الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول المازق الثقافي العراقي

جواد الديوان

2007 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تناول الدكتور قاسم حسين صالح المأزق الثقافي العراقي في تحليل نفسي لحالة الثقافة والمثقف اسماه سيكوسوسيولوجي في محاول لتفسير الظواهر الاخيرة في العراق من نهب المؤسسات وتدميرها الى القتال الطائفي والقسوة المتطرفة في القتل (قطع الرؤوس)، وتفسيرها من خلال تطبيقات علم النفس (مجلة الحوار/ العدد الحادي عشر في تموز 2007). وقد حاول الدكتور سيار الجميل دراسة تلك الظواهر فكانت ثلاثية المدينة والريف والبادية، لاكمال اطروحة الدكتور الوردي في ازدواجية الشخصية لدى الفرد العراقي حيث تاثير البداوة والحضارة. وحاولت على اثرها تفسير تلك الازدواجية من خلال الاشارة الى عدم نضوج الشخصية (شخصية غير ناضجة)، وحجم العاطفة في مكوناتها اكبر من الفكر والسلوك . وحاولت تفسير الامثلة التي اوردها المرحوم الوردي على ازدواجية الشخصية بالتارجح Ambivalence (صعوبة اتخاذ قرار بين خيارين) وهو شائع بين الاطفال حيث لم يتكامل النمو النفسي لديهم، ولم يكن تردد Hesitate وهو صعوبة اتخاذ قرار بين خيارين لاسباب عقلية بحتة وذلك من صفات البالغين بعد تكامل النمو النفسي.
تعرض العراقيين لتوتر عالي في نيسان 2003 ابان سقوط النظام والدولة وما رافقها من فوضى، ويتعامل الفرد العراقي مع التوتر باليات الدفاع العقلي فقط ، ومن ذلك الاحباط فتوزعت الولاءات على الطوائف والاحزاب والرموز اثر ذلك. ولم يكن مجلس الحكم تكريسا لتلك التفرقة، بل كان من معالم اشراك مكونات الشعب العراقي في مقاليد السلطة وهو ما غاب عن العراق طيلة قرن كامل الا ان بعض اعضاء مجلس الحكم استخدم الفرصة (المنصب والمال وغيرها) وربما كانوا سببا في الظواهر التي تلت ذلك.
يشير الدكتور صالح بان ظهور مفهوم المظلومية (الشيعة والكرد) سهل ظهور فكرة الاجتثاث، والاجتثاث انتقام. الا ان الاجتثاث فكرة امريكية تبناها برايمر! والانتقام برز في حوادث فردية في الثار ، والثأر شائع في المجتمع العراقي، بل والعربي. ويستحسنها الناس في الادب وخاصة الشعر ، ولم يستنكرها احد وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في رائعة الجواهري:
اتعلم ان جراح الشهيد تظل عن الثار تستفهم
تمص دما ثم تبغي دما وتبقى تلح وتستطعم
او في مخاطبته قائد انقلاب 1936 بقوله:
فضيق الحبل واشدد من خناقهم
فربما كان في ارخائه ضرر
اقدم فانت على الاقدام منطبع
وابطش فانت على التنكيل مقتدر
كما يقدم دعبل الخزاعي تفسيرا للظلم الذي لحق بال البيت (الائمة الاطهار سلام الله عليهم) بقوله:
اذا تذكروا قتلى ببدر وخيبر
ويوم حنين اسبلوا العبرات
وهي اشارة واضحة لا تقبل اللبس الى ان ذلك هو انتقاما وثأرا لمعارك بدر وخيبر وحنين!. وظهر الانتقام والثأر في احداث العنف الاخيرة في بغداد مثل التهجير والقتل الطائفي . اما الدكتور صالح فيعتبر الانتقام فيروس ظهر بعد 2003 وفيها اشارة الى حداثة هذا المرض بل العرف الاجتماعي.
ويستعين صالح بالتاريخ فيسرد احداث ثورة العشرين (تشير معظم الدراسات الى كونها الدافع الرئيس لاقامة الحكم الوطني) ويستنتج منها بان الاحتلال دافع لتوحيد الشعب لا دافع تفرقة. ولا اود ان اخوض في تفاصيل ثورة العشرين، وتكفي ابيات من الجواهري في تـأبين ابو التمن (من قادة ثورة العشرين):
خمس وعشرون انقضت وكأنها
بشخوصها خبر من الاخبار
شاخ الشباب الطيبون وجددت
فيها شيبة شيخة اشرار
وبدا على وجه الحفيد وجده
للناظرين تقارب الاعمار
وهكذا تم تطليق ام العيال بسبب طائفي في نهاية السبعينات ابان ما سموه وقتها بالتبعية ولم تكن ظاهرة غريبة ما بعد 2003، والتبعية ظهرت نتيجة لتعريف العراقي في دستور 1921 وذلك بعد ثورة العشرين . وما اردت ان اقوله ان اشكاليات المجتمع لم تتغير على الرغم من السنوات (لم نتعرض للتاريخ بالنقد والتمحيص ولا زال السلف الصالح بقدسيته). ويخاطب الجواهري ابو التمن شارحا الاوضاع الاقتصادية لابطال ثورة العشرين:
والناحرين من الضحايا خير ما
حملت بطون حرائر اطهار
ما ان تزال حقوقهم كذويهم
في القفر سارحة مع الابقار
ويشير الى طائفية ذاك الزمان بقوله:
ذعر الجنوب فقيل كيد خوارج
وشكا الشمال فقيل صنع جوار
وكان ذلك في 1946! ويشير البيت الاول لذلك بوضوح.
ويفرق الدكتور صالح بين العقل المنطقي والعقل الشعبي موضحا بان المثقف لن يتصرف الا وفق العقل الشعبي، اي ان تقوده الاشاعات والتقاليد (ربما يتبع العشيرة) او يتبع رجال الدين. وبذلك يلغي دور المثقف في تنوير الشعب والدعوة لتجاوز الازمات. الم يعمل في الشعب العراقي مصلحون ومنهم الشعراء (الرصافي والجواهري وبحر العلوم وغيرهم) والسياسين (كامل الجادرجي ومحمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم وسلام عادل وغيرهم).
ان اهمال المساهمات في تفسير الظواهر في المجتمع مشكلة حقيقية لدى الباحثيين، فكل مساهمة فكرية محاولة قد تساعد في الوصول الى الاسباب الحقيقية ومعالجتها. فيهمل د. صالح كل جهود الغير حول هذه الظاهرة، مبسطا تأثر السلوك لمركز سيطرة ثقافي لدى الانسان، مع المثال عن الكومبيوتر والاصابة بالفيروس!. فمكونات الشخصية في الفكر والعاطفة والسلوك، حيث يتأثر السلوك بالعاطفة والفكر والاخير يمثل الثقافة .
يطرح د.صالح مرض البارنويا حيث من مظاهره الشك، ويجزم الدكتور صالح بانه في البرلمان افراد مصابين بعصابية مرضية، ومنهم من لديه ميول سادية وثالث يغلي في داخله برميل الحقد وغالبيتهم يمارسون الاسقاط. ان البرلمان يمثل العراق بكل اخفاقاته وامراضه. وقد اشار الدكتور الوردي ازدواجية الشخصية لدى الفرد العراقي، ويعتقد البعض بانها الشخصية الرحامية (الهستيرية) حيث يفضل صاحبها ان يكون بموقع الحدث ويشار له بالبنان بل ويستعرض مواقفه او ملابسه او غير ذلك. ونما الشك بين الطوائف نتيجة التاريخ وهذا جزء من الشخصية، وليس وهما Delusion كما عند المصاب بالفصام (الشيزوفرينا). ومضت سنوات القرن الماضي في تحذير من الغزو الثقافي والاستعمار الثقافي (لعب الساسة دور في ذلك) لمنع الاطلاع على ثقافات العالم! بل والتكفير والتهم الجاهزة بالردة ولا اود ذكر تفاصيل تلك الاحداث في العراق فقد تناولها الدكتور رشيد خيون في كتابه طروس من تراث الاسلام، في فصل لا اكراه في الدين اشكالية الردة ومتناولا كتابا للشيخ طه العلواني حول احداث معروفة في التاريخ العراقي.
ويحدد الدكتور صالح دور النظام السابق السلبي في صناعة شخصية مازوشستية بين شباب العراق. لقد كان للحروب والحصار وما تبعها من سوء التغذية والمجاعة دورا في جعل الغالبية من الشباب واهنا لا يتمتع بالصحة العقلية الكاملة ليكون له دورا واضحا في بناء الوطن. لقد اشبع علماء الغرب فترة المجاعة الهولندية (1944 – 1945) حيث وثق المجتمع الهولندي كل الاحداث الحيوية، وظهرت ان لها تاثير في وزن الاطفال عند الولادة وطول فترة الحمل وذكاء الاطفال وكذلك زيادة في انتشار الفصام (الشيزوفرنيا) بين الاطفال الذين ولدوا بعد فترة حمل خلال تلك السنة. لقد كانت حصة الهولندي 1000 سعرة باليوم في تلك السنة اما في العراق فقد كانت حصة العراقي 1000 سعرة في اليوم للفترة 1990 – 1996 وبعد مذكرة التفاهم ازدادت ولم تصل الى الحاجة الطبيعية للسعرات. فأثرت تلك العوامل على الصحة العقلية للشباب العراقي وشخصيتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تغييب العقل في العراق هل هو مبدأ أصيل أم طارئ
احمد سمير ( 2011 / 9 / 18 - 19:04 )
كوني من المتابعين لما تجود به قريحة هذا الكاتب أجدني دوما مظطرا الى التعليق على هذا المقال الذي حاول من خلاله استخدام اسلوب البحث العلمي المنهجي الذي لايخلو من المفاجئات الشيقه في بعض الأحيان. من خلال الخبره التي اكتسبتها من عملي كتدريسي أحب أن أضيف هذه الملاحظه التي لاتخرج عن سياق المقال. الفرد العراقي (وأقصد هنا الذي يتمتع بدرجه عاليه من التعليم وبالتالي يمكن تسميته بالمثقف) يبدو بانه يتلقى تدريبا منذ منذ نعومة أظفاره في البيت والشارع والمؤسسه التعليميه على تقييد دور العقل و تغليب نسق البرمجه المسبقه في التعامل مع التحديات الخارجيه. الطالب العراقي مثلا لايريد ولايستطيع أن يجمع المبادئ العلميه العلميه التي درسها ليجيب عن سؤال لم يقرأه في الكتاب ويسمي هكذا سؤال ب -الخارجي- وكانه قد جاء من كوكب المريخ وستقوم الدنيا ولاتقعد اذا ثبت وجود هكذا جريمه في الأستاذ. أما عن قابلية الطالب على الجدل العلمي وهي واحدة من أهم مبادئ التفكير العلمي فتوأد في مهدها -لأنها من أبواب الشيطان وباب للكفر والألحاد-. وهكذا تجد الغالبية (الا من رحم ربي) أقرب الى الروبوت (الرجل الآلي) في طريقة التفكير.ء

اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار