الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفعل الحضاري

مهدي النجار

2007 / 7 / 15
المجتمع المدني



كلما ضاقت بنا الأمور واتسعت الفجوة بيننا وبين الحداثة،كلما ألمت بنا الهزائم والاحباطات، كلما نزلت فوق رؤوسنا المصائب والفواجع، كلما وجدنا أنفسنا غارقين في تمزقاتنا ومآزقنا...هرعنا متباكين لاطمين نادمين متألمين إلى قبور أسلافنا ننبش فيها عن أسباب الخلاص، لا نجد الحلول بين أيدينا ولا أمامنا ولا نكلف أنفسنا عناء البحث والاستقصاء في مرجعيات العلوم الحديثة، نبحث عن الأشياء جاهزة فلا نجدها إلا بين رميم الأسلاف،نتباهى ضاحكين على أنفسنا وعلى ذقون العالم: ها هي علوم الذرة والنظرية النسبية وقوانين حفظ الطاقة وقوانين التعرية ونظرية دارون وصناعة السفن والكهرباء والأدوية واكتشافات الفضاء الكوني...الخ هاهي كلها مكتشفة وجاهزة في بطون كتب تراثاتنا ولكن الآخر (الشيطان) سرعان ما استغفلنا وسرقها منا، تفحصوها جيدا ستجدونها زاخرة بمفاهيم الديمقراطية والتسامح والحرية وحقوق الإنسان والحياة البرلمانية؟!...على العالم كله بما فيهم الصينيون(من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم يوجد واحد صيني) أن يعترف بأنه مدان لأفكارنا وان يخضع لرغباتنا ومفاهيمنا ومعتقداتنا لأنها هي وحدها الصحيحة وفيها وحدها نجد الحل ونعثر على طرق النجاة، لولاها لما استطاع البولندي كوبرنيكس(1473-1543) أن يقول: إن الشمس هي المركز وان الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس. ولولاها لما استطاع الألماني كبلر (1542-1630) أن يكتشف قوانينه المتعلقة بحركة الكواكب ولا استطاع غاليلو أن يصوب مرقابه (تلسكوبه) إلى السماء ويكتشف درب التبانة، ولا استطاع الانكليزي نيوتن(1642-1727) أن يكتشف قوة الجاذبية ويضع صيغا لقوانينه، وهل يستطيع الشيطان الأكبر(اوديسن) من اكتشاف الكهرباء لولا انه صال وجال في كتب أجدادنا في غفلة منا؟!...كل هذا وهم وسراب من صنع خيالنا، لا يعصمنا الكلام الطويل العريض من المضي في رداءتنا وعجزنا وإخفاقاتنا بل وحتى توحشنا، ساديتنا وتعصباتنا دفعتنا لنخوض حربا بعضنا ضد بعض، وأي حرب قذرة هذه التي يتذابح الناس فيها و يقطع رأس بعضهم البعض، وأي حرب متوحشة هذه التي تفجر بها الأسواق الشعبية والمدارس والمكتبات ودور العبادة والمستشفيات ومآتم الأحزان واحتفاليات الفرح... من أي ملة خرجنا نحن؟!
الفعل الحضاري وحده العاصم من كل تلك الرداءات، ولكي نكون مخلصين حقا لأنفسنا ولأوطاننا علينا أن نقلص من سقف ادعاءاتنا وان نكد ليل نهار بالفعل لا بالقول، من اجل أن ندخل الألفية الثالثة ونندرج في مسار الحداثة ونؤسس مجتمعات زاهرة أسوة ببقية شعوب المعمورة، الفعل الحضاري معناه أن ننظر إلى الماضي لا بعين الرضا التام إنما بعين الفحص والتحليل والنقد سواء على مستوى أجهزة المفاهيم ومنظومة الأفكار والمعارف أو مستوى الأخلاق والسلطة وعلاقات التقديس، الفعل الحضاري بمعناه الآخر أن نفحص ثقافة الآخر ونستجلي جذوتها المتوقدة حتى يصير بإمكاننا الاستضاءة بهذه الجذوة، ولا باس أن نكون انتقائيين نأخذ الصالح ونترك الطالح. إذا لم نترك وقفتنا المضنية والطويلة على قبور موتانا ونجفف دموع أسانا المنهمرة، إذا لم نترك فعل اللسان ونرّوج لفعل العقل فلا تقوم لنا قائمة، إذا لم نتثاقف ونتحاور مع الآخرين ونمعن البصر بمنجزاتهم واليات تطورهم فسنبقى مثل رحى تدور حول نفسها نسمع جعجعة ولا نرى طحين!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر