الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التُرابي يَضع المرايا أمام الجميع[2]

عادل الحاج عبد العزيز

2007 / 7 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(( ياأيها الناسُ اتّقُوا ربَّكُمُ الذي خَلَقَكُم من نفسٍٍ واحدهٍ وخلقَ منهَا زوجَهَا وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقواالله الذي تسآءلون به والارحامِ إِنَّ الله كان عَلَيكُم رقيباً))
( سوره النساء، الآيه1)[1]
(( ما من تاريخ إلا تاريخ العقل، وإن الفيلسوف عندما لا يلجأ الى ادوات صاحب خطاب العقل ليرجعها ضده، فهو لا يقوم إلا بما يُدعى في لغة وزارة الداخلية ب"عملية فض شغب بسيطة" ))
( تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ميشيل فوكو)[2]
سجال في حقل أفكار الشيخ:
يبدو ان الشيخ الترابي و بعيداً عن تأثيرات المرج السياسي اليومي من حوله و اثره في السياق العام الذي جاءت فيه فتواه، اراد ان يعالج من موقعه كمفكر اسلامي مجدد و تحديثي اشكالية المنهج في فهم النص برغم من المخاطر الجمة المحيطة بهذا الحقل في تاريخ الفكر الاسلامي المعاصر و التليد. و من الجدي التساؤل عن مدى قدرة اطروحته في تجديد الفكر الديني على ذلك، من دون الالتفات لمراجعة او تجديد المنهج المفضي لفهم نصوصه المرجعية (القرآن، الحديث الشريف)؟، بسسب الجدلية المعروفة ما بين الفكر و المنهج. و الشئ الاهم معرفته هنا ان اطروحة التجديد في حد ذاتها دائماً ما تقدم عندما تصل عملية تشخيص الواقع(الاجتماعي/السياسي) لتلك النتيجة، وتلح على اصدار هكذا نوع من مبادرات، ليبقى السؤال المطروح اهذا هو ما توصل اليه الشيخ حقاً؟ و ان كان كذلك هل هو اعتراف بالازمة داخل بنية المجتمع السوداني و اعتراف آخر يتضمنه بفشل مشروع إعادة صياغة الانسان السوداني الذي طرحته مشاريعه هو (السياسية و الفكرية) في ما سبق؟.
وقد حددت كل محاولات التجديد التي سبقت الشيخ الترابي في تشخيص وظيفة الوحي فرأوا فيه اتصالاً بين المطلق و النسبي، بين الكل و الجزء للوعي بالكل. فمن اهدف الوحي وضع الانسان في سياق تاريخي ووجودي اشمل و اعادة العلاقة بين الانسان و محيطه الكوني، فهو تحرير له من الاغتراب في اتجاه التماهي مع الله. و تحول الوحي الى نص "يجعل منه عاملاً مرجعياً توحيدياً و في الوقت نفس الوقت ابداعاً تعددياً بحكم بنائه اللغوي وفلسفته الداخلية. لذلك فإن كل من يدعي تغيير مجتمعاتنا و النهوض بها دون الاعتماد على القرآن كمرجع توحيدي، سيسقط امكانية اساسية في عملية النهوض، لان القرأن تحول عندنا الى ذاكره وهوية جماعية وروح تسري في الكيان الجماعي لرص صفوفه و خلق اللحمة بين اجياله و اجزائه.
[3]خاطب الله ( وهو المطلق) الانسان ( وهو النسبي) عن طريق اللغة التي " تختزل الوجود في مفردات. و اللغة تعجز باستمرار عن السيطرة الكلية على حقائق الوجود ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربي ولو جيئنا بمثله مددا)[4] . فالمؤمن مطالب بان يغوص باستمرار في اعماق الوجود و اسرار اللغة بحثاً عن التناغم بينهما. و القرآن هو بمثابة الجسر الذي يساعد البشر على ربط صلة قوية وحميمة و إبداعية بين اللغة والوجود. و المذهل في هذه العلاقة انها متجددة لا تعرف حدوداً او نهاية، فكما ان الوجود لا تنتهي اسراره، كذلك القرآن باسلوبه المفتوح على العالم لاتتوقف معانية عند قراءة واحدة، لهذا " يبعث القرآن يوم القيامة كأنه بكر (حديث شريف). قدم الوحي إجابات على اسئلة جوهرية، لكنها كانت اجابات " كلما تعمقنا فيها احالتنا على اسئلة جديدة. فالوحي لم ينه مشكلة العلاقة بين الله والانسان، و بين الانسان و الوجود، بل وفر ارضية يمكن من خلالها مواصلة السير نحو تثبيت هذه العلاقة" هذه العلاقة معرضة باستمرار للهزات أو الجمود المعرفي و النفسي والاجتماعي. لهذا تبقى محتاجة باستمرار، في ضوء الاكتشافات العلمية و المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الى محاولات في اتجاه التجديد و اعاده التاسيس المتواصل. بما ان الوحي لم يقض على حالة التساؤل بل غذاها، فالايمان يتطلب قدراً من الشك المستمر، و الوحي لم يكن بديلاً عن العلم و لا حائلاً دون البحث، ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)[5]. من هذه الزاوية يقع التميز بين ايمان العجائز القائم على التقليد و التسليم غير الواعي، و بين ايمان الايمان المسؤول المؤسس على ادراك ذاتي وجهد فكري و روحي يتفاوت في عمقه بين شخص وآخر، لكنه يبقى وليد الجهد والتامل و الاقتناع.
الشئ الآخر ان المنهج التجديدي لدى التحديثيين الاسلاميين المعاصرين و منهم الترابي اضافوا تصوراتهم لكيفية فهم النص القرآني وفقاً لوجهة نظرهم اذ افترضوا الآتي:
أ ) قالوا إن " كل تفسير للقرآن هو قراءه تتمحور حول الانسان، فإحتياجات القارئ و ثقافته و مخزونه تتدخل بشكل مباشر او غير مباشر لتحديد مضمون المقروء( القرآن خط مسطور يتكلم به الرجال) على حد تعبير على بن طالب " و هذا ما اشرنا اليه في جزء سابق من مقالنا هذا بان المحيط و تاثيره في مسألة اقدام الشيخ الترابي على فتواه" ليؤكد ما سقناه هنا الدكتور محمد اركون[6] حيث يرى " ان التفسير هو ما فهمه المفسر من النصوص التي بين يديه. ثم ان التفاسير تعكس مشاغل المفسريين و ثقافتهم ضمن انساقهم التاريخية . لذلك فإن قراءة النص الديني عملية معقدة تعتمد على قواعد اللغة التي ندرسها في المعاهد و الكليات، لكنها تعتمد اكثر على التصورات التي نتلقاها عن الثقافة المحيطة بنا و هو المعبر عنه بمحتويات المخيال الاجتماعي"
ب ) إتجهوا لفهم النص القرآني من خلال (المقاصد) الكبرى التي يعمل الاسلام على تحقيقها، فكل نص مرتبط بمقصد ضمني أو صريح في عباراته و دلالته. اعتبروا ان فصل النصوص عن اهداف الدين الكبرى قد ادى الى انتشار القراءات التجزيئية وفقدان الرؤية الشمولية التي تجعل من القرآن بنية متكاملة و ديناميكية في الآن نفسه. لذلك عدوا الاسلام جملة من المقاصد الاساسية الاجتماعية و الثقافية، و كل فهم لاسلام يصبح مغلوطاً اذا ما تجاهل هذه الغايات و المقاصد الأساسية و هي : أن مهمة الوحي تتمثل اساساً في بناء مجتمع الانسان الخليفة ( و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة ). إن ايماننا بالمهمة الاجتماعية للوحي يحتم علينا استنباط المقاصد الاساسية للشريعة الاسلامية و تجاوز الملابسات البيئية و ظروفية حتى يكون الاسلام بحق صالح لكل زمان و مكان, هذا المنهج الذي سعوا لبلورته يبني جدلية بين الوحي باعتباره المصدر و العقل ( اي الانسان) باعتباره المتلقي.
ج ) و بناء على فهمهم للمقاصد قاموا بتقسيم النصوص القرآنية الى ثلاث اقسام: منها النصوص الاصولية وهي النصوص التي تحدد فلسفة الاسلام في العقيدة و السياسة و الاقتصاد و المجتمع كإقرار مبادئ التوحيد و البعث و النبوة و الشورى و العدل و المساواة. و هي اما ان تكون قطعية الدلالة ( أي محكمة) .. او ان تكون ظنية الدلالة ( اي متشابهة).. فتحمل معانيها على ما يتلاءم و المفاهيم المستنبطة من النصوص الكلية المحكمة. اما النوع الآخر من النصوص فهي نصوص الاحكام حيث "اعتمد القرآن الكريم على ربط الحكم بعلته صراحة او اشارة.. فربط الحكم بعلته في الفلسفة القرآنية يعني ان التعبد بالحكم لا يقصد بحد ذاته و انما يرمي الشارع من ورائه الى تحقيق المقاصد. فالتعبد اذاً في الشريعة هو السعي الحثيث لتحقيق مقاصدها. بينما بقية النصوص الشرعية فدورها ينحصر اساساً في تعميق الرؤية العامة للاسلام، و لا يجب تفسيرها و تأويلها بما يتعارض و لمقاصد الكلية للشريعة الاسلامية.
قد يكون فهمنا لما سبق من نقاط يلخصه هنا رغبة المدرسة التجديدية الاسلامية بشكل عام، إذ هو مُحاول من الاسلاميين و على راسهم الترابي في اخراج الفكر الاسلامي المعاصر من مآزقِه المتعدد الابعاد و الدفع به من الحالة الدفاعية والتبريريةً الى الانفتاح الابداعي قد يساعد على تقديم صوره جديدة للطرح الاسلامي، الا ان قائمة متطلبات المقاصد تبقى مشرعة لتتضمن كل القضايا التي تواجه البشرية اليوم عودهً الى التطورات التي شهدها العالم منذ القرن الماضي ( حقوق المرأة ، وضع الاقليات و غيرها) وصولاً الى القرن الواحد و العشرين (الصعود الديني في الغرب نفسه "كرد فعل"، واقتران الاطروحة الاسلامية بالارهاب، فشل المشروع الاسلامي كمشروع حكم في السودان و ما يواجهه الآن من صعوبات في فلسطين).


سنواصل.....



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
[1] القرآن الكريم.
[2] دريدا، جاك، ، 2000، الكتابة والإختلاف ص29، توبقال للنشر، الدار البيضاء المغرب.
[3] الجورشي، صلاح الدين، 2000، الاسلاميون التقدميون في تونس ص95، مركز القاهره لدراسات حقوق الانسان، القاهره، مصر.
[4] سورة الكهف، الآية رقم 109.
[5] سورة البقرة، الآية 260.
[6] أركون محمد، 1996، الفكر الاسلامي قراءة علمية الطبعة الثانية، مركز الانماء القومي بيروت - المركز الثقافي العربي الدار البيضاء، لبنان، المغرب.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah