الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف عنترة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 7 / 24
المجتمع المدني


نحن النساء السّوريات نشبه عنترة في حروبنا. الفرق بيننا وبين عنترة أنّه كان رجلاً استغل العبودية من أجل التّرف. لم يكن عنترة عبداً. كان متزوجاً وحبّه لعبلة ربما يشبه حب نزار لبلقيس. نزار الذي رغب في الانتماء إلى صدام عن طريق ياسر عرفات، وخططا لصفقة الحبّ. عذراً من محبي نزار، أنا أفهمها هكذا، فقصائد الغزل ليست عفوية عند عنترة، ولا عند نزار، ولست هنا لأكتب تاريخ العرب، لكنّني أعتقد أن ماضيهم السّحيق قد يكون أفضل من حاضرهم المذري. جئت لأكتب عنّي أنا التي انتميت إلى تقلّبات الطقس أينما حللت.
لا فرق بين الذكورة في الغرب والشّرق. الفرق هو في القانون الذي قد يحمي الإنسان من الجور، وحملة مي تو أظهرت أنّ الرّجل إن أصبح صاحب منصب مهيمن قد تعود إليه ذكورته. هنا أيضاً لا أرغب أن أدخل بمي تو التي لا تصلح لنا نحن الشرقيات. ماذا أقول لو أطلقت حملة مي تو؟ هل أقول: اعتدى أحدهم عليّ جنسياً في السابعة مثلاً؟ الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء يفوق المتوّقع، لا شيء لدّي أقوله، لأنّه لا أحد يمكن أن يتعاطف معي. أطلقَ الحملة بعض الرجال الخليجيين، والمصريين!
أبي كان غائباً عن تربيتنا التي تحترم ذكورته، فقط أمّي هي من زرعت فينا مفهوم الشّرف والأخلاق والقيم الذّكورية مع أنّ أمي لم تكن محاربة تحمل السّيف. بل كانت منسجمة مع البيئة والمجتمع، وربما كان حبّ أبي لها أكبر بكثير من حبّ زوجي لي الذي بقي يطلب يدي لسبع سنوات متواصلة.
بالنسبة لي أتمنى لو عشت مع رجل يشبه أبي مع أنّ أمي لم تكن راضية عنه لأنّها عاشت من خلال جيل آخر.
جيلنا من النّساء الذي ينقرض اليوم بفعل العناية الإلهية . تسلّمت المرأة فيه سيف عنترة من عنترة، وامتطت صهوة حصانه التي كان يتباهى بها كونه فارساً، والفروسية رفاه يليق بالرّجل . لم تصبح المرأة فارسة بل أصبحت محاربة، مكافحة، مناضلة، عصاميّة، صبورة إلى حدّ الغثيان. نعم سلّم عنترة الرّاية للنساء، وجلس في المضافة يحتسي شرابه، يتحدّث عن عظمته، بينما فاحت رائحة العرق من النساء.
تقول لي ابنتي: هل كان يمكن أن تكون تربيتنا مختلفة حتى لو كان مجتمعنا متخلّفاً؟ وتسهب في القول: لماذا كان عليّ أن أتزوج طفلاً رضيعاً، وأتعب عليه دون جدوى؟ أحاول أن أجيب، وأنا أمعن في كلامها البليغ ،وأقول لها معلّلة سبب محافظتي في التربية بأنّني لم أكن أعيش في باريس أولاً، وثانياً خفت إن لم أتشدّد قليلاً أن يصبح بيتي وكر دعارة تحت اسم الحرية كما يحدث بالشّرق عادة. اعتذرت منها:، قلت لها: كنت مخطئة ، لكن ليس في أسلوب التربية بل في بقائي في الشرق، فقد كان عليّ أن أعيش الحياة، ولا أقبل بسيف عنترة. أحب أن يقول عني العناترة أنّني جميلة، ناعمة كالحرير، مثقلة بكلّ ثمين ، ففي النهاية خلقت امرأة لا تحبّ أن تحمل سيف رجل.
أسأل ابني الذي ربيته أن يكون رجلاً قدر ما أستطيع. هل كان بإمكاني تغيير الحياة؟ فيمسح دمعي، ويقول: لا. يا أمي. لو قمت بأيّة حركة لكان وصفك جاهزاً والعقوبة أكبر مما تتخيلين. كنت عاقلة، وفعلت حسناً. كان الأمر صعباً لكنك جعلتنا من النّاجين. كان يمكنك التّغيير في حالة واحدة لو أنّ داعمك في مركز أمني قوي، وهذا غير موجود في بيئة تتوجه إلى التّعليم ، لكن كلّ ما يحز في نفسي هو دموعك التي لا تنضب. أعرف أنني لن أستطيع تغيير الأمر، لكنّني أعتز كونك أمّي ولطالما حلمت أنّه عندما تتغيّر الحال سوف أقف على منبر وأقول أشياء صريحة عن ما مر بنا. لقد أحبطني وجودي في سورية. لم أتجاوز الطفولة، وعندما غامرت بنا في هجرة غير محسوبة وجدت نفسي شخصاً له قيمة في مجتمع غريب. أشبهك في كثير من الأشياء، وبخاصة حبّ المغامرة من أجل التغيير.
تشكرني ابنتي الثانية، وتقول . القيم التي تلقيتها في طفولتي الأولى هي منك، وهي التي شجعتني على أن أصحو من سباتي الذي أخذ جزءاً من حياتي لأسباب ربما أنا المسؤولة عنها، لكن الأسرة ربما تكون سبباً غير مباشر.
كنّا في نقاش عائلي البارحة في جلسة في منزلي، تحدثنا عن الماضي، وعلاقته بالحاضر، قلت لهم أنا محبطة من نفسي. أشعر بعدم الإنجاز . أكتب، وأترجم، لكن إن لم يكن لذلك مردود مادي لا قيمة له، فأنا لا أرغب أن أمجّد بعد الموت. أرغب أن أتباهى بنفسي اليوم أمامكم، وأشعر أن جزءاً من حياتي الإيجابية كان ذا فائدة.
ثم قسّمت لهم حياتي إلى ثلاثة مراحل، هي مرحلة العبودية في الطفولة. مرحلة بدء المعرفة في المراهقة كونني ابتعدت عن جو عائلتي، ومرحلة العبودية المطلقة بعد الزواج كونني قبلت أن أحمل سيف عنترة، وربما كانت خياراتي قليلة في ذلك الوقت.
لا تقبلي عزيزتي المرأة أن تحملي سيف عنترة. الذّل سوف يكون بانتظارك في الحالتين، وأنا أعرف تماماً أنّك لن تستطيعي مواجهة الواقع في مجتمع قطع الرّأس يساوي فيه شربة ماء. لكن تصرفي بما يقول لك قلبك حول الحياة، وانظري لنفسك باحترام. فلا شئ أهم من الذّات. لا تقدّسي رجلاً ، وتركضي خلفه، فشعورك الدّاخلي بالعنوسة لن يتّغير. أفهم حاجتك إلى الأمومة، وحاجتك إلى الحب، والجنس، والحياة، لكنّ هذا كثير في بلادنا إلا إذا تمّ بطريقة عنترة، أو نزار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي


.. مصر تعرض على إسرائيل عدة أفكار جديدة كقاعدة للتفاوض حول الأس




.. Amnesty International explainer on our global crisis respons


.. فيديو يظهر اعتقال شابين فلسطينيين بعد الزعم بتسللهما إلى إحد




.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي