الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارهاصات فلسفية: العمل والابداع

بوعبيد عبد اللطيف

2007 / 6 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرنو الإنسان بطبعه إلى الراحة والكسل,لأنه كائن محافظ بامتياز , فهو يعمل دائما على الحفاظ على نمط عيشه وقيمه وتفكيره, ولا يسعى إلى تغييرها على المستوى العملي والسلوكي, ولو كانت رغبته دائما وعلى مستوى التفكير فقط تدفعه إلى الاهتمام بالانتقال للأفضل, لكن تبقى تلك الرغبة مرتبطة فقط بأفكاره ولا يحاول تفعيلها على المستوى السلوكي, حتى في الحالات التي تستدعيه ذلك أحيانا. هذه الحالة هي التي تحدد الغالبية القصوى من البشر, لذلك فالطبيعة الجماعية البشرية هي طبيعة محافظة, ولذلك يبقى الإبداع خاصية استثنائية فردية وليست جماعية, لكن لماذا حالة المحافظة هاته؟, الإنسان يخاف المجهول والسقوط في خطر نكوص مستواه وحالته الراهنة, وربما ذلك له علاقة بعقدة الخوف. وعقدة الخوف تتأصل من عقدة الخوف من الموت, ينشئها لديه الثقافي والاجتماعي والنفسي والبيولوجي. لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعيي موته ومنه نشأت عقدة الخوف, فإن أي تغيير يرتبط لديه ليس بالضرورة على مستوى الوعي فهو غالبا ما يحدث على مستوى اللاوعي, بخطر الوقوع في الموت, لذلك يضل التغيير مرتبط بدرجات متفاوتة من القلق والصراع الداخلي, قد لا يعييها الإنسان أحيانا, القلق من مجهول سيكونه الفرد بالنسبة لقيم وتصورات سائدة وصراع بين معنيين مختلفتين معنى يحاول تغييره ومعنى يسعى لتحقيقه, لذلك تبقى الرغبة في التغيير مرتبطة فقط بمجال الأفكار ولا ترقى لديه إلى مستوى الفعل السلوكي, هذا الركون لعدم التغيير يجعل طبيعة الإنسان محافظة ومعيقة في الآن نفسه للوصول لحدود حرية الإنسان وقدراته, لذلك يصبح العرف والتقاليد والقيم والسلوك المصاحب لها معيقات خلقها الإنسان نفسه ليوفق بين قلقه الداخلي ومجال تفكيره و مجال الوجود الخارجي عنه, ما علاقة ذلك إذن بصيرورة العمل والإبداع؟, العمل هو ضرورة للحياة وللاستمرارية, حتى في حالة اللاّ عمل أي غياب أي نشاط بدني أو عقلي يساعد في عملية الإنتاج, تكون هناك صيرورة لعميلة العمل السابقة سارية المفعول في ذات الفرد لأنه لا يمكن تصور حياة بدون نشاط وحركية, ولو على المستوى الذهني, لكن العمل هو صيرورة لمجهود يبدله الفرد, نشاط عضلي أو فكري يفرض استهلاكا للطاقة على المستوى البيولوجي لديه, هذا المجهود يحقق تعبا, والإنسان يعمل على محاولة تخفيف هذا التعب, من خلال بحثه عن منافذ لللذة في العمل الذي يقوم به عبر دفع ذلك الإحساس خارجه, بانتظار نتائجه و بإشراك الآخر عبر نظرته وتقييمه لذلك العمل, الذي لا يتحقق إلا داخل جماعة تعيي ماهية العمل,و بموازاة ذلك يدفع تلك الأحاسيس أحيانا إلى الداخل ولا يشعر بلذتها إلا من خلال عميلة القلق التي تحققه لديه والتي يحاول أن يسيطر عليها أو يتجاوزها والتي تصل أحيانا إلى درجة الصراع الداخلي. من هنا يمكن أن نتسائل هل عمل النمل أو النحل, يعتبر عملا أم هو إسقاط بشري تصوري على سلوك غريزي لدى كائن آخر يسمى نملة؟. إن النشاط الذي تقوم به النملة لا يمكن أن نسميه عملا, لأنه يفتقد لخاصية التصور العقلي الذاتي والانفعالات النفسية المصاحبة للعمل وتمثل مفهوم التعب والإرهاق والقلق والنجاح والفشل... إلخ.

طول التاريخ,الإنسان, حاول أن يخفف من التعب الذي يحدثه العمل, ويظل كل ابتكار جديد في حياته هو محاولة على تحقيق تلك الرغبة المتأصلة لبحث دائم على التخفيف من تعبه, رغبة منه في تحقيق الرفاهية والراحة, منذ ابتكار العجلة إلى ابتكار الكهرباء, والعمل هو الذي يمكن أن يحقق هذا الانتقال من حالة المحافظة إلى التغيير, لكن أمام صيرورة التقليد التي تعمل على الحفاظ على طاقة الفرد من إبدال جهد سواء فكري أو عضلي وللوصول إلى نفس النتيجة و الخضوع لمجموع العوائق التي حددناها في القيم والأعراف والتقاليد ومجموع التصورات والادراكات التي تنتجها والتي تكون سابقة لوجود الفرد الفيزيقي هي التي تحد من عميلة الإبداع وتجعله خاصية استثنائية وليس عامة إن هذا الخضوع اللامشروط هو الذي أعاق ولقرون عديدة أي عملية إبداع في الفكر العربي, وخاصة في العصر الحديث والمعاصر. العمل, يعمل على الحفاظ على نسق عام قائم سواء من الأفكار أو القيم وهو بذلك يحافظ على طبيعة التنظيم القائمة التي انخرط فيها الكائن, لذلك جميع الأديان حثت على العمل وتأصيله, والفلسفات كذلك. مما يجعلها هي الأخرى محافظة رغم ثوريتها, لذلك فلإبداع لا يتـأتى إلا في ظروف القلق الدائم والفوضى والإحساس بالخطر أو في حالة الإحساس بالمتعة المصحوبة في الإنجاز, ورغم الجهد والتعب الذي يسفر عنه ذلك الإنجاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة ليموزين فاخرة وحصان وتماثيل.. بوتين وكيم يتبادلان الهد


.. غزة: مدينة منكوبة تاريخها عريق ومستقبلها غامض




.. ما أهم ردود الفعل في إسرائيل على خطاب حسن نصر الله وتهديداته


.. الولايات المتحدة.. بائعة قهوة تلقن زبونا درسا قاسيا! • فرانس




.. ممثلو الأحزاب الفرنسية يعرضون برامجهم أمام جمعية -أرباب العم