الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لآتكن لينا فتعصر ولا صلبا فتكسر

غازي الجبوري

2007 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الاعتدال والوسطية في المواقف من مختلف القضايا التي تواجه الإنسان في حياته كفرد أو ضمن أية دائرة من الدوائر الأكبر التي ينتمي إليها تعتبر خيارا مثاليا من بين الخيارات العديدة المختلفة ليس بنظر العقل فحسب بل بنظر العلم الإلهي ايظا يؤيد ذلك قول الله تعالى:بسم الله الرحمن الرحيم" وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(سورة الفرقان) " و" ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(سورة الإسراء- 29) "صدق الله العظيم ، كما ورد في حديث للنبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"خير الأمور أوسطها".
ورغم كل ذلك نجد أن العرب أكثر الناس تناقضا في مواقفهم مع بعضهم البعض وابتعادا عن الاعتدال منذ القدم وحتى يومنا هذا باستثناء الفترة التي خضعوا فيها لدين الإسلام خلال حياة الرسول الأكرم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات والسلام مما الحق بهم افدح الأضرار والخسائر البشرية والمادية لأنها أوجدت جرحا نازفا مزمنا في قلب الأمة وثغرة كبيرة في جدار الأمن الوطني والقومي لتسلل الأعداء الحاقدين على العرب والطامعين بأرضهم وثرواتهم إلى أن وصلنا لما وصلنا إليه من تمزق وتخلف وضعف بسبب هيمنة العاطفة على العقل وانحسار دور الدين في تهذيبها.واليوم نجد ذلك متجسدا باسوء صوره حيث الفتن تنخر بجسد الأمة والأعداء الأجانب يحتلون أجزاء كبيرة من الوطن العربي ويذيقون أبناءه مر العذاب والهوان من قتل وتجويع وتشريد وانتهاك للحقوق والحريات والأعراض فيما هم مشتتون في المواقف ومنقسمون على أنفسهم ويتبنون مواقف متناقضة تناقضا حادا يبدأ من التفريط بالحقوق والحريات لدرجة العمالة وبيع الأرض والشرف وينتهي في الإفراط بالتصلب والتعصب الأعمى في المواقف لدرجة الانتحار مما سهل للأعداء مستغلين هذا التباين الصارخ ليس في استخدام سلاح "فرق تسد" أفضل استخدام فحسب بل وبذر ورعاية مثل هذه الاختلافات والتناقضات لان هذا السلاح القديم الجديد اثبت انه السلاح الأمضى بل يكاد أن يكون الوحيد الفاعل ضد الشعوب المستضعفة وخاصة العرب . ولذلك فان على القوى العربية النافذة على مختلف الساحات الساخنة أن تقترب من بعض وتلتقي عند مواقف وسطية وستكتشف كم ستتضاعف بذلك محصلة قوتها جميعا بدلا من تبذيرها في التصادم السياسي الذي يتطور أحيانا كثيرة إلى تصادم مسلح فيما بينها وهذا يصب كله في مصلحة العدو المشترك فيما لا يكون نصيبنا سوى المزيد من الأضرار والخسائر الكبيرة. وهذه الظاهرة ليست حكرا على القوى السياسية بل نجدها حتى بين الآخرين حيث نلاحظ عند تصفح مواقع الانترنيت أن كتابات وتعليقات اغلب الكتاب والقراء موزعة على جبهتين متناقضتين: جبهة الإطراء المبالغ فيه وجبهة الذم الحاد . فلو أخذنا موقف فتح وحماس على سبيل المثال لوجدنا أن موقف فتح المتعاطي مع الحلول العربية الرسمية والدولية المطروحة مع استعداد لأكبر قدر من المرونة إزاء تمادي وغطرسة العدو المدعوم من قبل المجتمع الدولي يقابله موقف حماس الأكثر تصلبا وتمسكا بالثوابت المبدأية السياسية والدينية. ولكي يعمل هذان الفصيلان معا يجب أن يتفهم كل واحد منهم موقف الآخر ووجهة نظره في التعامل مع القضية الفلسطينية ولذلك فان على فتح ان تقطع نصف المسافة باتجاه حماس على ان تفعل حماس الشيء نفسه في الوقت ذاته والباديء بالخير أفضل . وبذلك يكون الفصيلان في خندق واحد وتكون قوة كل واحد قوة للآخر بدلا من أن يستخدمها العدو المشترك ضد بعضهما البعض كما فعلت حماس في الأيام الأخيرة بدعم ودفع وتوريط من جهة أجنبية حسب بعض المراقبين تمهيدا للقضاء عليها وإزاحتها عن الساحة حيث وضعت نفسها فعلا في زاوية ضيقة لا تحسد عليها أو كما قال البعض دقت أول مسمار في نعشها لأنها ستحاصر محليا ودوليا أكثر من قبل فيما سيتم دعم فتح دعما غير مسبوق وقد شكل هذا التصرف مصدر فرح وابتهاج للأعداء لأنه مؤشر على تصدع جديد في الصف العربي الفلسطيني ما يعني مزيد من الانتصارات على طريق تنفيذ كامل المخطط المعد للمنطقة .وهذا الكلام ينسحب على لبنان والعراق وكل أرجاء الوطن العربي لان العدو الذي يلعب بمقدرات هذه الدول هو واحد وان المزايدات الفارغة على بعضنا البعض لا تخدم سواه وإننا نعتقد جازمين أن كل من يتمسك بموقفه مهما ظن انه صحيحا دون أن تشاركه به القوى الأخرى فانه هو العدو الحقيقي للعرب وهو العميل الأول للأجنبي لان الاختلاف يؤدي إلى الضعف والانهيار وسهولة وسرعة انتصار الأعداء في حين يؤدي الاتفاق عند نقطة وسطية إلى بناء جبهة وطنية صلبة يستحيل على الأعداء اختراقها بسهولة دون تقديم خسائر باهضة . ولذلك لم يقل الحكماء حكمتهم الشهيرة "لآتكن لينا فتعصر ولا صلبا فتكسر" عبثا ،لان اللين أكثر من الحدود المعقولة يعكس موقفا ضعيفا يستغله الأشرار لاستمرار ابتزاز صاحبه والضغط عليه لدرجة عصره كما تعصر الفواكه كما أن الصلابة أكثر من الحدود تجعل الإنسان قابلا للكسر عند اقل الضغوط وكلا الحالتين اللين والصلابة على الدوام موقف غير سليم وغير صحيح لأننا نعلم أن الموقف الصحيح هو اتخاذ موقف معتدل ومتوازن يمتاز بمرونة عالية حيث يمكن الميل نحو الصلابة أو الليونة في الوقت المناسب وحسب متطلبات الموقف لان الانحناء عند حدوث العاصفة لايعني الركوع بأي حال من الأحوال. ولذلك فإننا نعتقد أن استمرار القوى العربية في الساحات الساخنة على مواقفها المعتادة سيؤدي إلى غرق الجميع لأنهم في سفينة واحدة وسوف لن ينجو منهم احد بما في ذلك الذين قدموا خدمات للمعتدين ظانين إنهم في أسوأ الأحوال سيضعونهم في قارب النجاة مقابل تلك الخدمات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa