الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتمركسون والأيديولوجيا

سامي حسن

2007 / 6 / 27
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


لم تعرف الأيديولوجيا على تنوعها قومية كانت أم ماركسية أم دينية أم...خطاً صاعداً مستمراً في قوتها والتفاف الناس حولها، فلطالما تحولت من مهيمنة في المجتمع إلى مهمشة وبالعكس، ويعود السبب في تذبذب موقع الأيدولوجيا إلى عوامل موضوعية وذاتية، فتأثيرها يكون قوياً وانتشارها واسعاً عندما تكون استجابة أو انعكاساً لواقع بعينه يطلبها ويجد الناس فيها أجوبة لأسئلتهم واشكالياتهم واحتياجاتهم. وخلاف ذلك يؤدي إلى انتكاسها، ويدفع بالناس غالباً إلى تغيير قناعتهم بها والبحث عن بديل لها، بينما يرفض البعض التخلي عنها مؤكدين قناعتهم بصحتها، ويستمرون في الدفاع عنها، والمثال على ذلك ما نلاحظه لدى الأحزاب القومية ومناصريها، الذين وبالرغم من الهزات العنيفة التي تعرض لها فكرهم إلا أنهم استمروا في طرح أفكارهم والترويج لها، والتغني بأمجاد الماضي، مستندين في تفسير أسباب تراجعهم وهزيمة تجاربهم إلى منطق المؤامرة، متنفسين الصعداء مع أي هزة تتعرض لها أيديولوجيا وتجارب خصومهم (انهيار المعسكر الاشتراكي وبروز النزعات القومية) معلنين استعادة بريق أيديولوجيتهم.
ولا يختلف الأمر مع الأحزاب والحركات الدينية، التي لم يمنعها صعود الأيديولوجيات الأخرى في فترات سابقة من الاستمرار في الترويج للأيديولوجية الدينية مذكرين كما القوميين بأمجاد الماضي مؤكدين على أن الخلل في التطبيق وفي الناس وليس بأفكارهم التي يطرحونها بوضوح ومثابرة كما هي دون كلل أو ملل، موجهين نقدهم بكل جرأة للأفكار التي يختلفون معها.
أما الماركسيون فقد كان تعاملهم مع أيديولوجيتهم مختلفاً- لا أقصد الذين تغيرت قناعتهم بالماركسية، بل الذين أعلنوا استمرار تمسكهم بها بالرغم من الهزات العنيفة التي تعرضت لها نتيجة سقوط التجربة " الاشتراكية"-. حيث انبرى الكثيرون منهم للبحث عن صيغ توليفية توفيقية جمعت المتناقضات أحياناً، وذلك بحجة الواقع وضرورات التكيف والحكمة في حني الرؤوس عند هبوب العواصف، وغيرها من المبررات التي تدل على عدم المصداقية مع أنفسهم ومع الآخرين بادعائهم تبني الماركسية؟! والماركسية المقصودة هنا ليست نصوصاً بعينها هي أبعد ما تكون عن ادعاء الكمال والقدسية كما يحلوا للبعض أن يتبنى بقصد أم بغير قصد، بل هي محصلة كل ما أنتجته البشرية في سياق سعيها من أجل تحقيق انسانية الانسان، وهي منهجية لتحليل الواقع وظواهر المجتمع المختلفة تستند إلى الحقائق العلمية والتاريخية حول انقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة، شكل الصراع فيما بينها أساس حركة التاريخ وتطور المجتمعات. وهي الأيديولوجية التي ترى في الطبقة العاملة الحامل الوحيد القادر على قيادة البشرية نحو عالم ينتفي فيه الظلم والفقر والاستغلال والقمع ليحل مكانها الحرية والمساواة والعدالة والرفاه.
إن الخطورة في هذه الطريقة الانتهازية التبريرية من تعاطي المتمركسين مع فكرهم تكمن في تغييبها لأهمية واستراتيجية مراكمة الأفكار الماركسية في المجتمع الذي يدعي هؤلاء أنهم يريدون تغييره. والتناقض لدى هؤلاء المتمركسين يكمن في إدعائهم القناعة بأن التراكمات الكمية تؤدي إلى تحولات نوعية؟!. لذلك لا بد من طرح الأفكار الماركسية في المجتمع بكليتها وكما هي واضحة كالشمس دون رتوش وبلا لف ولا دوران ، بل إن من واجب الماركسيين أن يمارسوا كغيرهم وبكل ديموقراطية وعزيمة وجرأة حقهم في نقد وتفنيد وكشف عيوب وأخطاء وتناقضات الأفكار التي يختلفون ويتصارعون معها ، وإن غياب هذا الفهم والممارسة لدى من يدعون بأنهم ماركسيون يعني بوضوح إنكارهم كون الأيديولوجيا واحدة من مستويات الصراع الطبقي الذي يشكل جوهر الماركسية. وإن هذا الانكار والانسحاب من ميدان أساسي من ميادين الصراع الطبقي يعني ترك الأيديولوجية البرجوازية بأشكالها المتعددة تفعل فعلها في تشويه الواقع والوقائع، وإعاقة نمو وتطور وعي الطبقات الشعبية بالاتجاهات الصحيحة.
في هذا السياق كيف يمكن فهم لجوء عدد من الأحزاب الشيوعية العربية إلى تغيير اسمها واستبدال كلمة الشيوعي بكلمات مثل: الشعب،... ؟ هل يعتقدون أن مشكلتهم تكمن باسمهم، وأن الناس ربما انفضت عنهم بسبب ذلك وتغيير الاسم هو من سيعيدهم للناس ويعيد الناس " الشعب" لهم؟ وهل نسوا أن الأحزاب الماركسية كانت ولفترة طويلة هي الأحزاب الجماهيرية بالرغم من كلمة الشيوعي الموجودة في اسمها" السودان، العراق،...).
أم أن تغيير الاسم يجد أساسه في حصول تحولات جوهرية في فكرهم، تشكل انسحاباً من مواقع الماركسية إلى مواقع البرجوازية ، وفي أحسن الأحوال الصغيرة منها؟ طبعاً هذا لا يعني أن جميع الأحزاب التي تمسكت بكلمة الشيوعي في اسمها هي فعلاً أحزاب ماركسية فكراً وممارسة ، ولعل حال العديد من الأحزاب الشيوعية العربية الكلاسيكية خير دليل على ذلك، أي على تمسها بالاسم لفظاً، وغياب ذلك عنها مضموناً ( الحزب الشيوعي العراقي الذي ساند الاحتلال الأمريكي للعراق) والحزب الشيوعي السوري الذي افتقد على مدى عقود ولا زال اللون والطعم والرائحة الماركسية التي نتحدث عنها لصالح أطروحات ديماغوجية وممارسات انتهازية هي أبعد ما تكون عن مصالح الطبقات الشعبية)
ومن القضايا الأخرى التي تظهر تشوه فهم بعض الماركسيين لأيديولوجيتهم وممارسة نقيضها هو موقفهم من التيارات الدينية. وهنا وبداية لا بد من الاشارة إلى الموقف الماركسي الصحيح من الدين. حيث بينت الماركسية كيف تستخدم الطبقات الحاكمة الدين كغلاف ومخمد ومشوه للصراع الطبقي ، وكذريعة تبرر الاستغلال والنهب والحروب، وإن نقد التيارات السياسية الدينية ينطلق من كونها في معظمها تحمل الأيديولوجية البرجوازية، وتتبنى سواء بشكل علني وواضح أو بممارساتها موقفاً إقصائياً من التيارات الفكرية التي تخالفها. وفي نفس الوقت فإن الماركسيين ومن منطلق نضالهم من أجل حرية التعبير وعلى قاعدة الدين لله والوطن للجميع فإنهم يحترمون بل ويدافعون عن حق المتدينين في ممارسة قناعاتهم وشعائرهم.
استمراراً لنفس المنطق التبريري والديماغوجي فقد انسحب العديد من القوى الشيوعية من هذه المعركة ، وغضوا النظر عن الطبيعة الطبقية البرجوازية لمشروع التيارات الدينية، وألبسوها ثياباً لا تدعي تلك التيارات نفسها ارتدائها، بل وذهبوا أبعد من ذلك عندما بدؤوا باستعارة وتبني مقولاتها وشعاراتها؟!.
إذا كان صحيحاً أن " النظرية رمادية اللون وشجرة الحياة خضراء" فإن هؤلاء المتمركسين لم يتعلموا- بوضوح أكثر لا يريدون التعلم؟!- من خضار الحياة ما يجعلهم يعملون كي تكون النظرية الماركسية أكثر وضوحاً وبريقاً.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا