الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا:لاتلازم العلمانية والديموقراطية

محمد سيد رصاص

2007 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يقتصر الإتجاه إلى نموذج يُفرض على مجتمع معين,في ميادين الفكر والاقتصاد والاجتماع,على البلاشفة واليسار الماركسي بالربع الأول من القرن العشرين,بل امتد إلى اتجاهات ايديولوجية أخرى،كان أحدها مصطفى كما ل أتاتورك ونموذجه العلماني،الذي كان مرفوقاً،مثل لينين،بحزب(=حزب الشعب الجمهوري-1922)وجيش تأسس تحت النيران ضد المحتلين والمتدخلين من قوات الحلفاء واليونانيين،وجمهرة من الأيديولوجيين والمثقفين.
كان أتاتورك،أيضاً مثل نظيره الروسي،يملك جملة من الخصوم والأهداف:السلطنة(اعلان الجمهورية-1923)والخلافة الدينية(ألغاها في1924)،ومجموعة من الممنوعات والمحظورات(حظر الملابس الاسلامية في الدوائر الرسمية وغير الرسمية-1925-الغاء الكتابة بالحروف العربية-1928- منع الآذان با للغة العربية-1931-)مبنية على رؤية علمانية أريد فرضها على الدولة والإدارة والمجتمع عبر دستور استوحي من النموذج السويسري(تشرين ثاني1922).
اجتمعت هنا القومية مع العلمانية في نزعة مركزية تمحورت حول زعيم وجيش وحزب وعقيدة,ولدَت نموذجاً شمولياً لم يقتصر على نزعة مركزية أوامرية في السلطة السياسية,وإنما امتد للإقتصاد والإدارة،شاملاً اتجاهاً دولتياً(من سلطة جسدها الزعيم والحزب)للتدخل في كل نواحي حياة المجتمع والفرد,ولإعادة صياغتهما عبر نموذج معين مُجسد في القيم العلمانية،التي كان موقعها تجاه الاسلام،وبقايا تقاليد وتركيبة السلطنة العثمانية،مثل موقع البلاشفة ضد الأرثوذكسية والقيصروالأرستقراطية.
كان ظرف مابعد الحرب العالمية الأولى,ثم الثانية،مؤاتياً لاستمرار النزعة الأتاتوركية,ليأتي نشوب الحرب الباردة بجو لم تستطع فيه تركيا،التي اختارت الإنحياز للغرب ضد موسكو،الإستمرار في نظام الحزب الواحد,وخاصة مع بداية الانفتاح الاقتصادي على الاقتصاديات الغربية،حيث لاقى الانفتاح الاقتصادي هوى واسعاً في الجسم الاجتماعي التركي أكثر ممالاقاه في الهرم السلطوي:كان عدنان مندريس,رئيس الوزراء التركي طوال عقد الخمسينيات,نموذجاً جمع بين الإبتعاد عن العلمانية الأتاتوركية(=إعادة الآذان بالعربية,وإعادة فتح المدارس الاسلامية,وإعادة ادخال مادة التربية الدينية في المناهج الدراسية)وبين التحالف مع العالم الغربي ضد الشيوعية,مع الإتجاه للإقتصاد الحر والابتعاد عن الاقتصاد المُوَجه,وكانت هزيمته لخليفة أتاتورك وحزبه(أي عصمت إينونو وحزب الشعب الجمهوري)في انتخابات1950(بعد أن تم التخلي عن نظام الحزب الواحد عام1945)تعبيراً عن قوى اجتماعية عميقة,كانت متركزة أساساً في المدن الصغيرة،بعيداً عن المدن الكبرى الثلاث- ماعدا القسم الأسيوي من استانبول-وفي ريف الأناضول,وعند الفئات الفقيرة والمتوسطة فيها وفي المدن الثلاث,كانت على التضاد مع الفئات المتعلمة والمتبرجزة في الأحياء الراقية من استانبول وفي العاصمة وإزمير,التي ارتبطت بالإدارة المركزية وبنمط حياة متغرب كانت تفصل بينه وبين باقي الأتراك قارات وقرون.
ربما كانت سيرة ثلاثة أشخاص تعطي صورة عن نصف قرن من حياة تركيا بعد عام1945,ولوقطعها انقلاب العسكر على مندريس في 1960 واعدامه بالعام التالي مع زعماء حزبه,حيث مثلت سيرتهم توزعات الحياة السياسية التركية اللاحقة:سليمان د يميريل,نجم الدين أرباكان,تورغوت أوزال.كان الثلاثة من جيل العشرينيات,يتوزعون بين التكنوقراط وعلم الاقتصاد,وقد خرجوا جميعاً من تحت عباءة مندريس وحزبه(الحزب الديموقراطي)ليتزعموا الاتجاهات السياسية الأساسية(مع حزب الشعب الجمهوري)في الحياة التركية اللاحقة لعام1965 حتى نهاية القرن,وليسودوا مفاصلها الرئيسية:ديميريل و(حزب العدالة)الذي جمع المحافظة الاجتماعية والمزاوجة بين العلمانية والاسلام مع الاتجاه للاقتصاد الحر والتحالف مع الغرب,ثم أرباكان واتجاهه الاسلامي,وبعدهم في الثمانينيات أوزال الذي عبًر عن ليبرالية جامحة في الاقتصاد أتاحت انقلاباً اقتصاياً-اجتماعياً على المدن الكبرى الثلاث ومكانتها الاجتماعية-الاقتصادية عبر اغتناء اقتصادي واسع للفئات الوسطى في المدن الصغيرة أوللوافدين من هناك للمدن الكبرى الثلاث,هذه الليبرالية المازجة أيضاً بين اسلامية معينة وأتاتوركية معتدلة.
ماعُبِر عنه عبر مندريس في الخمسينيات من اتجاهات اجتماعية وتلك الاقتصادية,وفشل فيه تحت وطأة انقلاب أيار 1960الدامي,نجح فيه أوزال ,عبر انشائه لمشهد تركي جديد ربما تعثرت كثيراً ترجماته في السياسة(بدليل انقلاب 28شباط 1997الأبيض على حكومة أرباكان والتراجع اللاحق عن كثير من اجراءات مندريس المغادرة للأتاتوركية)وفي الإدارة والاجتماع(مواضيع حظرالحجاب في الإدارات والجامعات والمؤسسات)وكذلك في موضوع تحجيم مفاعيل دستور1961 الذي فرض هيئة(مجلس الأمن القومي),التي أصبحت مثل المكتب السياسي السوفياتي,و(المحكمة الدستورية العليا)-إلاأن من الواضح بأن سيناريو1960لم يعد ممكناً,بدليل ماجرى بعد إقالة أرباكان من انبعاث للتيار الاسلامي من جديد,حيث من الواضح بأن البنية الاقتصادية-الاجتماعية تتجه ولوببطء(ضد مقاومة العلمانيين في الجيش والأحزاب والإدارة وعند قوى مرموقة الحجم في المجتمع)لكي تترجم نفسها في كل تلك المجالات عبر حامل اجتماعي لم يعد ممثلاً في أحزاب(=الديموقراطي-العدالة-الطريق القويم"ديميريل الثمانينيات"-الوطن الأم"أوزال")تأخذ صفة المحافظة الاجتماعية والنزعة للتغيير الاقتصادي-الاجتماعي-السياسي,بل تأخذ صفة الإسلامية,وهي تحمل كل تلك الأجندات المذكورة.
تأتي قوة رجب طيب أردوغان(تأسس حزبه:"العدالة والتنمية"في آب2001 بعد انشقاق عن حزب أرباكان)من ذلك،حيث من الواضح بأن قدرته على تحدي الجيش والإدارة والعلمانيين(وهو شيء لم يستطعه مندريس وديميريل-حصل عليه انقلابا1971و1980-وأرباكان)تأتي من أرض يشعر بأنها صلبة بما يكفي لكي يفعل ذلك,وهو وضع لم يكن موجوداً بين أيار1960وأيلول1980,وكان رخواً في يوم 28شباط1997:في هذا المجال,تعطي انتخابات3تشرين الثاني2002,التي فاز فيها حزب أردوغان،صورة وافية عن ذلك،حيث تركزت قوته في الأناضول(44،5%من الأصوات)وفي سواحل البحر الأسود(42%) فيمافاز في استانبول ب(33%)وأنقرة(=40%)فيمالم يتجاوز في إزميررقم(17،6%),وكان ملفتاً أن ينال(30%)من أصوات الأكراد.
ربما,يلخص ذلك الانقلاب الاقتصادي-الاجتماعي كلُ من أردوغان,الآتي من(حي قاسم باشا)الفقير في استانبول,والذي كان يبيع الكعك عندما يفرغ من المدرسة,وعبدالله غول ابن صاحب المتجر الصغير في مدينة قيصرية القابعة في أعماق الأناضول,والذي منعت زوجته المحجبة من الدخول للجامعة بسبب رفضها نزع الحجاب عند بابها,لتذهب للدراسة في الولايات المتحدة:لم يستطع الإثنان ترجمة ذلك الفوز الإنتخابي في مجالات الإدارة والمؤسسات والتعليم وفي مظاهر الحياة الاجتماعية,فيما نجحوا في مجال الاقتصاد.
من الواضح أن هناك مقاومات كبرى لعملية الترجمة هذه:كان أحد ذلك مذكرة هيئة رئاسة الأركان في 27نيسان الماضي بمناسبة ترشيح(غول)للرئاسة,ثم قرار المحكمة الدستورية العليا بضرورة نصاب الثلثين في جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية(مع أن ذلك لم يطبق في انتخاب أوزال-1989-وديميريل-1993-),وبعد ذلك المظاهرات العلمانية في استانبول وإزمير.ولكن، بالوقت نفسه,لايمكن القول بأن ذلك يجسد صراعاً سياسياً مجرداً أوتقليدياً,بل إنه تعبير عن تصادم كتل اجتماعية كبرى,وعن انقلاب في البنية التحتية,يراد ترجمته فوق(=الإدارة-المؤسسات-الأيديولوجية-التعليم)وفي السطح الاجتماعي(=الزي).بعبارة أخرى,إن أحمد نجدت سيزير والعلمانيين لايختلف وضعهم عن وضع الشيوعيين المحافظين في موسكو النصف الثاني من الثمانينيات,فيما من الواضح بأن أي انقلاب جديد لن يكون مصيره مثل انقلابي 1960و1997 بل مثل انقلاب19آب1991بموسكو.
في تعليقها على هذا الوضع,قدمت(رابطة رجال الأعمال والصناعة التركية)تعليقاً على مذكرة العسكر في 27نيسان المنصرم,دعت فيه,بعد انتقاد مذكرة هيئة الأركان,إلى"انتخابات مبكرة للحفاظ على المبادىء المتلازمة للديموقراطية والعلمانية":هل يقصدون علمانية أتاتورك ,أم تلك العلمانية الموجودة في برلين ولندن وواشنطن؟...............
=========================================











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف