الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في القامة السامقة للسوسيولوجيا العراقية -2

علي وتوت

2007 / 7 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



احتفاءً بأستاذنا الكبير الدكتور متعب مناف
(2)

الثاني: في جهده الأكاديمي
أما عن جهوده الأكاديمية، فإن (د. متعب) يمثل القامة الشاهقة في السوسيولوجيا العراقية حاضراً، وإذا ما كان الأستاذ (د. علي الوردي) هو مؤسس مدرسة السوسيولوجيا (علم الاجتماع) في العراق، ففي ظني أن الأستاذ (د. متعب مناف السامرائي) هو أحد الرواد الذين رفعوا هذه المدرسة إلى قممها العالية، إذ حاول دوماً ولا يزال وضع لبنة لبناء سوسيولوجيا حقيقية تبتعد عن الاستسهال الشائع للمفاهيم السوسيولوجية.
فمنذ عودته بشهادة الدكتوراه من أمريكا في ستينات القرن الماضي، لازال الأسـتاذ (د. متعب) الباحث الأكثر دأباً ونشاطاً على المستوى العلمي لإنجاز مدرسة عراقية في علم الاجتماع تهتم أولاً بالمجتمع، ولا تنسى الفرد بسماته الإنسانية.
حصل على لقب الأستاذ الأول لعلم الاجتماع في جامعة بغداد في ثمانينات القرن الماضي، وشغل منصب رئاسة قسم الاجتماع، وكان أستاذاً زائراً لعلم الاجتماع في عدد من الجامعات الأمريكية والأوربية والعربية. اشرف على أكثر من ثلاثين أطروحة دكتوراه، وعدداً كبيراً من رسائل الماجستير. ألف كتباً عدة لعل أبرزها: ثورة على القيم، والأسس التكنواجتماعية للتخطيط، وتاريخ الفكر الاجتماعي.
في التسعينات اللعينة، حين تراوحت قرارات الأكاديميين العراقيين بين الهجرة خوفاً من قمع النظام، أو بحثاً عن رزقٍ أوسع، أو استسهال التسطير ودبج المقالات في مدح النظام وقراراته، كما اختار البعض، إذ أذكر أن احدهم كتب مثلاً (الأبعاد الاجتماعية لقطع صيوان الأذن) وهو يمجد في القرار الذي أصدره الدكتاتور المقبور عقوبةً للهاربين من الخدمة العسكرية الإلزامية، في تلك السنوات ذاتها، أنتج د. متعب بحوثاً علمية قيمة عدة، سأذكر منها: (خصائص وسمات المجتمع العراقي)، (هل يمكن موازنة التنمية الاجتماعية)، (ماذا ولماذا حوار الحضارات ؟)، (مدينتنا والعولمة)، (التركيبة الاجتماعية في الأنبار وأثرها في بناء نمط الشخصية السلوكية)، (الماكرو سوسيولوجيا وإشكالية التغيير)، (المجتمع المدني بحث في سوسيولوجيا الولاء والانتماء)، وغيرها من البحوث القيمة. وذلك على الرغم مما تعرض له من مضايقات أجهزة ومرتزقة النظام السابق، حتى وصل الأمر إلى إحالته على التقاعد كرهاً، برغم أنه كان في ذروة ألقه العلمي، لكن ذلك لم يثن عزيمته بل تواصل حتى أثبت لأعدائه أولاً أن العقل المبدع لا يهزم أبداً.
سأتذكر له أيضاً، أنه وفي عز سنوات القمع عقد التسعينات، أقنع عميد كلية التربية آنذاك الأستاذ د. نزار الحديثي، بإقامة مركز لدراسة العولمة، جمع فيه ثلة من الباحثين الشباب، في زمنٍ كان محرماً فيه التحدث عن الظاهرة التي شغلت العالم ولا زالت.

الثالث: في أهم أطروحاته العلمية
وسأعرض هنا لأهم أطروحات د. متعب:
أطروحته في وحدة العراق:
إذ إنه وربما في معرض الإجابة عن التساؤلات الكثيرة عن وحدة العراق أو واحديته، تلك التي ظهرت منذ انتهاء حرب تحرير دولة الكويت في العام 1991، ظل د. متعب يؤكد على (وحدة المجتمع في العراق) برغم تنوع جماعاته، مستنداً على الجغرافيا، والمياه تحديداً... وكما ورد ذلك جلياً في بحثه (خصائص وسمات المجتمع العراقي) الذي قدمه في بيت الحكمة، إذ يقول:
((أن المجتمع العراقي في سـيرورته التاريخية يتلبّس دورين متناقضين تماماً. فهو من جهة، ونظراً للرابطة العضوية بين جغرافيته وتاريخـه، يعـدُّ مجتمعاً لـه بنيتـه التاريخية الواضحة المعالم (غير الإلتباسـية)، والتي تشـكلت منذ البدايـات الأولى للمراكز الحضارية في سـومر وأكد وبابل وآشـور، مروراً بالعصور الإسـلامية التي كان للمجتمع في العراق دوراً بارزاً فيها رغم تواتر عصور الانحطاط بفعل الغزوات المتكررة. فالمجتمع العراقي من وجهة النظر التاريخية هذه، يبدو مجتمعاً ثابتـاً (مستقراً غير قلق) حسـب التوصيفات التراثية بهذا الشـأن.
ولكن ومن الجهة الأخرى، فإن المجتمع في العراق يتسـم بسـمات تتفق مع سمات المجتمع (النابت)، فهو متعدد دينيـاً وأثنياً وطائفيـاً على الرغم من أغلبية مُسـلمة وأقليات غير مسـلمة (من مسيحية ويهودية وصابئية ويزيدية)، ومتعدد إثنياً على الرغم من غلبة الثقافـة العربية عليـه (بالإضافة إلى الأغلبية عربية هنالك إثنيات كردية وتركمانية وفارسـية وأرمنية و.. ما إلى ذلك)، وهو متفرّع طائفيـاً في تعدده الديني، فالجماعة الإسـلاميـة تضم أغلبية شـيعية عربية مقابل عدد لا يسـتهان بـه من السُـنّة العرب والأكراد والتركمان. مثلما نجد أن الطوائف المسـيحية عديـدة هي الأخرى.
وهو يخلص إلى أن:
((المجتمع في العراق يمتلك وحدة بيئية أو جغرافية (التناغـم)، فثلج الشـمال إنما يغذي أنهار الوسط ويملأ أهوار وبحيرات الجنوب. وبذلك يرسم طريق المياه ثلج ـ نهرـ هور (بحيرة). إن مثل هذه الحقيقة هي التي أكدت التناغم بين الإنسان العراقي وتاريخه، وأبرزت واقعاً يصعب تجاوزه اسمه العراق لـه جغرافيته التي لا يمكن أن تقبل التجزئة أو الضم أو التفكيك))( ).
ورغم تحفظنا على بعض أجزاءها... تبدو هذه الرؤية المتفائلة وهي ضائعةٌ اليوم، فيما يعيش العراقيون في جزرٍ منعزلة من الهويات ضيقة الأفق، ويمكن لهذا التشظي والانقسام الذي تقوده نخب سياسية متخلفة ومرتبكة... ذلك أن هذا الانقسام التشظي في الهوية العراقية (شيعية وسنية وكردية) يستبطن انقسامات أكثر تفصيلاً وأكثر نهشاً في الجسد العراقي !. ويمكن أن نسأل بعمقٍ حول الآليات التي يمكنها أن تنتج هوية أكثر رسوخاً في واقع الاجتماع السياسي لعراق اليوم ؟
لكن وعي الأستاذ (د. متعب مناف)، كان أكثر رحابة وأعمق بكثير، من التشظي الذي تتسم به النخب السياسية العراقية... إذ إن الأمر الأهم بالنسبة له كان تنمية رأس المال الاجتماعي في العراق، يمكن أن تنتج وطناً يسع جميع أبناءه.
الهوامش
(1) متعب مناف جاسم: خصائص وسمات المجتمع العراقي، بحث مقدم إلى بيت الحكمة (غير منشور)، بغداد، 1998، ص 4








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل