الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في سيرة تفاحة

ايفان عادل

2007 / 7 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اكتشف الانسان سرَّ الجاذبية بسقوط تفاحة (كما يُقال), وسقط الانسان في اكتشاف الخطيئة بسرٍّ في تفاحة (كما يُقال أيضاً), وسرُّ الانسان الذي يبقى بعيداً عن درب الطبيب يكمن في أن تكتشف تفاحة ٌ واحدة يومياً متعة ً جديدة في القضاء على مسببات جديدة لأمراض ٍ تسقط خائبة خاسرة أمام قوة جسد هذا الانسان, إذا ما أكل كلّ يوم تفاحة واحدة ... (وهذا أيضاً كما يُقال).
فهل التفاحة إذاً.. مسكينة ٌ طيبة أم أنـّها شريرة ٌ خبيثة ...؟
وهل دخلت مسرح الأحداث في لحظة الوقوع في عالم الخطيئة عنوة ً, أم أنـّها دخلته بكامل رضاها وقناعتها مع أنـّها كانت تمثل ثمر الحكمة في ذلك الوقت فمن يأكلها سيعرف كيف يميّز بين الخير والشر وسيفقد أموراً كثيرة ليحصل على أمورٍ أخرى, فما أن أكل الانسان منها حتى فـَقـَدَ صحبة الخالق وبهذا فـَقـَدَ الخلود الذي كان من حقه أن يتمتع به فصارت حياته تنتهي في يوم ٍ أخذ يسميه بعد ذلك يوم الأجل وعرف أموراً جديدة مثل الخوف والحذر والخجل وعرف التعب أيضاً فلم يرضى بعدها بجلده كساءً له بل بدأ رحلة البحث عن أوراق التين (كما ... يُقال).
إن كانت التفاحة قد أخذت ذلك الدور عنوة ً ولم يكن بمقدورها أن تفعل شيئاً في تلك اللحظة, فهل تحرّرت بعض الشيء وصار القرار قرارها لتأتي إلينا بعد ذلك في دور ٍ جديد كطبيبةٍ تحاول أن تبيّن لنا حقيقتها الطيبة وتسعى الى شفاء أجسادنا بعد أن ساهمت قبل ذلك في قتلها ... دون عمد .
فجاءت إلينا معلنة ً إستعدادها للموت معنا والرجوع الى نفس الأرض التي سنرجع إليها كلـّنا ذات يوم والى نفس التراب الذي احتضن بذرتها الأولى وشارك أيضاً في جبلتنا الأولى. جاءت تسقط على الأرض أمام شخص ٍ كلّ ما قدر عليه في ذلك الوقت هو قول .. (إنـّها الجاذبية), في حين أنّ هذه التفاحة المسكينة لم تكن تنوي أن تصبح جزءً من تجربة علمية أو تأخذ دوراً جديداً في مسرحية جديدة, أنا لا أعتقد أنّ التفاحة تكترث لجاذبية العلماء أو تريد أن تبحث معهم في كشف أسرار الكون أو تسعى لرفد رفوف المكتبات بكتب الفيزياء والفلك بكلّ ماهو جديد وممتع عن الجاذبية, فهذه المسكينة جاءت لتقول لنا ... أنا أيضاً من تراب ومثلكم الى التراب أعود.
أما إن كانت التفاحة قد دخلت مسرح الأحداث برضاها ولعبت دورها بكلّ براعةٍ واتقان وبكلّ طاعةٍ واذعان لتـُسقط كائناً مسكيناً لم يلبث أن يتهنـّى بجـِنانه حتى أطاحت به خارجاً الى أرض ٍ قاحلةٍ جافةٍ يابسةٍ جرداء, أرضٌ صار الانسان فيها كلّ ما يرى (صدفـة ً) حديقة ً جميلة أو روضة ً رائعة أو بقعة ً خضراء يشقـّها جدولٌ صغير تتلاعب فوق مياهه أشعة الشمس الصامتة لتعزف ألحاناً عذبة تشكل مع زقزقة العصافير ورفرفة أجنحة الفراشات أجمل سمفونية يمكن للانسان أن يسمعها يوماً, صار يقول .. (الله .. ما أجملها) وأول ما يفكر فيه وهو يقول ذلك هو.. (كيف سأمتلكها ..؟)
قد يسحب البعض منـّا أنفسهم من هذا التفكير بعد أمنيةٍ لاتعيش كثيراً من الزمن لتتحول الى سؤال آخر وهو .. (كيف سأجعلها أحلى ليتمتع بجمالها وفوائدها أكبر عدد ممكن من البشر ..؟) مع أنّ الكثيرين منـّا (دون شك) يبقى السؤال الأول متحركاً فيهم ويحركهم حتى يسهل عليهم إزاحة أيّ شخص من طريقهم يفكر في إمتلاكها حتى لو كان الأقرب إليهم لأن السؤال سيصبح حينها (كيف سأمتلكها وأملك كلّ مافيها لي أنا فقط ..؟ )
عبارة (الله .. ما أجملها) يقولها الانسان بحسرةٍ تظهر على وجهه كفرحةٍ ممزوجة مع حنين ٍ الى جـِنانه التي يشتاق الكثيرون منـّا الانطلاق والعودة إليها ثانية رافضين كلّ ما تريد أن تقوله التفاحة في مسرحيتها الجديدة والتي تحمل عنوان .. ( الجاذبية ... هي نحو الأرض).
إذن .. مسكينة ٌ طيبة ٌ هي التفاحة أم شريرة ٌ خبيثة ٌ هي ...؟
ولماذا تم اختيارها من بين أبناء جنسها عبر الأزمان لتحمل مسؤوليات كبيرة جداً أكبر من حجمها بكثير ٍ كثير؟
هي رحلة ٌ طويلة ٌ جداً ...
رحلة ُ الانسان مع الأخطاء والأعذار ومع الحجج والأفكار, رحلة ٌ يتنافس فيها الأخيار والأشرار مع بعضهم البعض وحتى فيما بينهم أحياناً, فصعبٌ علينا جداً أن نعترف أنـّنا نحن من قام بهذا العمل المهين أو نحن من ارتكب ذلك الفعل المشين, إذ يجب أن نلقي باللوم دائماً على التفاحة الأولى, حتى حينما نكتشف شيئاً جديداً أو مفيداً نحاول أن نطرحه ونشرحه بفلسفة التفاحة ...
لا أستبعد أن يقول واحدٌ من العلماء يوماً أنّ أول فاكهةٍ اكتشفت على سطح المريخ كانت ... تفاحة ...!!
وأخيراً أقدم الى التفاحة اعتذاري, إذ لم أضع في المقدمة الأحداث التي دخلت فيها حياتنا حسب تاريخ حصولها وذلك لأنـّي قبل أن أكتب ما كتبت كنت آكل تفاحة ً سقطت من يدي على ورقةٍ كان الضجر من بياضها قد بدأ يأكلها شيئاً فشيئاً, وهكذا صارت التفاحة ملهمتي, لا خطيئتي أو معرفتي أو سبباً لصحتي, نعم كانت ملهمتي حتى آخر نفس ٍ فيها وحتى آخر حرفٍ فيَّ (وليكن هذا أيضاً .. كما يُقال)...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م