الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغة عربية أم لغة مصرية؟

مهدي بندق

2007 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يماري أحد في أن اللغة المصرية القومية المنحدرة من صُلب اللغة القبطـية ذات الامتــداد الديموطـيقـي، إنمـا هـي اللـغـة الأم Mother tongue بالنسبة للمصريين. فهي إذن اللغة الأولى بينما اللغة العربية – لغة الكتابة والتخاطب بين المثقفين- تعد لغة ً ثانية رغم طول العهد بها، نسبياً.. حيث فـُـرضت لغة ً للدولة بدواوينها ومعاملاتها في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وتحديداً عام 87 هـ (=728 ميلادي) وهكذا صار على الناس واجب ثقافي أيديولوجي: أن يترجموا خواطرهم المنبثقة بلسانهم الأم إلى لغة ثانية! نعم هي لغة عزيزة بحكم كونها الوعاء الديني لما صار أغلب المصريين يؤمنون به، ومع ذلك تظل القضية اللغوية قضية ترجمة بين لغتين لا تنتميان حتى إلى فرع واحد في الشجرة اللغوية. فالعامية المصرية ذات أصل حامي إفريقي، والعربية تنتمي –هي والعبرية- والسوريانية إلى الفرع الآرامي من شجرة اللغات السامية، ولا عبرة هنا بالتمفصل Articulation إذا اعتمدنا على فكرة البنية العميقة لتشومسكي، بل العبرة بالتنوع المورفولوجي في شكل الكلمة، وبناء الجملة.
فهل هو صواب أم خطأ أن تظل لدينا –نحن المصريين- حالة الازدواج اللغوي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تذهب معالجة هذا الأمر علمياً تحقيقاً للوحدة الثقافية بين الشعب المصري ونخبه، بعيداً عن المزايدات الأيديولوجية التي تقف سداً منيعاً في وجه التحول الديموقراطي؟
ذلك أن الديموقراطية – كما أسلفنا القول مراراً وتكراراً – ليست مجرد أداة للحكم، بل هي فلسفة وثقافة تغطي أنماط الحياة الاجتماعية بدءاً من الأسرة، وصولاً إلى النخب الحاكمة، مروراً بالمدرسة والجامعة والنقابة والنادي والجمعية .. الخ. هي فلسفة تعي نسبية الحقيقة وتدرك أن المطلق وهمٌ. وهي ثقافة تتأسس بقناعة لا غش فيها، على التسليم بحقوق الآخر المختلف مساواة بحقوق "الأنا" والـ"نحن"، سواء أكان الاختلاف جنسياً أو دينياً أو عقائدياً أو عرقياً أو لغوياً، ومن ثم فلا حجة للقائلين بسيادة لغة أو لهجة على أخرى في ظل مبدأ المواطنة، وتحت سقف (بل فضاء) الديموقراطية الرحيب.
... ...
... ...
وفي هذا العدد، نطرح قضية اللغة للمناقشة متسائلين عن اللغة الأم Mother tongue إزاء اللغة المكتسبة، عن المعاملات اللسانية اليومية مقابل اللغة الرسمية (الدولة) وشبه الرسمية (المجتمع المدني) وعن عامية السينما والمسرح في مواجهة أدبيات العلم والفكر والفنون.
ولقد توفرت لنا إجابات هامة عن هذه الأسئلة، لنخبة من المفكرين والكتاب، على رأسهم أستاذنا الدكتور أحمد أبو زيد عالم الأنثروبولوجيا، والأستاذ الدكتور عبد الحليم نور الدين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والأستاذ الدكتور جلال شمس الدين أستاذ علم اللغة النفسي، إضافة إلى الباحث الجاد الأستاذ فتحي فرج، أمين عام جماعة تحوتي، علاوة على المفكر والكاتب الصحفي المعروف الأستاذ بيومي قنديل، الذي تخذ خطاً راديكالياً في رفض اللغة العربية، باعتبارها –في رأية- لـُغـَة غزاة ساميين، مطالباً إيانا أن نستبدل هذه "العربية" الدخيلة (!!) اللغة ً المصرية ً الحديثة ً، واختصارها عنده "لمح"، تلك التي كتب بها مقالته في هذا العدد.
ومع احترامنا لفكر الرجل، وحقه في التعبير كيفما شاء، فإننا تمنينا لو انه أجاب عن سؤال مفاده : كيف استطاع اللسان العربي أن يزيح اللغة القبطية، وأن يحل محلها كتابة ونطقاً؛ ما لم يكن قد أثبت هذا اللسان العربي جدارته عبر ازدهار الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي؟ وما لم تكن اللغة القبطية قد تجمدت وعجزت عن مواكبة الإنتاج العلمي الذي تسامى به العرب المسلمون (والنصارى العرب أيضاً) طوال القرون السابع إلى الثاني عشر الميلادي!
أليس هذا هو الدرس الذي يتعين علينا أن نعيه في وقتنا الحالي؟ إدراكاً منا أن الحضارة الإنسانية لا يمكن أن تحابي أحداً، أو تنحاز إلى أحد تعاطفاً مع مشاعره الخاصة. مؤمنين بأنها – أي الحضارة- مثل البحر لا يركبه إلا من تزود بفنون الملاحة، تخطيطاً ،وتدريباً، واستعد للمغامرة بين أمواجه المتلاطمة ممارسة واكتشافاً.
ويبقى القول بأن إشكالية اللغة – عربية كانت أم عامية- إنما هي أسطع مجلى من تجليات أزمة الثقافة القومية المعاصرة، بما فيها مسألة الهــُـوَيــّـة Identity، تلك التي يصر البعض على حبسها داخل قضبان الثبات الأنطولوجي، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى الجمود، والتحجر، والانقراض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربات إسرائيلية متواصلة على غزة وأوامر جديدة بمواصلة المفاوض


.. المغرب: لماذا تستمر محاكمة المؤرخ المعطي منجب بعد 9 سنوات من




.. المغرب: للمرة 43 .. نأجيل محاكمة المؤرخ المعطي منجب


.. الجزائر: تأسيس تحالف سياسي يجمع أحزاب الأغلبية البرلمانية




.. تونس: الزعيدي وبسيّس أحدث -ضحايا- المرسوم 54؟ • فرانس 24