الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرتدون عن الشيوعية وعن الوطنية ذيليون دائمون للأسياد الكبار.. اليسار الشيوعي البديل موجود في ساحات النضال

باقر ابراهيم

2007 / 7 / 26
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


منذ ستينات القرن الماضي، برزت الخلافات داخل الحركة الشيوعية العالمية، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من طروحات الحزب الشيوعي الصيني، كما أشتدت لاحقاً، المطالبات بما سمي بـ" الأستقلالية" عن الأتحاد السوفيتي، في احزاب عديدة، ربما كان أبرزها الأحزاب الشيوعية في فرنسا وايطاليا ورمانيا واليابان.
كان موقفنا في الحزب الشيوعي العراقي، قد أعتمد آنذاك، مبدأ التضامن الاممي، ووحدة النضال العالمي الذي يقف على رأسه الاتحاد السوفيتي، ورفضنا تلك الطروحات.
كانت تلك قناعتي أيضاً،وعبرت عنها في كتاباتي، وفي بعض الندوات العالمية، مما اثار حفيظة من اختلفوا معنا في الراي، من رفاق الامس، أو خصوم اليوم، كما تناولت موقفي بالتنديد، أقلام خبراء مكافحة الشيوعية، في حكم حزب البعث السابق. وساوضح الروابط بين حقائق الأمس وحقائق اليوم.
لابد من الأيضاح في البداية، بأنه مثلما كان هناك تسابق ومبالغات في تقديم الطروحات الصارخة عما سمي بـ" الذيلية" للأتحاد السوفيتي، فقد وجدت أيضاً، بين الطاقم القيادي في حزبنا، وفي أحزاب شيوعية أخرى، مبالغات معاكسة، وتسابقات لأشهار " الولاء " للسوفيت، وللدول الأشتراكية الأخرى، ورغم أن هذه الظاهرة كانت ثانوية ومحدودة التأثير.
وحول هذا الموضوع كتبت في مداخلة سابقة لي مايلي: "ان هذه المعالجات لاتميّز بين طريقة خاطئة، تؤمن بها غالبية الأحزاب الشيوعية في العالم، التي تقول بعدم جواز الأختلاف في الرأي، أو في الموقف، مع القيادة السوفيتية، وبين النهج المضاد الذي يردد ذيلية تلك الاحزاب لموسكو.
ان الدعوة لاستقلالية الحزب الشيوعي، في البلد المعني، للخلاص من " الذيلية"، للأتحاد السوفيتي، لم يكن سوى شعاراً براقاً لأخفاء الهدف من وضع الأتحاد السوفيتي والدول الاستعمارية على مصاف واحد أولا، ولاخفاء التصميم على فك عرى التضامن الاممي ثانياً.
كان ذلك الشعار يهدف الى تفكيك جبهة النضال الموحد العالمية، ضد الأمبريالية والحرب، من أجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية والاشتراكية.
فالاحزاب والشخصيات الشيوعية، التي تجاوبت مع ذلك الشعار اللطيف ظاهرياً والمسموم واقعاً، سعت لأخفاء بداية ارتدادها الشامل، ليس عن الشيوعية فقط، بل عن النضال الانساني والاجتماعي.
كما ان اكذوبة "الاستقلالية" عن الاتحاد السوفيتي، لم يكن مطلوب اعلانها من جانب الاحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية، بل كذلك من جميع الأنظمة والأحزاب الوطنية والتقدمية.
ذيلية الأحزاب أم ذيلية الشعوب
ان أتهام الأحزاب الشيوعية والعمالية، بالتبعية للاتحاد السوفيتي، يتناقض مع نمو شعبيتها الواسعة، وهو سيتحول بالتأكيد الى الطعن بوعي الجماهير العريضة من أعضاء تلك الأحزاب ومناصريها والمصوتين لها في الأنتخابات، ومن الشعوب التي أرتضت قيادتها، ليس لمجرد الحب والأعجاب المعنوي، بل بتأثير منجزاتها الكبرى، سياسياً واقتصادياً، ولصالح الشغيلة وتقديم المعونات للشعوب الأخرى. وللتدليل على تطور شعبية تلك الأحزاب، أورد أدناه الأحصائية التي دونتها في وثائقي عن مجلة "قضايا السلم والأشتراكية":
السنة عدد البلدان التي فيها أحزاب شيوعية عدد الشيوعين بالملاين
1928 46 71,
1939 69 2,4
1946 78 40
1960 87 35
1969 88 50
1985 95 أكثر من 80

انهيار الأتحاد السوفيتي
وانهيار الولاءات المهزوزة
ليس بعيداً عن الأذهان، انهيار اكبر حزب شيوعي في العالم، يحكم الدولة الأشتراكية الأولى، أي الحزب الشيوعي في الأتحاد السوفيتي، تحت تاثير التحريفين والمرتدين عن الشيوعية، حين استخدموا أخطاء الحزب والنظام الأشتراكي، لا لأصلاحه، بل للأجهاز عليه، الأمر الذي حمل الشيوعيين الروس وفي بلاد السوفيت القديمة على تجديد واعادة بناء احزابهم، انهم يستلهمون التراث المجيد لثورة اكتوبر وانجازات نظامها الأشتراكي، الذي لم يعد المرتدون يعرّفونه سوى بـ( النظام الشمولي).
لقد رافق الأنسياق وراء شعارات ماسمى بالكفاح ضد الذيلية، أو التبعية للأتحاد السوفيتي، من جانب الأحزاب والشخصيات التي تبنتة، الأرتداد عن الأسس المبدئية في الشيوعية والماركسية- اللينينية، وفي النضال ضد الأمبريالية، وأنتهى بعضها الى الأنسياق وراء" اشتراكية البرجوازية"، ومنظمتها " الأشتراكية الدولية" التي تضم احزاباً عراقية كردية ساهمت بمؤامرة احتلال العراق، باسم تحريره من الدكتاتورية بالامس، وحمايته من الأرهاب ومن عودة الدكتاتورية اليوم، وفي نفس الوقت الذي تضم حزب العمل الصهيوني وأمثاله.
ان الأحزاب التي انتهجت مواقف التضامن الاممي، رافضة الأنجرار وراء اكذوبة ( الأستقلالية عن الأتحاد السوفيتي) ، ماتزال راسخة في نهجها حين ترفع الآن شعار ( من أجل جبهة عالمية مناهضة للامبريالية والحرب)، من أبرز هذه الأحزاب، الاحزاب الشيوعية في اليونان والبرتغال وسورية ولبنان وغيرها الكثير.
وعلى خلافهم كانت نتيجة الأحزاب الشيوعية التي تشوشت عندها الرؤية وانساقت وراء الشعارات المضللة فصارت عرضة للتمزقات الدائمة كما حل بالحزبين الشوعيين الفرنسي والأيطالي وغيرهما.
ليس بعيداً عن الأرتباط بموجة الأرتداد الجديدة، بعد انهيار معسكر الاشتراكية العالمي، يمكن فهم الظروف الخارجية والفكرية، لارتداد قادة الحزب الشيوعي العراقي، وتحولهم نحو الأسياد الجدد، الأمبريالية العالمية وقيادتها الأمريكية.
مع طروحات مرتدي اليسار
ارتباطاً بتكامل معالم هذه الردة، يمكن ملاحظة تبلور منظومة فكرية لمرتدي اليسار العراقي والعربي، والعالمي، صارت تقارب بينها وتجمع اطرافها.
فالى جانب ما اتينا إليه من شعارات، تهدف تفكيك جبهات النضال الوطنية والقومية والاممية، يطلع علينا المرتدون، بطروحات تبشربانتهاء عصر الأستعمار والامبريالية، وتستسيغ وتبرر احتلال الوطن، باسم تحريره من الاستبداد الداخلي ثم تفلسف لقاءها مع المحتلين بانه مجرد" صدفة تاريخية"!
ما يجمعها ايضاً، انها تؤكد فشل جميع تيارات النضال وليس اليسارية فحسب، بل كذلك القومية والاسلام المقاوم. انها في الواقع تدمغ كل النضال البشري من اجل التقدم، بالاخفاق، او الصراع العبثي، وترى انها هي اليوم صارت الحل المنتظر.
وما يجتمع عليه مرتدو اليسار، الادعاء بوجود ازمة في اليسار العالمي، وفي حركة التحرر الوطني العربية، او في النضال الوطني الداخلي، انهم بذلك ينقلون ازمتهم، بل مازقهم الى حركة النضال البشري عموماً.
يدعي المرتدون والتحريفيون، بان مناضلي الامس، مازالوا يعيشون في الماضي، وانهم هم المجددون، حينما يعيدون قراءة الماركسية اللينينية بعقل جديد! لكنهم في الواقع، وفي الممارسة، ينتهون، شاءوا ام أبوا، الى نسف الاسس المبدئية، ليس للماركسية- اللينينية بل لكل ثوابت النضال ضد البرجوازية الامبريالية، مروراً باللقاء معها، وأنتهاء الى الوقوع في شباكها، كخدم اذلاء في جميع ميادين الخدمة.
ومن الضروري الانتباه لظاهرة اللقاء، وعودة الحب بين المرتدين عن الشيوعية في العراق، وعلى رأسهم قادة الحزب، مع من اختصموا معهم بالامس واختلفوا حول قضايا ثانوية تخص حياة الحزب الداخلية، اوالموقف من اسلوب النضال ضد الاستبداد، ولكن صار يجمعهم الاتفاق في القضايا الرئيسية، كالموقف من الامبريالية ومن احتلال الوطن، او مقاومة المحتلين، والتي اشرنا اليها.
الاساس الطبقي للمرتدين
ان الارهاب الفاشي، المنقطع النظير، الذي نقله الغزاة الانكوامريكان والصهاينة واعوانهم، للعراق وشعبه، هو العنف الطبقي لاشد اصناف البرجوازية الامبريالية وحشية وعدوانية، وهي الامبريالية الامريكية. وهو ايضا شكل من اشكال العنف الطبقي، لاكثر فئات البرجوازية العراقية جهلاً وتخلفاً وطفيلية وبعداً عن الانتاج المادي، بل أكثرها ارتباط ببرجوازية المافيا والسرقات والمضاربات والعمالة لشركات الاحتكار والحراسة، والنهب الاجنبية، وعلى راسها الشركات الامريكية والاسرائيلية والاوربية، مع بعض الفتات من السرقات للمرتزقة العرب والعراقيين.
ان مشاركة قادة الحزب الشيوعي العراقي، الى جانب الاطراف الاخرى في حكومات الاحتلال وعمليته السياسية، يقدم اكبر الخدمات لتسهيل الغزو وتبريره ثم لادامته.
ومقابل هذه الخدمة، فان المتعاونين مع الاحتلال، تجمعهم واياه المصالح الاقتصادية المشتركة. فالقادة السياسيون للاحزاب المتعاونة مع المحتلين، ويهمنا الحديث هنا عن قادة الحزب الشيوعي، اذ ينتفعون ما دياً من الوضع الجديد، فانهم يشركون حفنات من أعضاء الحزب وكادره، ببعض المنح، في التوظيف والراتب التقاعدي وغيرها.
وبغض النظر عن ضخامة، اوضآلة حصص المتعاونيين مع الاحتلال، فهم يصبحون، حتى بدون ارادة بعض الطيبين من القواعد المغشوشة، جزءآ من الاحتلال سياسياً، وجزءآ من الطبقة الطفيلية المنتفعة اقتصادياً منه.
ان تجسيد هذه الحقيقة، رغم قساوة وقعها، ربما يفيد من يعيها لتلمس العودة لطريق الصواب.
أمام هذا الواقع الجديد، هل يحق لهذا الحزب ، بسياسته ومسيرته الراهنة ان يواصل الأدعاء بأنه حزب العمال وكادحي الشعب ؟ إلا يتحمل المسؤولية المباشرة عند مساهمته في حكومات الاحتلال ، وبما حل بالشعب ، وخاصة كادحيه ، من تدهور هائل في مستوى معيشتهم ، وارتفاع نسب البطالة واعداد الملايين الذين يعيشون الان دون حد الفقر ؟ .
اليسار الشيوعي الجديد
ان من تعيشوا على الذيلية للاتحاد السوفيتي، وللدول الاشتراكية الاخرى، سياسياً وعقائدياً او مادياً، هم وحدهم من بدلوا ولاء التعيش نحو الاسياد الكبار الجدد، وليس الشيوعيين الصادقين في مبادئهم ومسيرتهم العملية.
ولهذا السبب، فمنذ اكثر من عقدين من الزمن،كان جواب رعيل واسع من قادة وكوادر ومناضلي اليسار الشيوعي، هو الامساك بثوابتهم المبدئية والوطنية، والتواصل والتنسيق، بقدرما تسمح به ظروف المهاجر، وبقدر ما تسمح به اوضاع مناضلينا داخل الوطن، حين سعوا لسد الفراغ ولتكون لهم مكانتهم المرغوبة والمطلوبة، الى جانب قوى النضال والمقاومة الشعبية، من اجل التحرير والديمقراطية، وخاصة، في مبادراتهم المشهودة لتوحيد قوى النضال الوطني والقومي.
وقد أكد مآثره هذا التيار الشيوعي، وعبر عنها، واوضح معالمها المئات من المناضلين، بينهم كتاب وشعراء وفنانون مبدعون.
وحين ينكر البعض وجود هذا التيار المناضل، بدعوى عدم وجود حزب، او تنظيم مركزي يوحدهم، فاني استطيع القول، ان تجنب التسرع في التحزب، في بلاد المهاجر، وفي ظروف العراق الاستثنائية، كان جانباً من مأثرتهم الواعية، وليس عيباً فيهم. وحين تنضج الظروف لقيام كيان يوحدهم، داخل الوطن، وبين جمهورهم، فلا أحد مهما كانت مكانته، يستطيع اعاقة التعبير عن تلك الحاجة.
نعم، لقد استطاع هذا الرعيل الواعي من المناضلين، ان يأخذوا العبره من الارتداد والهزيمة على النطاق العالمي وفي النطاقين العربي والوطني، لاليتخاذلوا او تضعف هممهم، بل لدراسة مكامن الخلل والضعف، والبحث عن التجديد في المعتقد وفي السياسة والممارسة، بما يمدهم بطاقة جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا