الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطورة شهر تموز وقمع الشعب العراقي

يحيى الشيخ زامل

2007 / 7 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شهر تموز من كل عام لا يمر من دون إنذار في كل الأجهزة القمعية للنظام السابق ، ولا يمر إلا والنظام يعيش موقفاً قلقاً من فوبيا الثورة أو الانقلاب ، ولا يمر إلا وبعدها يتم إعدام مجموعة من القادة أو الضباط أو السياسيين بتهمة التآمر والخيانة ، وكأنة نقمة أبدية حلت على العراق مع أن أجهزة النظام الإعلامية تصرخ جهاراً نهاراً أنه أسعد شهر في تاريخ العراق الحديث ، ولكن من بقي على قيد الحياة ورأى بأم عينيه ( التي ستأكلها الدود طبعاً ) حجم هذه السعادة التاريخية التي لا تضاهيها أي سعادة في العالم لأن العراق بعدها عيّن نفسه شرطياً في مركز (الأمة العربية ) ليمنع عنها جميع اللصوص وقطاع الطرق من الإمبرياليين والاستعماريين و(من لف لفهم ) من العملاء والخونة ودعاة الاستسلام والسلام مع أعداء الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، كما أن كل ضحايا الحروب الثلاث ( الأيرانية ،الكويتية ، أم المهالك ) ( فدوة ) للأمة العربية وبوابتها الشرقية التي ستكون الصخرة الصلدة التي تتكسر عليها كل مؤامرات الأعداء والأصدقاء في حال أنهم سيتحولون في المستقبل إلى أعداء ، كما يقول المذيع ( رشدي عبد الصاحب ) من على القناة ( تسعة ) في النشرة الإخبارية الرئيسية .
بدأت الثورة كما يقولون أو الانقلاب : في صباح يوم الاثنين الموافق 14 / تموز/ 1958 ، وتم إعلان قيام الجمهورية العراقية وانتهاء حقبة العهد الملكي من خلال البيان الأول للحركة والذي أذاعه (عبد السلام عارف ) من دار الإذاعة ، وذلك بعد نجاحه في قلب نظام الحكم بالسيطرة على القيادة العامة للجيش ودار الإذاعة ومجمع بدالة الهاتف المركزي، من خلال قطعات اللواء العشرين الذي بإمرته ، وبإسناد من زملاءه أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين او( الأحرار) ، في الوقت الذي اخذ المواطنون على حين غرة وقد فوجئوا بنشيد( الله اكبر )الحماسي ثم تلته أناشيد ثورة ( رشيد عالي الكيلاني) : (لاحت رؤوس الحراب) ، و( موطني ) ، ثم أهدت ( ام كلثوم ) للعراق أنشودة (بغداد يا قلعة الأسود )، التي كان يمتزج صداها مع ازيز الرصاص ودوي المدافع ، وبعد ذلك قطع البث الإذاعي فجأةً ، وأعلن المذيع بأن نبأ هاما سيذاع من محطة دار الإذاعة العراقية من بغداد .. وساد صمت مطبق في الازقة والشوارع المكتضة بالجماهير الهائجة وهم يصغون إلى اجهزة المذياع المنتشرة في المقاهي والاماكن العامة .. وبعد دقائق من الانتظار تقطعت فيها انفاس الجماهير وهي تنتظر اللحظات الثقيلة التي مرت ببطء .. واذا بدوي صوت جهوري ذو نبرة حماسية يعلن النبأ الهام .. انه ( البيان الاول ) للثورة يذيعه العقيد الركن عبد السلام عارف والذي استهلة بآية من الذكر الحكيم ، وفي نهاية ذلك اليوم التموزي القائض تعرفت الناس على بقية القادة كالعميد الركن عبد الكريم قاسم وبقية أعضاء تنظيم الضباط ، فأخذت جموع الجماهير تهتف لهم كما هتفت "للثورة" وللعراق ، وتطلق شعارات عربية أخرى تّذكر بأمجاد العرب وتنادي بالوحدة مع الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العربية المتحدة.
ثورة أم انقلاب ؟ تسأل الكثير من العراقيين عن هذا النظام الجديد والتغيير الكبير الذي حصل في العراق ، في وقت أنبرى المثقفين يفسرون كلمة الثورة والأنقلاب لمن يسألهم : هنالك تعريفين ومفهومين معجميين للثورة ، فالتعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الاولى للثورة الفرنسية وهو: ( قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة) . وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماها بديكتاتورية البروليتاريا. اما التعريف او الفهم المعاصر والاكثر حداثةً للثورة هو : (التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال ادواته ـ كالقوات المسلحة ـ او من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية) . أما الانقلاب العسكري فهو : ( تحرك ثلة من الجيش بقيادة احد الضباط للاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحات واطماع ذاتية بغية الاستفادة المادية من كرسي الحكم ) .
ومنذ الأيام الأولى للحركة التي أطاحت بالنظام الملكي بدأ يظهر التناقض الفكري بين عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم وعمّق ذلك سياسات كل من الطرفين غير المتحفظة تجاه الطرف الأخر والتي أدت إلى التنافس على زعامة الحركة فيما بينهما ، حيث ما لبث إن حصل الخلاف بين (عارف وقاسم ) بسبب تناقض انتماءات الطرفين وبسبب ما اعتبره عبد السلام عارف تفرد العميد عبد الكريم قاسم بالحكم وعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي وإحداثا أخرى ، تحالفت عدد من القوى السياسية والعسكرية من أعضاء تنظيم الضباط لحركة تموز 1958كالتيارات المختلفة لحزب البعث وبعض التنظيمات والشخصيات القومية والمستقلة ، مع بعض الشخصيات العسكرية من الأعضاء السابقين لتنظيم الضباط لحركة 14 يوليو / تموز 1958 والذين أعادوا تفعيل التنظيم مجددا وقيادات عسكرية أخرى من المعارضين لسياسة عبد الكريم قاسم ، وقامت بحركة لقلب نظام الحكم في 8 فبراير / شباك 1963 ، وأصبح المشير عبد السلام عارف رئيسا رمزيا للجمهورية واللواء احمد حسن البكر احد زعماء حزب البعث البارزين رئيسا للوزراء. وتم قتل رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ورفاقه بصورة سريعة في مبنى الإذاعة خوفاً من فشل الانقلاب .
وبعد أن قتل عبد السلام عارف في حادثة الطائرة المشهورة ، تسلم أخوه عبد الرحمن عارف الحكم ، ولكن الرفاق البعثيين استولوا على الحكم بانقلاب أبيض ، وأيضاً بشهر تموز في اليوم السابع عشر منه من عام 1968 ، برئاسة البكر ، ثم بانقلاب ( أبيض جداً جداً ) في يوم 16/ من شهر تموز أيضاً وفي عام 1979 ، ترأس العراق صدام حسين وإلى إسقاطه في 9/ نيسان/ 2003، والعراق يعيش الهوس الأسطوري لشهر تموز ونظرية المؤامرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا