الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنت جبيل وذاكرة الأطفال

محمد جمول

2007 / 7 / 17
المجتمع المدني


إنها المدينة المتهمة والمدانة بالتمرد والعصيان. بنت جبيل كان يجب أن تدمر أكثر وتزال عن الخارطة ، وتمسح من الذاكرة. فكل من يعرف تاريخ هذه المدينة ويصر على الاحتفاظ بما يعرفه عنها يجب حرق دماغه قبل الدفن للتأكد أن شيئا من هذا لن يتسرب للأجيال المقبلة. فكل المدن التي وقفت في وجه الغزاة ودحرتهم، من عكا و ستالينغراد وبورسعيد وصولا إلى مارون الراس والخيام وعيتا الشعب و قانا و بنت جبيل ، يجب أن تمحى من التاريخ لأن ذكرها قد يحرج سادة العالم الأقوياء المتحضرين. ويجب قتل الأطفال الذين نجوا من القصف والحصار لأنهم سيتحدثون ذات يوم عن وحشية هؤلاء الأقوياء المتحضرين. فلا فائدة من تدمير المدن والقرى بكل ما فيها ما لم تدمر الذاكرة، وأخطر ما في هذا الأمر ذاكرة الأطفال. لذلك لم يكن مستغربا أن توظف إسرائيل أطفالها لكتابة الرسائل على الصواريخ والقنابل التي قصفت بها القرى اللبنانية. فهذا فعل يقصد منه مسح ذاكرة الفطرة وشحنها قسراً بذاكرة الإبادة والقتل والتدمير والإفناء باسم الحضارة وبهدف الإبادة. وكله يأتي ضمن عملية توظيف مساحة يمكن استخدامها وتوظيفها، إما بالشحن أو التفريغ، لخدمة آلة القتل والتدمير. وهنا قد لا يكون مريحا للسادة الكبار المتحضرين ووسائل الإعلام الموضوعية وغير الموضوعية طرح السؤال: ما الذي كان سيقال لو أن دولة عربية أو "غير متحضرة " استخدمت أطفالها لكتابة رسائل على الصواريخ والقنابل؟ ربما كانوا سيقولون لنا إن رسائل المتخلف تظل متخلفة وإرهابية ومعادية للحياة مهما كان موضوعها وأينما كتبت، إلا إذا كانت توجه الشكر والاحترام والولاء للسيد المتحضر. أما رسائل القوي المتحضر فتظل حضارية وفي خدمة الإنسانية حتى ولو كتبها الأطفال على صواريخ وقنابل موجهة لقتل الأطفال.


بنت جبيل فضيحة كان يجب طمرها بأي شكل على الأرض وفي التاريخ والذاكرة. نعم فضيحة. فماذا سيقول فقهاء الهزائم الذين اعتاشوا على تقديسها باعتبارها قدرا علينا قبوله بكل الرضا والامتنان. لقد كشفت عوراتهم وتمادت في تكذيبهم إلى الحد الذي استحقت معه المسح بكل أشكاله. نعم يجب مسح كل المدن العنيدة العاصية و المقاومة لأن وجودها عار وعقبة في وجه تقدم القوى الغازية الحاملة لراية الدمار والقتل, ولكن تحت اسم الحضارة والبناء والتقدم. لقد كان تصرف مدن وقرى مثل بنت جبيل وعيتا الشعب ومارون الراس وغيرها انتكاسة لمشروع الغزاة مهما اختلفت أسماؤهم. فإذا ما انتقلت عدوى هذه المدن العنيدة الرافضة لفتح ذراعيها للغزاة وانتشرت بين مدن العالم الأخرى، سيخسر العالم العيش في نعيم "فوضى الإمبريالية المتوحشة الخلاقة" والديمقراطية الإسرائيلية القائمة على إبادة الآخر أو طرده من بلاده لخلق الدولة ذات الدين الواحد والعرق الواحد.

هذه المدن التي لا تفهم الدبلوماسية المتحضرة وبروتوكولات السياسة تشبه الأولاد الأشقياء الذين لا يتحملون كذب أهلهم أمام الضيوف فيرفعون أصواتهم بقول حقيقة ما يعرفون. لذلك لا بد من إبعادهم أو إشغالهم بشيء ما ريثما يذهب الضيوف كي يكذب هؤلاء الكبار كما يشاؤون ويحافظوا على الصورة التي كونها لهم ما صنعوه من أكاذيب وقصص مختلقة لا يطيقها صدق الأطفال وبراءتهم. لكن المدن البريئة لا تلعب ولا يمكن رشوتها . فما من دواء لها سوى مسحها عن الأرض ومن ذاكرة الأطفال كي لا يظهر عار الكبار وكذب السادة المتحضرين من الغزاة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي


.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل




.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل


.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق




.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا