الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنان و الاشهار

ابراهيم فيلالي

2007 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كم من فنان ،في الحقيقة ، جدير بالاحترام من خلال ادائه الفني و ابداعه …و لكن بمجرد ما اراه في وصلة اشهارية يتحول احترامي له الى العكس. لماذا؟ ماهو الفن؟ و ما هو الاشهار؟ و هل يمكن ان يلتقيا؟ و هل المرور من هنا الى هناك يتم بدون حوادث؟ ام الفنا هذا الترحال و التجوال ؟
اما عقول الناس فهي كالصحون الهوائية،مرة تتفرج على هذا و مرة على ذاك، اما عن محتوى الاشهار فلا يهم ،لان حسب تقديري ليس هناك يسار و يمين في الاشهار ،لا اعلم بوجود اشهار تقدمي .و الاشهار كما افهمه هو وساطة بين افراد المجتمع و السلع .لذا احاول من خلال مهاراتي الفنية ان اقرب المنتوج و البضائع للناس ،كما اقرب لهم اشياء اخرى من خلال الفن ، ومادام الهدف هو متعة الاستهلاك ، لما لا نساهم في خلق المتعة للناس ؟ و ما العيب في ان اقوم بالاشهار ؟
العيب فيه هو كما سبق لي ان كتبت في العدد الرابع من جريدة "هنا و الآن" ؛ كتبت اقول " - تحت عنوان الاشهار يقتل – لا نعتقد بوجود مجتمع بدون قيم ،بل لا بد لاي مجتمع من قيم كي يكون انسانيا ،و بما ان لا وجود لها بشكل مطلق ،فاننا نرفض قيما معينة و نسعى لتشييد اخرى . نرفض القيم المؤسسة على الانانية و حب التملك و لذة تعذيب الاخر ، باستغلاله و استعبادهواستصغاره و اذلاله و توظيفه و اقحامه في اعمال منحطة ،حقيرة ، مدمرة لذاته و لانسانيته ، قيم الفردانية و الاستهلاك و الانعزال او الغربة عن المحيط ، قيم موت الانسان . هذه المفارقة ؛ان تعيش العزلة و الغربة داخل المجتمع . كان العالم بالنسبة اليك غير موجود ،تمر فقط و لا تؤكد في العبور على وجودك ،في حين يجب ادراك و تملك زمن العبور ،لانه الزمن الذي يعطي صفة التفرد و الاصالة لاية تجربة فردية كانت ام جماعية .
تصور كيف تقذفك روتينية العمل المهني اليومي الماجور او روتينبة ايام و شهورو سنين بدون عمل ،الى الجزء الاخر من الحياة اليومية –حياة الفرد الخاصة- لتجد نفسك مثلا؛ امام الشاشة . هذه العلاقة الرابطة بينك و بين التلفزة هي علاقة تواصل ولكن على بعد، يعني في غياب فعلي مادي ملموس للاخر ، حيث لا تستطيع ان تطرح سؤالا او تحاور اطياف البشر .هكذا تحتاج الى التواصل مع افراد حقيقيين ،حتى تعيش بالعمق الانساني في و مع الجماعة كي لا تبقى مجرد مستهلك مشلول القوى ، معبا عن آخره و مشحون بشكل يسمح بانتاج و اعادة انتاج العقلية الساذجة ،الكسولة و المستهلكة ببلادة – في غياب تام للنقد – للاخبار و الافلام و الاشهار ،لانها توزع سموم القيم المرتبطة بالنظام الراسمالي الذي يسعى ،من خلال بحثه الدائم و المتواصل على الربح السريع و الاقصى بتكلفة اقل ان يحول كل البشر الى كائنات استهلاكية ،منتجة لفائض القيمة ؛كمصدر للربح و الرفاه و موضوع للبؤس و الشقاء و الحرمان و الترويض بكل الوسائل الايديولوجية والاعلامية ،و عن طريق الاشهار ،الى غير ذلكمن السبل التى تصب في خلق و تشييد نمط واحد للرؤية والعيش و الحياة .
الاشهار –مثلا- ليس الا وسيلة تخلق لذى الفرد رغبات و حاجيات غير حقيقية تهدف الى تكوين فرد مستهلك و من ثمة مجتمع مستهلك ،منزوع القيم الانسانية ،مشبع بثقافة الاستهلاك و التفرج على كل شىء،على المشاكل و القضايا ما لم تصبح شخصية ،بل حتى و لو . فالارادة مسلوبة.
الاشهار ضد حرية الانسان في الفعل و الاختيار و التفكير و الحلم ،ضد الانسانية و ضد الطبيعة .الاشهار حرب عنيفة و لطيفة ؛يعني انه يقلب لديك قيم الجمال ويفرض جمالا معينا حسب تصور و ابداع مهندسي الاوهام .كان باستطاعة الاشهار او الشركات المتعددة الجنسيات ان توحد و تنمذج القيم و الرؤى و الاحلام والاذواق و انماط عيش الانسان . بالاشهار يفرضون عليك ان ترى ما يريدون لك كي تصير ما يريدون مستهلكا لبضائعم المعروضة .
يرمي الاشهار الى تكوين ذاكرة قصيرة مبرمجة على صيحات الموضة و ثقافة الاستعمال القصير و الصلاحية المحدودة. لان الراسمالية لديها مشكل مع الذاكرة تقتلها في الانسان و في المكان .طبعا لان هيمنتها بكل الوسائل تقتضي صفحة بيضاء .لان من لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل له . فالذاكرة تاريخ."
و هؤلاء المقردون في اللوحات الاشهارية لا يستحقون سوى الاستهزاء .ان هذه القيم التي يروجون لها مزورة . اننا لا نفهم قيمة الاشياء بقابليتها للتسويق و قدرتها التنافسية واستقطابها الواسع . لا نفهمها بقيمتها التبادلية ،لا نفهمها من داخل السوق .اننا نفهم قيمة واحدة هي القيمة الاستعمالية .قيمة الشىء في صلاحية استعماله. لاننا نرى ان الانتاج الاجتماعي يجب ان يوجه الى تلبيه حاجيات المجتمع .ان ننتج حسب متطلبات المجتمع و ليس السوق .ان لا نسعى الى تنمية الاقتصاد على حساب المجتمع ، لان منطق السوق يهدف الى الربح و تنمية الراسمال ، بحيث يكون المجتمع في خدمة الراسمال و نمط الانتاج من خلال عمليتي تراكم الراسمال و معاودة الانتاج. ليس الانسان طبعا هو محور الاهتمام و الانشغال و التفكير لذا هذا المنطق ؛ فالربح و تنمية الراسمال و توسيع نطاق انشطة الشركات ثم خلق و توسيع شبكة المصالح و تسخير الدول بمؤسساتها و قنواتها الاعلامية لحمايتها . صفحات اشهارية في كل جريدة ووصلات اشهارية في كل القنوات ، هذا هو مركز الاهتمام .
الاشهار جزء ايديولوجيا الاستهلاك ،هو اداة من ادوات بناء مجتمع الاستهلاك .
على الفنان ان يدرك ان القيم التي من المفروض ان يحملها و يدافع عنها الفن ،باعتباره مجالا للصراع و تخترقه تناقضات هذا المجتمع ،عليه ان يدرك انها هي بالضبط ما يسعى الا شهار لتدميره ، بالتشويش على الوعي و الذوق و الجمال و الرغبة و الرؤية . في الفن حضور قوي للانسان من المبدع في تفرد تجربته الى المشترك المعبر عنه في الفن ، كقضايا و هموم و انشغالات .
الفن يحمل قضايا الانسان اما الاشهار فهو يحمل عطش السوق و افتراسه .
بين الفن و الاشهار مسافة حياة و موت الانسان ، يولد في الفن و يموت في الاشهار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء