الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفتي.. الأب الروحي للعصر الحديث

نائل الطوخي

2007 / 7 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من كل شيء، مازال مجتمعنا قادرا على أن يختار زعماءه الروحيين. والزعماء هذه المرة ليسوا أبطالا تقليديين لهم الأوصاف الأسطورية الواردة في السير الشعبية، ولا هم من المثقفين بالطبع، بعكس كل الأوهام الرومانتيكية حول الدور الطليعي للمثقف. قائد المجتمع الحقيقي الآن هو شيخ في زاوية صغيرة، تؤهل له سنوات عمله مع الناس أن يطلق عليه اسم شيخ أما سنوات عمله مع التليفزيون فتمنحه بسهولة لقب داعية، وتكمن مهارته الأساسية في الإلقاء بالوصفة السحرية التي يتحرك المجتمع وفقا لها: الفتوى.
"لا أنام الليل بحثا عن فتوى." هكذا قال لي واحد من المنتظرين على باب لجنة الفتوى في جامع الأزهر الشريف. الرجل رمى على زوجته يمين الطلاق أكثر من مرة ويسأل إن كان هذا الطلاق قد وقع بالفعل. يبدو أن طوفان الفتاوى والدعاة الجدد لم ينجح في تعريفه بأحكام الطلاق، أو أنه يسأل من باب طمئنة ضميره فحسب. أن يكون الطلاق قد وقع بالفعل فهذه كارثة بالنسبة له، خاصة أنه جامعها بعد أن ألقى عليها يمين الطلاق: "عاوز اعرف دا طلاق ولا مش طلاق. لازم اطمن لإن لو كانت طالق صحيح يبقى الموضوع دا زنا." مَن من المثقفين قادر على حرمان شخص من النوم بانتظار أن يلتقي به؟ لا أحد طبعا. كل المجد للمفتي. هو ساحر المجتمع الحديث.
كارثة أخرى نجا منها بصعوبة سليمان أحمد، الطالب بهندسة الأزهر، فجأة أقنعه أحد أصدقائه بأن الوضوء يتم بطريقة غير تلك التي اعتاد عليها طول عمره. سأل شيخا يعرفه في مسجد قريب من بيته بالبحيرة فأفتاه بأن طريقته القديمة هي الصحيحة. يقول: "لو كنت مخطئا فمعنى هذا أن صلاتي طول عمري كانت خطأ." أحمد الله معه على النجاة من هذا المصير التعيس. الفتاوى عند سليمان لا تتوقف عند حد معين، هو يسأل في أمور الدنيا والآخرة. "سألت مرة عن اللوح المحفوظ وإذا كان مكتوبا من الأزل فكيف يزيح الدعاء البلاء، وجاءتني الفتوى بأن الدعاء يغير ما قد كتب فعلا في اللوح المحفوظ."
المفتي هو الأمان الديني والدنيوي. هكذا يقول شخص رفض ذكر اسمه عن دور المفتي في حياته. "هو من يمنح الناس الراحة النفسية وهدوء البال". أسأله أي المفتيين يثق بهم أكثر فيحدثني عن الأزهر: "في الأزهر الفتوى الدينية أقوى والشيوخ اتصالاتهم أقوى. الناس تحب الاستناد إلى مرجعية قوية، هذا أفضل من شيوخ الزوايا الصغيرة، شيوخ الزوايا ليسوا مفتيين وإنما أئمة مساجد. وهناك فرق. حتى من الناحية النفسية الناس تطمئن أكثر للأزهر الشريف." أسأله عن الفتاوى التي يأخذ بها، هل هي الأكثر إقناعا أم الأيسر فيبتسم ويقول: "الفتوى الأيسر. التي لا تكلفني كثيرا، بحيث يتم حل المشكلة بسرعة و"البيت يتلم بسرعة".
المحمول هو بطل الاتصال بين الشيوخ والشباب الذين يتصلون بهم للحصول على فتوى. يشرح لي أحد هؤلاء الشباب، محب الدين المراكبي، طالب بجامعة القاهرة، أن من يسألون شيوخ المساجد هم من تجاوزوا الأربعين في الغالب. أما الشباب فيسجلون على هواتفهم أرقام الدعاة. وأسماء الدعاة تتنوع بين محمد حسان وجمال المراكبي ومحمد حسين يعقوب وياسر البرهامي. "إذا كان هاتف داع من هؤلاء الدعاة مغلقا فليجرب الآخر، بالتأكيد سيكون هاتف من الهواتف المسجلة مفتوحة. عندما أتصل أنا أكون قد قمت بتجميع ثلاثة أو أربعة أسئلة تحتاج إلى ردود مختصرة، بنعم أو بلا، حتى أختصر من وقت المكالمة" أراد محب استئجار غرفة من زميله بالمدينة الجامعية من الباطن، قيل له أن هذا حرام فاضطر للسؤال، أفتوه في الأزهر بأنه لا غبار عليه. يقول: "مشكلة مثل هذه لم أكن أستطيع شرحها للشيخ على التليفون لذا اضطررت إلى المجيء بنفسي إلى الأزهر للحصول على فتوى، والحمد لله كان الإستئجار حلالا."
يفرق محب بين دعاة الأزهر وشيوخ المساجد والزوايا في مسألة الفتوى: "علماء الأزهر هم النجوم، وهم للأسف غير قريبين من الشباب. أنا مثلا لا أعرف أين يلقي مفتي الجمهورية دروسه الدينية. حتى تليفونات شيوخ الأزهر غير متاحة وإذا حاولت معرفتها فلن أستطيع." وهذا بالمقارنة بالطبع بشيوخ المساجد الذين يعلنون أرقام هواتفهم في أي درس ديني. كما يشرح لي. بالإضافة إلى هذا، لكل من الدعاة الجدد موقع إلكتروني، يرسل السائل بطلبه عليه فيجيبونه، والمدة الزمنية قبل الإجابة تتراوح بين ثوان وبين يوم كامل، على حسب مدى صعوبة الفتوى.
يتصل محب بالمفتي عن طريق التليفون المحمول. طالب آخر في الأزهر يرى أن هذا قد يكون فيه إساءة أدب. أسأله هل يمكن أن تنفر تصرفات المفتي الناس من الفتوى بشكل عام فيلقي باللوم على السائل: "على السائل أن يتخير الأوقات التي يسأل فيها المفتي. عليه ألا يتصل به في وقت الظهيرة ويسأله. وأن يحضر مجالس العلم حتى يتعلم أدب السؤال أيضا. ويتفهم أن المفتي قد يكون كبيرا في السن ولذا قد لا يكون عنده صبر." المفتي هو أب للمجتمع، ومثلما لا يجوز إساءة الأدب مع الأب، حتى لو جانبه الصواب، فكذلك الأمر مع المفتي. "لو شككت في فتوى المفتي ألجأ لمفتي آخر، ولكن لا يجوز أن أقول له أنه مخطئ."
لا يعكر صفو الارتباط العميق بين الناس والمفتي إلا شيء واحد، أن يكون المفتي أكثر تساهلا مما توقعه جمهوره. يقول لي شخص بغضب: "عمرو خالد يعتمد على أحاديث موضوعة أجمع العلماء على عدم جواز الاعتماد عليها. بل إنه أحل عمل النساء بالتمثيل وسلام الرجل على المرأة الأجنبية!" جزء كبير من الغضب كذلك يتجه نحو فوائد البنوك. يقول لي آخر: "البعض يتعاملون مع البنوك، مع العلم أن فوائدها هي ربا، ولا يلجأون إلى المفتي إلا لكي يحلل لهم هذا." أما أطرف الحالات فكانت حالة صحفي شاب، أفتاه أصدقائه بأن العمل في صحيفته هذه حرام لأنها تحارب الإسلام، ونصحوه باللجوء إلى واحد من الدعاة الجدد لكي يفتيه، أفتاه الداعية بأن العمل يتوقف على ما سيقوله الشخص في مقالاته. سمع الأصدقاء هذه الفتوى فألقوا بحكمهم: "هذا المفتي هو الأكثر تهاونا من بين جميع الدعاة، ولا يجوز الاعتماد على فتاواه".
حمزة خريج كلية حقوق ويبحث عن عمل. بدأ الحديث معي بكون المفتي هو أهم شخص في المجتمع وفتواه ملزمة للشعب كله، وإذا ما كانت خطأ فيقع عليه وحده وزرها. أسأله هل لجأ من قبل إلى مفتي ما، فيتردد لحظة ثم يتراجع عن رأيه: "لا. أنا بصراحة لا أثق في الشيوخ. فدائما ما تخالف أفعالهم أقوالهم. هناك مفتي يقول أن الصحابة كانوا يشربون بول الرسول ثم يتراجع عن رأيه ويقول أنه كان رأيا شخصيا. كيف يكون رأيا شخصيا وهو مفتي الجمهورية؟".ورأي آخر بخصوص مفتي الجمهورية: "هو يدخل السياسة إلى فتاواه الدينية. ولذلك الشعب لا يرضى عنه. الشعب يريده أن يحكم المفتي بكتاب الله وسنة رسوله."
ويبدو آخر متسامحا مع مفتي الجمهورية. يقول لي أن الناس لا يجب أن يشغلوه بأي فتوى صغيرة، إنما فقط بالمسائل الكبيرة مثل البصمة الوراثية ونقل الأعضاء، أما ما هو غير ذلك فيمكن أن يلجأ فيها المرء إلى أي داعية صغير. وباحث بجامعة الأزهر ناقم بشدة على من يلجأون إلى فتاوى دعاة الفضائيات. "الأزهر هو القناة الطبيعية أمام الناس. ليس هناك أي مصدر للفتوى غيره." أقول له أن البعض يعترض على الأزهر لكونه يزج بالسياسة أحيانا في الفتاوى التي يصدرها فيرد: "لا أعتقد. لا أحد يزج بنفسه في النار من أجل فتوى خاطئة. المفتي ليس شخصا معصوما ولكن ليس معنى خطأه أن نقيم عليه الحد." والمشكلة كلها تكمن من وجهة نظره في أن الناس لا تعي هذا وأنها تنظر إلى أول زلة منه لكي تفقد ثقتها فيه، مع أنه، أي مفتي الجمهورية، كما يؤكد، مازال هو القناة الشرعية للإفتاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد