوضع مواد قانونية على لوح من الطين ، يعدّ أن أقدم قانون معروف في المجتمعات الإنسانية الأولى . وحذت مدن أخرى حـذو مدينة أور ، وأخذ ملوكها يشرعون القةانين لسكان مدنهم . فظهر قانون مدينة ايسن ، الذي شرعّه الملك لبث عشتار ، وسبقه في ذلك قانون شرّعه أحد ملوك أشنونا في ديالى .
وفي مدينة بابل بدأ حمورابي يدرك مدي أهمية توحيد القوانين ، التي سبقته ، في قانون واحد يخضع له جميع أفراد مملكته المترامية الأطراف حيث ينظم ، من خلال تطبيقه حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وبذلك استطاع أن ينهض بالمجتمع العراقي القديم إلى أرقى المستويات ، حيث تقاس المجتمعات الراقية بمدى تطبيقها للقوانين والأنظمة ، ومدى تمسكهم بحقوقهم وحرياتهم ، التي اعتادوا أن يمارسوها في حدود تلك القوانين . ولهذا ، عندما تذكر الحضارات القديمة للشعوب ، تأتي الحضارة السومرية والبابلية العراقية القديمة في مقدمتها الريادية ، في تشريع وتطبيق القوانين .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لأول مرة منذ إعلان المجاعة.. وصول المساعدات لمعسكر زمزم للنا
.. من واشنطن | قمة العشرين.. بين المجاعة عالميا والتجويع في غزة
.. غزة تحت وطأة العواصف الشتوية.. مئات النازحين بلا مأوى وسط أم
.. الآلاف يتظاهرون في اليمن تنديدا بالحرب الإسرائيلية على غزة و
.. أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه