الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العوامل الخارجية ودورها في الحديث عن مفهوم المجتمع المدني في بلادنا (18 -18)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2018 / 7 / 12
المجتمع المدني



12/7/2018

في هذا المشهد الملتبس داخلياً، في إطار النظام العربي المأزوم والمهزوم، وخارجياً على الصعيد العالمي، وخاصة بعد انهيار الثنائية القطبية ومعادلاتها وضوابطها السابقة، يصبح الحديث عن مفاهيم المجتمع المدني، نتاجاً مباشراً لهذا المشهد الجديد، وعوامله ومحدداته الخارجية، وليس نتاجاً لمعطيات وضرورات التطور الاجتماعي –الاقتصادي-السياسي في بلادنا، إذ أن الحديث عن المجتمع المدني العربي، هو حديث عن مرحلة تطورية لم ندخل أعماقها بعد، ولم نتعاطَ مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقلانية التي تحل محل الأدوات والمعطيات المتخلفة الموروثة، مثالنا على ذلك صارخٌ في وضوحه لمن يريد أن يستدل عليه، فالبورجوازية الأوروبية –التي كانت ثورية في مراحلها الأولى- في عصر النهضة أو الحداثة، جابهت الموروث السلفي اللاهوتي الجامد، بالعقل والعقد الاجتماعي، وجابهت الحكم الثيوقراطي والأوتوقراطي الفردي بالعلمانية والديمقراطية، وجابهت الامتيازات الأرستقراطية والطبقية بالحقوق الطبيعية، كما جابهت تراتبية الحسب والنسب واللقب بالمساواة الحقوقية والمدنية، بين جميع المواطنين، فأين نحن العرب من كل ذلك؟ ونجيب بوضوح، ان مجتمعنا العربي اليوم، هو »مجتمع بلا مجتمع مدني«، فطالما كانت بلادُنا في زمنٍ غير حداثيٍّ / حضاريٍّ ولا تنتسب له، بالمعنى الجوهري، فإن العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج التخلف سيظل أمراً طبيعياً فيها، يعزز استمرار هيمنة المشروع الاستعماري المعولم على مقدراتنا واستمرار قيامه فقط بإدارة الأزمة في بلادنا من دون أي محاولة لحلها سوى بالمزيد من الأزمات.
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه، وفي مجابهته، ندرك أهمية الحديث عن المجتمع المدني وضروراته، ولكن بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية، المستندة إلى حرية السوق والليبرالية، لأننا نرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي، فرضية لا يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية، لأنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية التابعة والمشوهة من جهة، وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في الإطار السياسي الاجتماعي الضيق للنخبة ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه.
المسألة الأخرى التي ندعو الى إعمال الفكر فيها، تتمثل في تلك الفجوة بين الإطار الضيق لأصحاب السلطة والملتفين حولها من جهة، والإطار الواسع للجماهير الشعبية الفقيرة من جهة أخرى، وهي ظاهرة قابلة للتزايد والاتساع والتفاقم، عبر التراكم المتصاعد للثروة، الذي يؤدي –كنتيجة منطقية أو حتمية- إلى تزايد أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة تاريخياً، وتعرضها إلى أوضاع غير قابلة للاحتمال أو الصمت، مما يضعها أمام خيارين: إما الميل نحو الإحباط أو الاستسلام واليأس، أو الميل نحو المقاومة والمجابهة السياسية الديمقراطية، أو العنيفة، تحت غطاء اجتماعي أو ديني، أكثر بما لا يقاس -كما أشرنا من قبل- من ميلها نحو الاقتناع بالهامش الليبرالي وشكله المحدود، للخلاص من وضعها وأزماتها المستعصية، إن إدراكنا لهذه الفروق الجوهرية، يدلنا على كيفية التعامل مع مفهوم المجتمع المدني، وأية مفاهيم أخرى، وفق خصوصية تطورنا الاجتماعي التاريخي والمعاصر، المختلفة نوعياً عن مجرى وطبيعة التطور في البلدان الغربية، وما يتطلبه ذلك الإدراك من تحويل في المفاهيم بحيث تصبح مقطوعة الصلة مع دلالاتها السابقة، التي تمحورت فقط عند الإشارة إلى المجتمع المدني كضرورة في خدمة عمليات التنافس الاقتصادي بين الأفراد على قاعدة حرية السوق في إطار الليبرالية الجديدة وآلياتها المتوحشة في نظام العولمة الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل


.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر




.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود


.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023




.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة