الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للفقر مصداقية باكية ح / 2

حسن جميل الحريس

2007 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وللفقر صفات عدة تضفي على جسده حلة مميزة فتستحيل أدواتها لتصبح أسماء مجردة كالفقر المادي والمعنوي والفكري والاجتماعي والوطني والقومي , وذلك كله في خدمة مكارمه العاتية , وإن ولجنا باب كل منها لعثرنا على أسباب وجودها ومدى تأثيرها على سلوك ضحيتها , فالفقر المكتسب حرفة يد طالبه ينتج عن قراراته الفوضوية التي تأتي على أركان حياته كلها , وربما وعلى وجه الغالب أن نتائج همجيته لن تقتصر عليه وحده بل ستصيب مجموعة الأفراد المحيطين به / كأسرته / أولا , ثم تتصاعد لتطال من له صلة به / الأبعد ثم الأبعد ثم الأبعد ,,,, نرى أن وتيرة هذه الحالة تصاعدية يظهر تأثيرها السلبي على مستوى القاعدة ثم ينتشر تدريجيا باتجاه قمة هرم المجتمع , بينما وتيرة الفقر القسري تنتشر من القمة إلى القاعدة وسمتها / هبوطا / , ونظرا لوجود وتيرتين متعاكستين بتفاعلهما وسلوكهما في مجتمع واحد أحيانا ؟؟ نرى ذاك المجتمع متخبطا وعرضة لانحلاله ذاتيا وبسرعة فائقة لن يتوقعها أحد , ومعيار سرعة ذوبان المجتمع حينها تتناسب طرديا مع عدد حالات الفقر فيه , إذ كلما زادت حالات الفقر زاد تضارب الوتيرتين صعودا وهبوطا مما يزيد فرص تصادمهما ويؤدي إلى انتشار نتائجهما الضارة بكافة الاتجاهات وكأنها حركة تيار متناوب غير مستقر نهائيا , ولهذا من واجب العقلاء حقا ألا يجمعوا بين الحالتين معا أو على أقل تقدير أن يعالجوا القسري منها أولا / لإن أمره عام وسريع الفعالية .
وان سلمنا بمبدأ تصنيف طبقات المجتمع إلى ثلاث شرائح / دنيا – ووسطى – وعليا / ووزعنا صفة الفقر عليها لكانت / معدومة – وميسورة الحال – وغنية / ولكن هذا التصنيف في زمننا الحاضر غير صحيح إطلاقا وسيوقعنا بشر البلية لسبب بسيط جدا / أننا لانملك معيارا حقيقيا نقيس به حالات المجتمع كلها لنفرزها بصورة واقعية !!!! ولهذا يجب أن تكون ملاحظاتنا آنية ولا ننظر إليها على أنها إرثا تاريخيا من السلف إلى الخلف بل هي نتاج طبيعي لمتحولات قوانين صنعية وضعية تجرف بتيارها ضحاياها ليصبحوا كجلاميد حصى تركن بين كتلتها حقائق القضية .
وسأذكر شذرة تصف حالة مشتركة بين الفقر المكتسب والقسري / أنه في غابر الزمان خرج قوم إلى دار واليهم ليسألوه مطالبهم , ولم يفعلوا فعادوا من حيث أتوا بخفي حنين , فقد قتلوا جرأتهم بأيديهم ودفنوها في جب مهجور منذ سنين طوال , وفي طريق عودتهم اصطدموا برجل جاهل مجلل بأفخر الحلل والثياب يعرفونه حق المعرفة بأنه صاحب سطوة يسطو على الرزق والعباد , وحينما علم بأمرهم أخذ مطالبهم وأوثقهم عهده بأنه سيعرضها على والي البلاد , فركنوا إليه وزادوه سطوة وشكرا , وعندما حضر بين يدي ربه / سأله الوالي : مالديك ؟؟
قال : جئتك يا مولاي ببضاعة رعيتك .... نشيدا تطرب له عقول الأنام .
أشار عليه الوالي : أطربنا بها .
فركب الرجل راحلتيه وأخذ يرقص مرتلا :
لا لا لا... لا تكترث يا خير البرية
لا لا لا ... لا شيء بين الرعية
لا لا لا ... لا هما ولا قضية
لا لا لا .... لا تبخل علي بالعطية
لا لا لا ... لا أريد سوى ثروة غنية
لا لا لا .... لن أسمح لهم بالفرية
طرب الوالي لقصيده فأغدق عليه من فضله وأمر له بجزية غنية , ومنحه مرتبة في قصره فبات معروفا عند ربه وبين الرعية بأنه مطرب الوالي وعراب / لا / القضية .
تلك حالة مثالية مشتركة تسبب فاقة الفقر/ إذ افتقر الرعية لمواد الجرأة في طرح دعواهم , بل والأسوأ من فقرهم أنهم دفعوا بأمرهم إلى مارق جاهل استغل عيبهم لينال مأربه فنثر مطالبهم في مهب الريح ليسقطوا ذرارى على تلال صحراء جرداء قاسية .
كانوا في جدباء فيها بعض الأمل وصاروا في صحراء ليلها جليد ونهارها من ويل جهنم .
أذكر ملاحظات عدة تدور بذاك الفلك / للكون ثنائيات ثابتة وفق مفهومنا التكويني المنطقي ( الليل والنهار ) ( والشمس والقمر ) ( والموت والحياة ) ( وآدم وحواء ) ( والجنة والنار ) ( والأرض والسماء ) ( والذكر والأنثى ) والوالدان والعينان والشفتان ( والخير والشر ) .. الخ تلك مكنونات لا طائل لنا بها وهي مفروضة علينا إنما ليست في وارد بحثنا , وما نسعى إليه تلك الفكرة الوسطية التي وردت في مجمل أحكام الديانات السماوية والتي أطلقوا عليها حديثا / الاعتدال / فكيف نسقط حالة الفقر على تلك الغيبيات الوسطية المسلم بها والتي رسمتها مختلف العقائد الدينية / كالعدالة والحرية / والأمن والسلام / والمحبة والإخاء / بوجود ثنائيات صنعتها أيادي البشرية / كالعدوان والاحتلال / والعنصرية والاستبداد / والقتل والحصار / بغض النظر عن مناهج تيارات عقائدية أو نظم بائدة أو حية / كالانتداب والاستعمار/ والتجزئة وتدمير الديانات /...... الخ يجب أخذ ذلك كله بعين الاعتبار لإننا إن أردنا ترجمة حلول منطقية لظاهرة الفقر المتفاقمة بالعالم بأسره لابد لنا من طرحه كاملا بشكله المنطقي الآني لا أن نفرغ محتواه لمجرد أن نكشف عن مكوناته الصلبة فهي معروفة بالنسبة لنا بل إنها ستدخلنا وبكل تأكيد ضمن دائرة مفرغة ستضربنا بشدة ضمن مساحة محصورة بين مركزها ومحيطها لا نستقر فيها إلى ذاك ولا إلى ذاك !!!!!!
إن سمات الفقر كلها مرتبطة كليا بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتنظيمي ولإيضاح تأثيرها على حالة الفرد نأخذ الشائع منها وهو الفقر الاجتماعي / من الممكن تعريفه بأنه نتيجة حتمية لتأثيرات فاعلة ضمن الأسرة الواحدة أو ممن يحيطون بها , وتلك التأثيرات تجبر ضحيتها على اتخاذ مواقف تكون بنظرها إلزامية وخياراتها ضيقة جدا وضرورية بينما بنظر آخرين غير حتمية ولا ضرورية وكأنها بهذا تقع تحت مفهوم تضحية فرد ما ليحيا آخرين مثلما حالة وفاة أحد الوالدين أو كلاهما فترث الضحية منصبا وهميا قاهرا سيما إن كان حال يدها فارغة وتتبوأ قيادة أسرتها ورعاية شؤونها دون دراية مسبقة منها بأبسط قواعد النشأة الصالحة مع تحفظنا على وجود حالات استثنائية , وربما يكون واقعها صعبا جدا إن فقد مجتمعها مبدأ التكافل الاجتماعي بغض النظر عن مستوى الوصاية حينها إن كانت من المرتبة الأولى / الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت / أو من المراتب اللاحقة للمتتالية / الجد أو العم أو الخال أو أحد أبناءهم أو أو أو ..الخ / والأمثلة كثيرة جدا بهذا المقام ولا ضير عليكم إن اجتهدتم بضمها لهذه الدائرة فالعلاقة بمجملها أشبه بعلاقة الإنسان بالجاذبية الأرضية .
من الطبيعي أن تكون حالات الفقر كلها مرتبطة بواقعها إنما ليس لزاما عليها أن تكون مرتبطة ببعضها البعض فربما نجد حالة غنى فاحش عند أحدهم مع أنه يفتقر كليا للوعي المعرفي والإدراك الفكري ولهذا وجب علينا البحث في مكنونات الفرد نفسه وبما يملكه من خواص مادية وروحية وحسية يتميز بها لنستطيع ترتيبها وفق أهميتها من حيث إمكانية التنازل عنها برضاه أو ببيعها وهذا رهن بمدى سيطرته عليها :
1 – المرتبة الأولى :
ممتلكات مادية من أثاث وثياب ...... الخ وهذه أول
بضاعة يبيعها .
2 – المرتبة الثانية :
تأتي بعد أن يفقد ذات يديه فيبيع فؤاده ودينه وذمته أولا , ثم يعتدي على حقوق أسرته لاحقا فيبيع زوجته وولده .
3 – المرتبة الثالثة :
ينتقل تدريجيا ليبيع حقوق عائلته كلها دون تمييز من أصوله أو فروعه , ثم يطال حقوق من يحيطون به كأصدقائه مما يفقده مادة أساسية كانت ملك يده من قبل فاقته وهي / الوفاء والإخلاص / وهنا نقرع ناقوس الخطر !!!!!
4 – المرتبة الرابعة :
تأتي بعد أن يفرغ محتواه فيبيع مجتمعه وينزع جذوره بيده فينسف من قاموسه أي حرف له علاقة بمفهوم / الانتماء / ليصبح خائنا لوطنه وأمته .
ومن أسباب الفقر الاجتماعي ظاهرة انسيابية خطيرة جدا تأخذ صاحبها إلى ما لا يحمد عقباه وهي / الإسراف والترف / اللذان يوسعان دائرة الديون عليه بعيدا عن تعليل ذلك بأنه من متطلبات عصره المفروضة عليه أو نزولا عند رغبة أسرته نفسها وهذا فاعل حقيقي يؤثر به سلبيا ويمنحه شهادة فقره بامتياز ...................... يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق