الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمبارك الأرضي أستاذ التاريخ وعضو المكتب الوطني للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي يتحدث عن الأمازيع .. التسمية، الأصول، الوطن

مصطفى عنترة

2007 / 7 / 21
المجتمع المدني


يقف مبارك الأرضي، أستاذ التاريخ وعضو المكتب الوطني للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، في هذا اللقاء عند ثلاثة إشكاليات أساسية مرتبطة بالشعب الأمازيغي بشمال إفريقيا سبق أن شكلت موضوع نقاش العديد من الباحثين والمهتمين بالمسألة الامازيغية، وتتعلق هذه الإشكاليات بالتسمية، الأصول والوطن:
يعتبر الشعب الأمازيغي من اندر الشعوب التي تعرض تاريخها إلى كثير من التأويلات والاتنحـالات والتشويهات، فهذا التاريخ لم يكتبه الأمازيغيون بل كتبه الآخرون الوافدون على شمال إفريقيا قديما وحديثا، وفي كتاباتهم انتحلوا حقائق أقحمت في هذا التاريخ، ليس من أجل خدمة العلم والتاريخ في شيء، وإنما لأسباب سياسية وإيديولوجية تهدف إلى تبرير الاستيطان.
ويلاحظ أنه في كل حديث عن الأمــازيع وتاريخهم تعترضنا ثلاثة مشاكل : أولها مشكلة التسمية حيث عرفوا في مختلف الكتابات التاريخية بأسماء لم يطلقوها على أنفسهم، ثانيها مشكلة الأصول، وفي هذا الجانب تلتقي آراء المؤرخين والباحثين لترجع هذه الأصول إلى مناطق خارج بلاد شمال إفريقيا، وثالثها مشكلة تسمية الوطن الأمـازيغي أو التسمية الجغرافية التي تطلق على المنطقة التي استقروا بها، وفي هذا الجانب أطلقت الشعوب الأجنبية الوافدة عدة تسميات على المنطقة.

أولا: مشكلــة التسمية
أطلقت عدة تسميات على سكان شمال إفريقيا صاغتها الشعوب الأجنبية الوافدة عليهم، لكن التسمية الأصلية التي أطلقها السكان الأصليون على أنفسهم هي ايمازيغن وهي جمع مفرده أمازيغ، وهو الاسم الذي يسمي به " البربر" أنفسهم، ومؤنت أمازيغ هو تامازيغت ويطلق على المرأة وعلى اللغة، وحرف الزاي في " أمازيغ " يتحول إلى هاءا أو شينا أو جيما، حيث تنطق اللفظة " اماهغ " عند الطوارق الجزائريين، و " اماشغ" عند الطوارق الماليين و " اماجغ " عند الطوارق النيجريين.
ومدلول " إمازيغن " يعبر عن النبل والشهامة ويعني الرجال الأحرار، وهذه التسمية قديمة وبها عرفهم أقدم المؤرخين وكذلك جيرانهم المصريين القدماء، ولكن مع تحريف لاسمهم في النطق والكتابة. فالمصريون القدماء كانوا يسمونهم " ماشوش "، أما المؤرخ اليوناني هيكاتايوس hecataios فذكرهم باسم " مازييس" Mazyes أما هيرودوت فذكرهم باسم "ماكسييس " أما المؤرخون اللاتينيون فحرفوا نفس الاسم إلى " مازكس " Mazax و "مازيكس" Mazikes.
وهناك تسمية أخرى أطلقت على الأمازيغ وهي " ليبو " نسبة إلى قبيلة كبرى تستقر غرب مصر، ومنها جاءت تسمية " ليبيا " التي أطلقها اليونان على كل الأراضي الممتدة من حدود مصر إلى المحيط غربا.
ومع قدوم الفنيقيين إلى شواطئ إفريقيا الشمالية ازداد اهتمام اليونان والرومان بالمنطقة فأطلقوا على سكانها اسم " الأفارقـة " ويصنفونهم إلى ليبيين ونوميديين وموريين، ويلاحظ أن اليونان كانـوا يطلقون تسمية " بارباري " Barbariعلى غيرهم من الشعوب، وقد أخذها عنهم الرومان فصاروا يسمون بها كل شعب خارج عن المجال الحضاري اليوناني واللاتيني، وخاصة الشعب الأمازيغي، وهذه التسمية قدحيـة وتعني غير المتحضرين، والهمجيين Les barbares.
وعندما جاء العرب إلى شمال إفريقيا اخذوا عن الروم البيزنطيين كلمة " بارباري" فاطلقوا بدورهم على سكان المنطقة اسم " البربر"، أما الفرنسيون الذين غزوا الجزائر في أوائل القرن 19 فأطلقوا عليهم بدورهم اسم "لي بيربر " les Berberes، وسموا منطقة الشمال الإفريقي " بارباريا " Barbaria . وعلى كل فإن الأمازيغ قد تجاهلوا اسم " البربر " و " بيربر " القدحي واحتفظوا باسمهم الأصلي : الأمازيغ، او إمازيغين.

ثانيـا : مشكلة الأصول
كل حديث عن الأمازيغ " البربر" يبدأ عادة بمسألة أصلهم الذي أسال الكثير من الحبر ولا يزال، ذلك أن كل من بسط نفوذه على أرض شمال إفريقيا إلا ويحاول تبني هذا الأصل. فالمؤرخون العرب القدامى ردوا أصل الأمازيغ إلى أصول عربية من اليمن والشام، ونفس الشيء سلكه المؤرخون والباحثون الأوربيون الذين ربطوا بدورهم الأمازيغ بالأصول الأوربية.
إن مسألة أصل الأمازيغ دفعت جل الإخباريين والنسايين والمؤرخين والباحثين، منذ القدم إلى الآن، إلى البحث في هذا الأصل الذي نسجت حوله كثير من الفرضيات القديمة والحديثة.

ـ فرضيات المؤرخين اللاتينين :
أمثال المؤرخ سالوست الذي تحدث عن قدوم الفرس والأرمن والميديين إلى إفريقيا واختلاطهم بالجيتوليين والليبيين، ثم هناك المؤرخ يروكوب الذي ذكر بان الكنعانيين قدموا من فلسطين واستقروا بليبيا.
ـ فرضيات المؤرخين العـرب :
وترى الأمازيغ جاؤوا من اليمن كما يؤكد ذلك الطبوى، وابن قتيبة وابن عبد البر. أما البكرى وابن الكليي فذكرا بأنهم قدموا من الشام.
أما المؤرخ ابن خلدون فيبدأ تاريخه عن البربر بعرض جميع الأطروحات المتعلقة بأصلهم وانتهى إلى دحضها جميعا " واعلم أن هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة عن الصواب " إذن ابن خلدون يرفض فرضية الأصل ا لعربي للأمازيغ " البربر " حيث نفى انتسابهم إلى جالوت والعماليق وقدومهم من الشام، كما فند الأصل الحميري اليمني الذي ما زال يستهوي كثيرا من الدارسين المحدثين لتأكيد الأصل العربي للأمازيغ.
ويوضح ابن خلدون ان المبدعين والمتملقين هم الذين اختلقوا أصلا عربيا ونسبا " شريفا " للدول البربرية، كما يبدي تعجبه من اقتصار الأمر على البربر في البحث عن أصل لهم خارج بلادهم المغرب، ولكنه ارجع بدوره الأمازيغ إلى أصل شرقي مؤكدا أنهم أبناء كنعان بن حام بن نوع، وفي هذا يتفق مع المؤرخ اللاتيني يروكوب.

ـ فرضيات الباحثين الأوروبين :
حاول الأوربيون إضفاء الطابع العلمي على نظرياتهم، إلا أنهم لا يختلفون عن سابقيهم، انطلقت هذه النظريات منذ القرن 19 وبداية ق 20، ويمكن تقسيمها إلى نوعين من الأبحاث :
ـ الأبحاث الأولى اعتمدت على دراسة النصوص الإفريقية واللاتينية والعبرية، وتتبنى فرضية الأصل الشرقي للأمازيغ، فبعضها يرى قدوم الكنعانيين من فلسطين إلى شمال إفريقيا والبعض الآخر يرى أن الهكسوس عندما طردوا من مصر انتقل قسم منهم إلى إفريقيا واختلط بالليبين وهناك فرضيات أخرى ترجع الأمازيغ إلى الأصل الهندي ثم إلى الأصل الإغريقي.
- الأبحاث الثانية يتبناها علماء الآثار ( الأركيولوجيا) وأصحابها فرنسيون، ظهرت في القرن 19 واعتمدت على التحريات الأثرية وعلى بعض الملامح الإثنية لتأكيد الأصل الغالي gaulois والسلتي celte أي الأصل الأوربي للأمازيغ، والملامح التي تستند عليها هي وجود أفراد دوي شعر أشقر وعيون زرقاء ضمن الأمازيغ والحقيقة أن هذه الفرضية لا تبتعد عن الاعتبارات السياسية التي تهدف إلي تبرير الاستعمار الفرنسي للجزائز، أما وجود تشابه بين عناصر امازيغيـة وأوروبية فيفسر بقدوم عناصر كثيرة من الشمال انصهرت مع الأمازيغ الأصليين وهذا ما حدث ويحدث في كثير من مناطق العالم.

ـ الأبحاث الأركيولوجية:
انطلقت منذ 1906-1960 في الغرب الكبير، وبفضلها تم إعادة النظر في مختلف الفرضيات حول أصول الأمازيغ. وهذه الأبحاث تتفق كلها على جعل القارة الإفريقية مهدا للإنسانية وان شمال إفريقيا هو إحدى البقع البشرية القديمة في إفريقيا، والدليل على ذلك الحفريات في سيدي عبد الرحمان بالدار البيضاء ثم في الرباط والأطلس وغيرها، التي عثر فيها على بقايا عظيمة لأقدم إنسان كان يعيش على هذه الأرض منذ أقدم العصور الغابرة التي تقدر بمئات الآلاف من السنين.
ونستنتج من هذا أن الإنسان قد سكن هذه المنطقة قبل استقرار المجموعات البشرية الأولى بالشرق العربي، ومن هنا يمكن لنا أن نفترض أن انتقال الإنسان قد حصل في الواقع من إفريقيا إلى الشرق وليس العكس.
وفي الحقيقة فإن مسألة البحث عن أصل الأمازيغين، هل من الشرق أو من الغرب لم تعد ذات فائدة، ولم تعد تهم الأمازيغيين لأن مشكلة الأصول لا تهمهم وحدهم بل تهم البشرية بكاملها، ولكن الذي يهمهم هو واقعهم اليوم الذي يفرض ضرورة الاعتراف بهويتهم ولغتهم وحضارتهم في وطنهم.
ثالثـا: مشكلة الوطـــــــن
وتتعلق بالتسمية الجغرافية التي يمكن أن تطلق على الوطن الأمازيغي، فهناك غموض تاريخي وأحيانا جغرافي حول هذه التسمية، فبلاد الأمـازيغ أطلقت عليها عدة تسميات تختلف حسب الفترات التاريخية، وأول تسمية احتفظ بها التاريخ هي " ليبيا " التي أطلقها حسب الفترات التاريخية، وأول تسمية احتفظ بها التاريخ هي " ليبيا " التي أطلقها اليونان القدماء على شمال إفريقيا، أما الرومان فأطلقوا كلمة " إفريقيا " على جزء من شمال إفريقيا، أي تونس الحالية، كما أطلقوا " نـوميديا " على الجزائر و " ماوريتاينا " على المغرب.
أما العرب فسموا شمال إفريقيا " بلاد البربر " ثم " جزيرة المغرب " ثم " المغرب " فقط والذي قسمه الجغرافيون العرب إلى ثلاثة أقسام : المغرب الأدنى، المغرب الأوسط والمغرب الأقصى.
أما في القرن 19 فدخل الفرنسيون إلى المنطقة وأطلقوا عليها كلمة " بيربيري " كما استعملوا تسميات أخرى مثل " إفريقيا الشمالية الفرنسية " و " إفريقيا الصغرى "
ويلاحظ أن هذه التسميات المختلفة التي أطلقت على الوطن الأمازيغي لا تعبر عن الحقيقة الجغرافية والتاريخية والبشرية للمنطقة، فالسكان الأصليون لم يطلقوا هذه التمسيات على أنفسهم، بل هي تسميات أطلقتها الشعوب الوافدة على وطنهم الذي يمتد على مساحة خمسة مليون كلم متر مربع ( 5 ق كلم مربع ) من واحة سبوا بمصر شرقا إلى جزر الكناري غربا، ومن سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى شمال مالي وبوركينا فاصوا والنيجر جنوبا .
أما الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم فهو " الأمازيغيون " أو إمازيغن، ومن هذا الاسم الأصيل نحتوا اسم الوطن الذي ينتمون إليه وهو " تامازغا " وهو الاسم الذي اصبح يطلق اليوم على شمال إفريقيا.
وفي الوقت الحاضر يظهر أن الأوساط السياسية، والثقافية والإعلامية المستلبة والمتأثرة بالإيديولوجية العروبية ما تزال تتشبث بالتمسية العرقية وهي " المغرب العربي " التي تقصي الامازيغ في وطنهم، والتي لا تنطبق على الواقع الجغرافي، والتاريخي والبشري للمنطقة، لذلك يرفضها الأمازيغيون لأنها لا تعترف بهم، ويفضلون بدلها عبارة " المغـرب الكبير ".












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين