الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآلهة تستغيث في مارب

علي المقري

2007 / 7 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


على عكس ما تكشف أكثر النقوش السبئية القديمة من تضرعّات ونذور رجاء كان يقدّمها السبأيون لآلهتهم القمر (المقه) والشمس بدا لي ،أثناء زيارتي إلى معالم المعابد القديمة في مارب بصحبة قافلة إتحاد الأدباء والكتاب فرع صنعاء، أن الآلهة العتيقة في ذاكرة الأساطير والأحلام صارت هي التي تستغيث، وترجو إنقاذها من عبث الناهبين لآثار حجّاجها والمؤمنين بها .
فمن يقرأ الدراسات المنشورة عن نتائج الحفريات الأثرية في عدد من الأماكن التاريخية في العالم، وأثر ذلك في الاستشهاد على تحديد ملامح تاريخية هامة أو وقائع وجدت في أزمنة معيّنة، يجد مدى الإهمال الكبير لآثار اليمن ، ومارب خصيصا.
وهو إهمال رسمي ، من كل المستويات ، حتى أن وجود هيئات أو مؤسسات معنية بهذه الآثار لا يزيد عن كونها مجرّد جوقة تردد وتتغنى بأمجاد غابرة (سبأية تحديدا(عبر وسائل الإعلام ، وبالمقابل لا تفعل ما يليق بأهمية هذا التاريخ الذي يمكن أن يحمل مفاجآت إنسانية نادرة،فلا الآثار ومواقعها محاطة بعناية آمنة من النهب والعبث، ولا وجود لنشاط حفري متواصل، وبالتالي لا أبحاث ولا دراسات مستمرّة.
ويندهش الزائر للمعبدين الرئيسيين (بران) و(أوام )، أو ما يسمونهما (عرش بلقيس) و(محرم بلقيس)، لحجم الاستسهال و اللامبالاة بآثارهما الهامة ، فإذْ لم نصادف في زيارتنا الأخيرة ، في شهر مايو الماضي ،أي أعمال حفرية استكشافية حالية لأن الآثاريين غير موجودين في المنطقة، كما لم يبدأ موسم التنقيب الجديد ، فقد وجدنا شخصا في المعبد الأول، وحارسا واحدا في المعبد الثاني، وهذا الأخير ما أن وصلنا حتى طلب من مدير مكتب الثقافة في مارب الذي رافقنا قيمة القات (ثلاثمائة أو أربعمائة ريال فقط).
وحارس كهذا وسط مكان صحراوي بعيد عن المدينة، وفي موقع أثري غير مسوّر سوى بشبك حديدي خفيف ومتآكل، يصير غير قادر على حماية أي آثار، خاصة في منطقة مسلّحة ينتهز بعض سكّانها فرص الغنيمة في نهب ما يمكن نهبه ، والتقطّع المباغت لأخذ ما استعصى أخذه.
وقبل هذا وبعده ،فالحارس الموكل بحماية أغنى إرث تاريخي يمني يرجع أقدمه،حسب المصادر الآثارية، إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لا يجد قيمة القات الذي سيتناوله ، وهو إذ لا يتحرّج من طلب ذلك ،كيف له أن يتفهم أهمية ما يحرسه ، ويركن لما سمعه عن حضارة أسلافه العظيمة، وهو لا يجد أي امتداد حال يتلمس فيه معنى لها يؤمِّن له العيش الكريم ويعزّه عن سؤال الحاجة ، ولو كانت قاتا.
قد تجد أثرا ، ربما كان نقشا لآلهة أو عنها ،أو سجلاً لواقعة أوغزوة سبأية ظافرة(!) ، أو نذرا بسيطا من فلاّح سبأي لاستجلاب المطر، قد يكون ترنيمة حب لـ (المقة) أو إعلان يأس منه ، قد يكون شيئا لا يخطر في بال ، وقد يكون فعلا ونقشا مكررا ، هذا الأثر بدلا من أن يكون موقعه في متحف أثري تاريخي في مارب ،وبمتناول الباحثين والسوّاح ، نجده معروضا للبيع من قبل طفل أو شيخ مسلّح يدور حول الأماكن الأثرية المُزارة من قبل السوّاح والمهتمين وتجّار الآثار.
أحد أبناء مارب يعتقد أن النهب المنظم للآثار الذي يقوم به أعضاء في بعثات التنقيب القادمة من خارج اليمن هو الأشد ضررا ، وأن هؤلاء يحصلون على تسهيلات من مسئولين ،لإخراج قِطع الآثار من اليمن، بشكل واضح.
ويضرب مثلا بالأعداد الكبيرة للألواح والأحجار الأثرية التي يتم أحيانا الكشف عنها بحوزة مسافرين في مطار صنعاء.
ولا يمكن الحديث عن أوضاع الأماكن الأثرية في مارب دون الإشارة إلى سد مارب القديم والذي لم يتم تحديد معالمه، والعناية ببقايا أثاره بحيث يصير مجالا للحفريات ، ثم مزارا تاريخا وسياحيا يحتوي على الشروح والتوضيحات الكتابية.
وإذا ما كانت مارب ،رغم هذا الوضع، منطقة جذب للسوّاح بشكل ملفت ، فإن عاصمة مملكة سبأ بدهشة أخبار ملكاتها وملوكها في الكتب الدينية (التوراة والقرآن) ،وفي الأساطير والمرويات التاريخية ، مازالت بحاجة بشكل كبير إلى الاهتمام بآثارها،وتهيئتها لتكون متاحة بشكل مرتب أمام السوّاح والحجّاج ، وتمهيد الطريق التي تؤدي إلى مارب بالأمن والخدمات السياحية المفقودة.
ذلك ،لكي لا تبقى سبأ مجرد شعار لذكرى يتباهى فيها بالأغاني الوطنية المملة ،أو صور لأعمدة تطبع ، فقط ، في طوابع البريد وأوراق الخمسة ريالات التي صارت بلا قيمة.
لكي لا تضرب العزلة أحلام السبأيين وتجلياتهم الإلهية ؛ بل لكي لا تُصاب الآلهة السبأية بالوحشة، في موتها العميق.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي