الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سبيل حركة تحرر ثقافية.. اقتراح مبادئ

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 7 / 18
المجتمع المدني


تشهد الساحة الثقافية العراقية، بين آونة وأخرى، تحركات ثقافية عديدة، من إقامة تجمعات و تشكيل اتحادات ، ومشاريع متنوعة ، وتكاد أن تكون لها أهداف متشابهة ، وفي مقدمتها خلاص الشعب العراقي من الإرهاب ، وترسيخ نظام وطني ، والسيادة الوطنية. وكل هذه التحركات الثقافية لا تخرج من الإطار الوطني البرجوازي ، الذي يشغل فيه اليسار التقليدي الوطني البرجوازي الحيز الأكبر. ويشهد لكل هذه الحركات الثقافية استنادها على الثقافة الوطنية، وتقديسها " للتراث وتقاليد شعبنا الوطنية"، مهما بلغت هذه التقاليد من رجعية وتخلف ولا إنسانية، ما يدعو اليسار التقدمي الماركسي والاشتراكي إلى التفكير في خلق حركة ثقافية تحررية بديل.

ومن المفارقات الطريفة، لكن غير المستغربة ، أن تلك المحافل تلم ّ بين ظهرانيها اتجاهات تبدو في الظاهر متناقضة ، من قبيل معادين للاحتلال الإمبريالي ، ومتعاونين معه، والبعثي ومن يريد اجتثاثه، والانتحاري و ضحاياه و من تطلق عليهم تجاوزا عبارة "شيوعيين" لكنهم يموتون عشقا وهياما في لبرالية بوش و تاتشر و بلير ، ويعتبرونهم آلهة الحرية و الرفاه والتحضر.فلا استغراب في هذا الأمر، لأن ما يجعهم في الجوهر يبقى أقوى من هذه المظاهر. إن ما يجمعهم هو الإيمان بقدسية الثقافة القومية والوطنية، والدفاع عن الوطن وسيادته ووحدته ، ومعاداة الأجنبي من يكن فليكن، ومواجهة ما يستسيغون تسميته ب " غزوه الثقافي" . فطالما جمعتهم هذه المبادئ، بدون تبني أهداف تقدمية إنسانية معادية للعنصرية والشوفينية و الرجعية ، فلن تبقي لمعاداة الاحتلال ، أو التعاون معه ، والارتزاق منه أية قيمة أو معنى.


إن ّ ضعف حركة تحرر ثقافية، أو اقتصار وجودها على مبادرات غير منتظمة، حقيقة لا يمكن إنكارها. حركة ثقافية هدفها التحرر من الثقافة التقليدية البالية، وتبني الحداثة. فعودة قيم البداوة وسيادتها ، أو العناصر الرجعية في الثقافة التاريخية المسماة الرافدينية أغرقت المجتمع العراقي في ظلام دامس ، وتقف عائقا كبيرا أمام تحقيق الطموحات التقدمية و الإنسانية.فالثقافة التقليدية التي تمد جذورها في المجتمعات الطبقية التي وجدت قبل قرون عديدة لم يعد لها اليوم ما يربطها من صلات بالروح الإنسانية أو الحداثة.

هذه الثقافة المنحطة السائدة في هذه الفترة لا تقتصر على حملها شحنات سلبية وفيروسات أمراض اجتماعية خطيرة ، بل أمست أداة للقمع و ترسيخ التخلف والرجعية و تقوية السلطات الطائفية والقومية و المافيات و التنافس على كسب رضا السلطة الإمبريالية، لأن الثقافة "الوطنية أو الأصيلة"، مثلما يحلو للمثقفين الوطنيين تسميتها، بات إخضاع المجتمع لسلطة المافيات الرأسمالية المتنوعة من وظائفها الرئيسية. وإن أي انتقاد لهذه الثقافة الوطنية والتراث والتقاليد - حسب تعبير اليسار البرجوازي الوطني التقليدي - يواجَه بالقمع و الاتهامات بالعمالة " للاستعمار و الصهيونية والأجنبي" لأن هكذا انتقاد يمس في الصميم أحد أركان النظام الرأسمالي السائد، ألا وهو ثقافته التضليلية.

إن ّ ممالك الطوائف العراقية لا تعدو كونها افرازات النظام الرأسمالي العالمي المتعفن و إن هذه الافرازات الرأسمالية ليست نظاما رأسماليا من النوع التقليدي المألوف في الغرب، سواء إبان صعود البرجوازية التقدمية أو أفول نجمها التقدمي ، بل أنها تشغل حيزا كبيرا من مساحة الفكر والثقافة النازيين و الفاشيين. قد أمسى الوقوف بوجه التقاليد البالية شكلا من أشكال مواجهة أحد أركان الرأسمالية.
و إن من أولى مهمات القوى الاشتراكية الطبقية هي إسقاط كل سلطة رجعية ، وإعلان البديل التقدمي الإنساني ، لكن مواجهة النوع الفاشستي من السلطات الرأسمالية المافيوية مهمة ملحة، بل أكثر إلحاحا من مواجهة السلطات البرجوازية التقليدية.
و في الحالة العراقية ينبغي التأكيد على السمات الفاشية لسلطات الاحتلال، من قبيل انعدام الأمن والأمان و انتهاك الحقوق الإنسانية و اضطهاد المرأة و سلب حرياتها.
في ظروف الحرب والإرهاب والإسلام السياسي يكون للسلطات الدينية أبشع و أخطر وجه لا إنساني همجي. الحديث يجري أحيانا عن الخلاص الثقافي كبنية فوقية للحركة اليسارية التقدمية ، إذ أن المجتمع العراقي يمر في فترة دامية و ظلامية قل نظيرها بعد أن كان مثالا لمجتمع متسامح وغير متعصب لناس يتعايشون منذ عصور في تسامح ووئام دينيا وثقافيا واجتماعيا، يغضون الطرف حتى عن تعاليم دينية تدعو إلى البغضاء والتمييز بحق أناس آخرين دينيا و مذهبيا و...

إن أهمية الخلاص الثقافي تكمن في مغزاها السياسي ، إذ اليوم في العراق بات التحرر من الثقافة السائدة متماهيا مع الخلاص من الوضع الذي خلقه الاحتلال و افرازاته. اليسار الطبقي العمالي والاشتراكي يهدف إلى إزالة الثقافة البالية القومية و الإسلامية البالية، و إسقاط النظام الاقتصادي و السياسي و العسكري لممالك الطوائف. هذا اليسار المختلف عن طيف اليسار التقليدي المتمثل بالحزب الشيوعي العراقي و مشتقاته ، يريد القيام بالثورة في جميع الأبعاد الاجتماعية على النظام الرأسمالي، و يعتبر الثورة الثقافية أحد أوجه النضال وأهم وسيلة إلى جانب الوسائل السياسية والاقتصادية ، و لعلها أهمها.
فلا شك أن هذه الحركة الثقافية التحررية نشهد بوادرها عند مثقفين ، و ثمة بعض يعملون على ترسيخ جذورها في المجتمع ، و وضعها على طريق النجاح و تفعيل تأثيراتها .
و يمكن لأي مراقب مشاهدة الجيل الجديد تمردهم على الثقافة التقليدية، و ابتعادهم عن الثقافة القومية الطائفية بعد أن أدركوا مدى خطورتها على إنسانية الإنسان وحضارته و تمدنه. و لذا تبرز الحاجة والضرورة لتحريك لتنوير الشباب بجوهر تمردهم، و البديل الذي يطرحه اليسار الاشتراكي، بدون لعب دور المتفرج و المصفق.
و أن حضور قوى غير الطبقة العاملة في حركة التحرر الثقافية مبعث قلق بعض اليسار الشيوعي، ما يدعوهم إلى تصورها بأن ثمة لا صلة تربطها بالحركة اليسارية الاشتراكية.
لكن على هذا القسم من اليسار الاعتراف بأنه لا يمكن وجود حركة ثقافية خالصة عمالية ، أو برجوازية ، بل هي مختلطة و ليست عمالية صرف ، ولا فلاحية صرف ولا برجوازية صرف ، ولا يعني ذلك أن إسهام الطبقة العاملة فيها سيصب في صالح طبقات أخرى بدون مصالحها. إن المفهوم السياسي للنضال ضد الثقافة المنحطة السائدة، وأن أي درجة كانت من تحدي الوضع السائد، يكون تماما في خدمة الحركة الاشتراكية.
إن الطبقات الأخرى ليس هدفها الثورة, و لا التغيير الجذري في المجتمع، وأن حضور اليسار الاشتراكي العمالي أمر حاسم في إضفاء السمات التقدمية والإنسانية على هذه الحركة الثقافية وتوجيهها وجهة اشتراكية طبقية، وترسيخ فكرتها في عقلية المجتمع.
إن ّ هذه الحركة جزء من التيار الأساس للمعارضة الاجتماعية التي بإمكانها أن تتحول إلى تمهيد للثورة ، و أن تلعب دورا عمليا في توسيع الثورة الاشتراكية ، و أن تدفع دفعة قوية في تحقيق المجتمع الاشتراكي .
التمرد والطغيان الثقافي على الوضع السائد إنما هو متراس مشترك مهم لحركة الشباب و حركة تحرر النساء، رغم المد والجزر، الزماني والمكاني الذين ينتابانه، لكن التوصل إلى بلاتفورم مشترك للنضال في فترات معينة أمر ضروري، من قبيل توحيد الخطابات في قضايا المرأة و الشباب و المجتمع المدني.
وثمة مساحة واسعة للتحرك و العمل أمام حركة التحرر الثقافية في كل ميادين المجتمع المدني ومنظماته ، أقربها مواجهة الثقافة اللا إنسانية السائدة والعمل على قلعها ، وفي مقدمتها العنصرية والشوفينية ، وختان البنات وغيرها. ويلعب موقعنا " الحوار المتمدن" دورا مهما وكبيرا في نشر ثقافة التسامح و التحرر و الإخاء الإنساني ، ومحاربة كل ما يمت ّ بصلة بالرجعية والتخلف واللا إنسانية.

‏17‏/07‏/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م


.. معاناة النازحين الفلسطينيين في غزة تزداد جحيماً بسبب ارتفاع




.. السيسي: لم تتردد مصر في إغاثة الأشقاء الفلسطينيين وصمدت أمام