الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروطية والمستبدة

مهدي النجار

2007 / 7 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


: قراءة: مهدي النجار
تأليف: رشيد الخيون
منشورات: معهد الدراسات الستراتيجية 2006 بغداد- بيروت
لقد اغتنت المكتبة العربية بواحد من الكتب البحثية الجادة والعميقة، كتاب المشروطية والمستبدة، وهو من الهدايا الثمينة التي قدمها الباحث رشيد الخيون للقراء بمناسبة الذكرى المئوية (1906- 2006) لحركة المشروطية من اجل نظام دستوري بايران وتركيا والعراق. وجاء الكتاب بمجملة قراءة في تاريخ الخلاف بين المشروطية (الدستورية) والمستبدة وقد انهمك في اضاءة تلك الفترة مع مقدمة وافية لمسألة الإمامة او الخلافة في الإسلام (او ما تعرف حديثاً بالحاكمية) لانها كانت ومازالت عصب الخلاف او نقطة الخلاف الكبرى بين المدارس الاسلامية كافة. والمسألة حسب الفقيه الشافعي والمفكر الاشعري ابي الفتح عبد الكريم الشهرستاني (ت53/ ميلادية) ان: "اعظم خلاف بين الامة خلاف الإمامة.

إذ ماسل سيف في الاسلام على قاعدة دينية، مثل ما سٌل على الإمامة في كل زمان". وكان للمشروطية والمستبدة فقهاء ومفكرون هؤلاء ينظرون واولئك يفتون ويحشدون الاتباع حولهم وبطبيعة الحال كانت العامة تلتف حول المستبدة، لان الاقناع بالتغيير او التجديد له متطلباته الثقافية والحضارية اما المحافظة على السائد فلا تكلف غير تقوية الواعز الديني لذا نجد ان اغلب اتباع المشروطية كانوا من المتنورين من ادباء وشعراء ومتمردين على الاستبداد، وفي مقدمتهم الميرزا النائيني صاحب كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملّة".
يتألف كتاب المشروطية والمستبدة من ثلاثة ابواب يتناول الباب الأول : لمحة تاريخية في الامامة، واقتراب الشيعة من الدولة والمدرسة الشيعية في الحكم. ويدرس الباب الثاني: المشروطية والمستبدة في ايران وتركيا والعراق.
اما الباب الثالث فيتحدث عن النائيني مفكر المشروطية ورسالته "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" ويخلص الباحث على ان ما كتبه الشيخ محمد حسين النائيني في رسالته تلك يعد سابقة يسجلها عالم دين والذي اعتبر في وقتها مفكراً للمشروطية او الدستورية، نجد في الرسالة تأسيساً لحياة برلمانية حديثة، للرعية حقوقها وللحاكم واجباته، وفيها دعوة الى ما يمنع الاستبدادين الديني والسياسي من الانتشار وقد اعتبر الاستبداد الاول (الديني) قاعدة واساساً للاستبداد الثاني (السياسي) وقد شمل نقده لفقهاء الدين المستبدين مثل صاحب "الخراج" قاضي القضاة ابي يوسف او صاحب "الاحكام السلطانية" قاضي القضاة ابي الحسن الماوردي. وكل مَن أسس للاستبداد باسم الدين والمذهب.
وينقلنا الباحث في الفصل الرابع من الباب الثاني الى اشكالية الاستبداد مشيراً في المقدمة الى ان تاريخ الدولة الاسلامية وعلى وجه الخصوص من بداية العهد الاموي حتى نهاية الدولة العثمانية والايرانية القاجارية ، وما حولها من امارات وسلطنات، هو تاريخ ادارة جامعة بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي. وقد تضافرت آراء أكثر العلماء، من الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني.
والكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" يقول : "إن لم يكن هناك توليد فهما اخوان، وابوهما التغلب والرياسة او هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة على التعاون، لتذليل الانسان، والمشاكلة بينهما وانهما حاكمان، احدهما في مملكة الاجسام، والاخر في عالم القلوب" ورغم طول فترة الاستبدادين الديني والسياسي، فان كل ما قدمته الثورات هو استبدال مستبداً بآخر، فما قرأناه في يوميات ثورات الخوارج، والقرامطة، والزنج، والبابكية، والزيدية وغيرها من حركات في التاريخ الاسلامي، كان مغرياً من جانب الخروج على سلطات مستبد وجائر، لكن ليس لدى تلك الحركات او الثورات ما يعالج الاستبداد من الاساس فما ان تنجح الحركة حتى تقيد الناس ببيعة مستبدة جديدة، وهلم جرا.
يستنتج الباحث رشيد الخيون بان الخلاص كما يبدو ليس في الثورة على المستبد فقط، بل في اشراك الامة في السلطة، واشرافها المباشر عليها ويستشهد بافادة أبرز أقطاب التنوير في القرن التاسع عشر عبد الرحمن الكواكبي (ت 1902) حيث يقول: كل يذهب مذهباً في سبب الانحطاط، وفي ما هو الدواء، وحيث اني قد تمحص عندي ان اصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي، وقد استقر فكري على ذلك- كما ان لكل نبأ مستقراً- بعد بحث ثلاثين عاماً..." ثم في الفصل السابع من الباب الثالث يعود الباحث رشيد الخيون يستعرض الممارسة الفكرية للمنظر او المفكر للدعوة المشروطية او الدستورية ويعتبر دعوته تعادل بالنسبة الى زمن الحركة وظروفها واتباعها، منفيستو الحرية والتقدم او هي بمثابة البيان الشيوعي بالنسبة للحركة الاشتراكية (1848) حيث يعتبر النائيني الاستبداد رأس الفساد، وان الاستبداد الديني اخطر من الاستبداد السياسي ويكرر نعت الاستبدادين الديني والسياسي بالشجرة الخبيثة، واعتبر النائيني تحقيق المساواة والحرية ونبذ الاستبداد، وهما اهم اركان الدولة الدستورية، حسب الفقه الشيعي، من وظائف الإمامة "مقدور من القوة العاصمة الآلهية" "في مقام القوة العاصمة الالهية" ولدى اهل السنة "في مقام القوة العلمية وملكة التقوى والعدالة" وربما هذه اشارة في هذا التفصيل الى الدولة الايرانية، حيث رسمية المذهب الشيعي، والى الدولة العثمانية حيث رسمية المذهب السني، إذا علمنا ان المعركة بين المشروطية والمستبدة كانت تجري في الدولتين بقوة آنذاك.
إن أهم مغالطة من مغالطات المستبدين اشار اليها الشيخ النائيني واطنب عندها، فهي حجتهم اننا مسلمون وقانوننا القرآن السماوي والسنة النبوية لاغير، وهي حجة شبيهة بشعار الخوارج "لا حكم الا لله" وان وضع قانون آخر يعد بدعة تتعارض مع الشريعة الاسلامية.
يرد الميرزا بان الحرية والمساواة لا تتعارضان مع الشرع الاسلامي، فالأهم في الامر الغاية والقصد في أن تتفق الامة على تنظيم امورها التي شبهها الميرزا بأهل بيت واحد. وعلى العموم ان المقصد الاساسي من وضع الدستور هو تقييد الظلم والاستعباد، ولم يخرج هذا القانون في حال من الاحوال على مقتضيات الشريعة. ويشير الميرزا النائيني الى أن الجهل منبع الشرور، مثل الجهل في دعوة الانسان الى اشراك المستبد مع الذات الالهية وهي الحكومة الالهية، ويعني هذا جهل الانسان بحريته وبحقه في المساواة، وهي حق الهي مقدس لا يحق للمستبدين مصادرته ويجد في الاستبداد الديني خداعاً للامة وذلك باستغلال جهالاتها ولا علاج لتلك القوى "الملعونة" الا بمعالجة الجهل، وشرح حقيقية الاستبداد والديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا