الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيف الأنوثة المستعادة .. قراءة في هيكل الزهر ل فاطمة ناعوت

محمد سمير عبد السلام

2007 / 7 / 11
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تجدد التجربة الأنثوية نفسها من خلال مجازات الأمومة ، و الموت ، و الصمت ، و الفراغ ، و الطيف المراوغ في ديوان " هيكل الزهر " للشاعرة فاطمة ناعوت – عن دار النهضة العربية ، بيروت 2007 – فهي تمنح الدوال السابقة حضورا سيريا محورا باتجاه التأكيد على وضع قوة الأنوثة المستعادة من اللاوعي الجمعي في مواجهة الموت ، و التاريخ المحدد للصوت الشعري . الاختفاء المتكرر في الديوان يقاوم مركزية الغياب ، و التحديد معا ، فالعلامات الحاملة لهذين المدلولين تختلط بطيف ساخر مراقب يحاكي الصوت الشعري ، و يجدد تاريخه ، سيرته من خلال تجاوز الصوت نفسه في طاقة الأنوثة المبجلة للصمت ، أو ما يمكن أن نسميه الكلام فيما بعد المتكلم المحدد ، إذ إن الصوت هنا مزيج من ذات لها تاريخ ، و صوت كوني قوي متكرر ، و يذكرني باستعادة الطبيعة للربيع رغم موته المتكرر . هذا الصوت المختلط هو ما تحاول فاطمة ناعوت أن تقبض عليه من خلال حدائق الزهور الشبحية المقاومة للموت من خلال أحزانه ، و تكراره في لحظات التوقف التي يزدوج فيها العبث ، بألعاب السيرة التي تجددها باتجاه طاقتها المخيلة في حضور القوة التمثيلية لما يناهض حدود السيرة ، و الذات ، أي طيف الأنوثة المستعادة .
في نص " أمي " يتضاعف الموت في المراقبة السردية لتجدد الأنا من خلاله ، فيبدو كأنه أداة لمعرفة الصوت المتكلم لا محوه ، تقول :
" تمس العين المرخاة ، و تقول / كانت ابنتي خرساء / يفزعها ضجيج العربات ، و الضوء / فلماذا تركتموها تموت كثيرا / هي ابنتي / أعرفها من ثقب في الرئة / و أنا / أريد أن أغلق الباب / فشكرا للأصدقاء الذين لم يأتوا " .
يستنبت الموت من بذرته التصويرية الكامنة في كثرته على لسان الأم ، و معاينة الشاعرة / الساردة الأولى لولادة الشخصية من خلال التضاعف ، و امتداد التابوت في الماضي ، كأنه لم يكن حاضرا في المشهد ، فهو يكشف سمات تمت في الماضي ، لكنها تشكل الشخصية الميتة شعريا في المستقبل . هكذا يؤجل الموت في بنيته السردية التكرارية المتجاوزة لحدود الذات / الشخصية فيما يخيلها ، و يعيد بعثها .
و في نص " إوزة " تفجر أنوثة الإوزة المجازية وجودها كموضوع ، أو جسد ، أو شيء قابل للاستهلاك الوظيفي / الأرضي ، تقول :
" حين أبصرها تخرج من الغرفة / عارية من الريش / و فاتنة / و لما جز عنقها الأبيض / نظرت إليه / و لم تسقط / قطرة دم واحدة " .
الإوزة عنصر كوني يستعصي على الهدم ، من خلال مقاومة التحديد في تشكيله الشعري ، و من ثم تتوقف الإوزة / المرأة عن الحياة ، و الموت معا في سياق الذكر المهيمن / المستهلك المحدود ، الإوزة تستنفد حدث الذبح في تجاوز تجربة الدم برمتها ، فتضع القاتل في مواجهة مع تجسده المحدود المقاوم لشاعرية الوجود الكوني .
و في نص " لا تهدموا الكوخ " يتحد الصوت الشعري بالطيف الذي يختزل التجسد في حرية الأداء ، و اللعب النابع من طاقة التجسد التي أوشكت على الخروج منه عن طريق إبداع الطيف ؛ فكل من الكتب ، و الصوت يكتسب القوة المصاحبة للاختفاء ليدمر حدود الفضاء المادي المشكل له ، تقول :
" أحتاج شبحا / يعاقب الكتب التي غدرتني / هذه الكومة تستحق القصاص / لأنها نخرت طمأنينتي / لذلك لن أمانع في حشو آذانها بالقش ، و البنزين ..... الأشباح خفيفون / لا يشغلون الأمكنة / و يقتصدون في الهواء ، و في الزمن / علماء / يحجبون الشمس عن قصار القامة .. " .
أحتاج شبحا .. استنبات للشبح من المتكلم ، من طاقة الكتاب التمثيلية التي تفكك وضعه المنظم المحدود ، الشبح ينبثق من المتجسد كقوة مضادة للتهميش ، و الخوف ، و الألم ، يحرق الكتب ؛ ليعيد نسخها فيما فوق القراءة ، و النقد . الشبح فراغ للكتب متولد عن حرقها ، عن تدمير المتكلم حين يختلط بالأقزام . الشبح قوة الفراغ الأدائية .
و في نص " أبي " تبدو حدة التنافر بين الصوت الكوني / الجزئي المجدد ، و الواقع المحدود واضحة ، فالأب يموت بالصدمة ، بينما تسخر القصيدة من الموت عن طريق السرد الممتد في الصوت الأنثوي المشكل للموت كاتحاد تعاطفي بين العلامات / العناصر . تقول :
" مات بالصدمة العصبية / حين غرق طفلاه أول أمس / أنا / ابتلعتني سمكة / و أخي / ابتلع كل مياه النهر " .
من الضخامة ، و الصغر ، النهر ، و السمكة يولد صوت جديد ، يكرر الغياب ، و لكن في سياق اللعب ، و التجزؤ الذي يكمن فيه صوت الكون كمجاز ، وواقع في آن . هذا الصوت يتوقف في صمت الموت الأول للأب دون أن يتفق معه فتتناثر الدلالة ، و نعاين انفصام العناصر ، و اندماجها معا .
و في نص " جورب " يكمن التعارض التكويني الأساسي في الجورب بين وظيفيته ، و مظهره الوجودي في وعي البائعة ، و يمتد التعارض في ثورة الجورب / الشيء على الاستهلاك بالانتشار في الآخر ، بالخيانة المستمرة لوعي البائعة / المدرك الأول ، تقول :
" بائعة الجوارب / على رصيف سليمان باشا / تحنو على ذاك الأسود / تظلل عليه من الشمس / و تنزع عنه فتلة ناتئة / سوف يخونها بعد يوم / الجورب / و تدخله قدم رجل بعيد " .
يطمس اللون الأسود حدود الوظيفية ، الصورة الأولى للجورب في وعي البائعة ، و يستبدلها بالظهور الإبداعي ، ثم بالتناثر في قدم الآخر لا التشيؤ ؛ لأنه اكتسب قداسة الملامسة المتكررة ، و طمس المدلول .
و في نص " بورسلين " يكتسب الفراغ دلالة تشكيل الهوية المبدعة ، عقب امتلائه بالبورسلين ، ليس للفراغ هوية ، أو مادة ، لهذا يقاوم الامتلاء ، و تظل أخيلته في الذاكرة منتجة لأثره ضمن المادة الجديدة نفسها ، الحاملة لانعدام التحديد الذي أوجدها ، تقول :
" واحدهم / ملأ الفراغات الفراغات المخلوعة في فمي / بقطع بورسلين بيضاء / سلبني النقص الذي يتممني " .
هكذا يظل التجسد الجزئي في الضرس المخلوع ، و البورسلين معا في حالة استشراف لقوة التجاوز الكامنة في الفراغ ضمن عمليات الاستبدال التي تعيد تكوين الذات .
تجمع فاطمة ناعوت بين بناء منظور أنثوي ، قائم على تجديد وعي نسوي مستقل بنظرة تأويلية شاعرية للوجود ، و التاريخ ، و إمكانات تحلل المنظور النسوي الشخصي في النزوع للاندماج بأخيلة النصوص ، و الأساطير ، فتصير المتكلمة بلا حدود ، أي تكتسب قوة الأنوثة في تجليات عديدة .
و نلاحظ الرؤية الأولي في قصائد مازن ، و عرف ديك ، و العفريت ، بينما تتجلى الأخرى في إيزيس ، و فرجينيا ، و رامة ، و لو كنت إلهة .
في نص " مازن " نعاين انقساما أساسيا في التجربة الإنسانية ممثلة في مازن ، و ما يحمله من تاريخ يتماس مع الصوت الشعري ، و أخيلته المولدة من تجدد الانقسام في الماضي ، و المستقبل معا ، حيث يصير مازن رمزا مقدسا لقوة الاندماج بالأم المصاحبة لأولية الانشطار في تكوينه ، تقول :
" الصبي الذي خرج مع أبيه إلى الغابة / كي يتعلم كيف تنبت للفراشة أجنحة / سوف ينظر إلى صفحة الجدول / فتسقط من عينيه قطرة / تخطفه ثلاثين عاما إلى الوراء / الطفلة التي كنتها / لم تبك حين طار أبوها من الشرفة / ظلت شاخصة صوب الشرق / فيما قطرتها مجمدة في البؤبؤ " .
لمازن ذاكرة تمتد جماعية ، و متناثرة في الآخر المحتمل ، و الأم . مازن بلا صوت واحد ، فهو انشطار نحو قوة الاندماج الشعري حين نراه كطيف وراء استعادة طيف الأنوثة . تلك التي أبدعت صوت الأب من خلال تناثر آثاره المجازية .
و في " عرف ديك " تتشكل تجربة الأنوثة فيما ترك الذكر من فراغ ، يصلح لاستبدال أنثوي مملوء بتأملات خاصة ، هي تضاعف للأنثى ، من داخل رسم حدودها الشخصية الجديدة خارج الهيمنة :
" جميل / أن تتنفسي كل هواء الغرفة / وحدك / قبل أن يبتلعه سعال / أو يلوث نقاءه عرف ديك / أن يتحول نصف السرير من جديد إلى مكتبة / و أن تحوذي وسادتين لا واحدة " .
السعال ، و عرف الديك أثران لصوت غائب ، لفضاء يتشكل منه الرجل في وعي أنثوي ، فيفقد وجوده المتماسك ، و يصير دالا يحفز أنوثة مضادة له من داخله . الرجل قاعدة خفية للتجربة الأنثوية ، لا يمكن أن يهيمن ، أو أن ينعدم كليا من ذاكرة المكان .
و في نص " العفريت " يحول النص الشعري دور الأنثى الأدائي في عالم الرجل ، إلى واقع نصي يحاكي الأدوار الوظيفية ، و يمحوها بما فيه من تخييل ، و تجاوز لعلاقة الهيمنة ، تقول :
" تك تك / يصفق / فتنبسط له أرضا / تنبت القمح ، و الشعير ، و النارنج / تك تك / فتنتفض ، كصليب مشرع وسط الحقل / خيال مآتة / تفزع الطير و تهش الألسنيين ، و اللصوص / ثم تنقي ماء البركة ... ثم بصقها / فتمطت على الرمل / و تحورت حواء / و لما اكتملت أنوثتها / نامت على رجاء القيامة / عند المغرب انتزع الشوكة من لحمها / فتبخرت " .
العلاقات الشرطية الأدائية نفسها بين الذكر ، و الأنثي تتحول إلى مسرحة متكررة للاختفاء ، و التباس الهوية الأساسي في ميكانيكية الأداء ، فخيال المآتة ، و الخصوبة ، يحتملان التبخر خارج الأنوثة نفسها مع تعدد العلاقات الطيفية .
هكذا يتجه الديوان لدمج الصوت بآثار النصوص ، و ديانات الخصوبة ليمعن في اللاتحديد ، و ثراء التجربة الإبداعية ، تقول في نص " إيزيس " :
" أنا إيزيس النحيلة / لا ماسة في إصبعي / و لا سوار ذهبيا في معصمي ، لكن تاجا من نور فوق رأسي / عند ثغري ابتسامة / و في قلبي مجرة بأسرها " .
أنا إيزيس صوت المبدعة ، ممزوجا بقوة ما بعد الذبول ، الحياة في فرح ربيعي متجدد تجعل الألم طيفا ، و جمرة القلب مجرة كبرى لطاقة الأم الممتدة في الثقافات كمصدر لتجدد الطبيعة ، و بهذا الصدد يرى جيمس فريزر ارتبط إيزيس بالخضرة ، و عيدان الذرة ، و الوعد بالخلود ، فهي الأم ذات القداسة السحيقة الغامضة ، و تخلو من المناسك الدموية للآلهة الشرقية الأخرى ( راجع – Frazer-Golden Bough-Isis James) .
و لأن إيزيس تتكرر بصور أخرى في روما ، و غيرها كما يقر فريزر ، فهي تمنح المبدعة اتساعا يعلو على تجربة أنثوية محدودة بسيرة مستقلة عن هذه القداسة .
و في قصيدتي " رامة " ، و " فرجينيا " تختلط رؤى النصوص بإيزيس ، هل يمكننا بعث غرفة فرجينيا وولف في فراغ عرف الديك ؟ أم نتلمس فرجينيا بين السيدة براون ، و الشاعرة في كون يتسع لرامة إدوار الخراط مصحوبة بقوة الحب الرومانية ؟
هكذا يظل المتكلم متصلا بطيف قوي متجدد يميز واقعه الإبداعي .
محمد سمير عبد السلام – مصر










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زهرة اللهيان.. أول امرأة تترشح لانتخابات الرئاسة في إيران


.. امرأة تتقدم للترشح على منصب رئيس الجمهورية في إيران




.. كلب هجــــ م علي طفــــ لة فأصبحت ملكة جمال


.. التحالف الوطني يطلق مبادرة لتعليم صناعة الخبز بأنواعه لدعم و




.. رئيسة رابطة سيدات الشويفات السابقة والناشطة الاجتماعية ابتها