الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيث اللا مكان…

وجيهة الحويدر

2007 / 7 / 28
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


انا متعب..الجو محاط بأشباه بشر حيث اللا مكان..هنا وهناك يتناكحون ويتكاثرون كالأوبئة المعدية.اللا مكان يكتظف بهم.لا هوية لهم غير الموروث. يا ترى لو فـُقد يوم ما ذاك الموروث الرّث من على رفوفهم كلها.. هل سيحسنون مواصلة العيش بدونه؟؟ كم هم بحاجة شديدة لذاك الصنف من المغامرة، كي يتخلصوا من العلف الذي يلكونه كل يوم بثقة مرتبكة..

احتسيت قهوتي بسرعة مع صديق يصاحبني دائما ..لا يهمني ابدا وجوده معي..لكن يبدو ان ذلك يهمه...الصداقة عبء اختاره لنفسه، ليثبت انه حيوان اجتماعي ويتحدث بلغة متميزة.

غادرت المكان وتركته كالعادة ..فهو ممل مثل سائر الكتل البشرية المتناثرة في جميع الأمكنة. سرتُ بخطى سريعة وانا احمل معي جريدة تافهة مليئة بالتضليل والكذب. كنت أبحث لها عن صندوق قمامة لأرميها فيه.. أحيانا اشعر اني أُسيء لصناديق القمامة بتلك الفُعلة اليومية..

اشتري كل يوم عدد من الصحف المحلية اتصفحها بخفة يد الساحر، حيث يتزاحم منافقي المجتمع على عنوانين الأخبار. اتقزز منهم، ثم أمزقها وأرمي بها في الزبالة أمام البائع. اعتاد يوميا ذاك البائع قرفي مما ارى، واعتدت انا تقاسيم بلادته.. لا يدري بغل الصحف ذاك، ان ما أفعله مؤشر ضعف..لأن هذا كل ما بوسعي القيام به كل صباح، لكي اعلن رفضي للسلطة ولكَـتَبتها الكَسـَبة.

في احدى المرات وانا أمزّق الصحف، سألني رجل محنط في ثوبه الابيض كالمومياء سؤالا تقليدياً سمجاً..قال: لماذا تفعل ذلك..؟
كدتُ ابصق في وجهه، لكن وجدتها خسارة كبرى لريقي، حدّقت في عينيه بإشمئزاز، لم يفهم ولم يكن لدي رغبة في اضاعة وقتي معه… خاصة ان عقاله كان ثقيلا جدا..كاد يحدد ابعاد مهاراته الذهنية الضيقة..

واصلت في حمل نفسي وتحملها… اللا مكان هذا بالرغم من كل ثراوته النفطية لكن العيش فيه لا يساوي ذرة ثرى..أزقة..شوارع ..حارات ..أسواق.. جميعها متخمة بالمتطفلين لأخبار بعضهم بعض.. أنه مؤشر بطالة أبدية للعقول، صيغت بصورة مدروسة ومقننة.

اقتربت من سيارتي، أنا لا أحب قيادة السيارة لسببين: لأني مجبر عليها، ولأنها تُستخدم في هذه البقعة من الأرض كسلاح إذلال وتسلط لكسر نفوس النساء..

وأنا افتح الباب عبرَ سرب من السواد..يقال أنهن نساء.. صرتُ اخشاهم..من يدري..ربما ارهابيون متسترون خلف تلك الخيم السوداء..وقبل ان تتطاير علامات الاستفهام في رأسي عنهن تأكدت أنهن نساء..حيث اتى من خلفهن ملتح، تكاد بؤبؤتي عينيه تقفزان من مكانهما من شدة الاحتقان والغيض منهن..يصطحبه شرطي بزيه الرسمي. مرضى نفسيين يجولون الأماكن العامة لإيذاء البشر برخص حكومية...

كانا يتابعان تحرك السواد الأنثوي. كل ما هو انثوي هنا محاصر ومُطارد "لمنع المفاسد"..عجيب امر أهل مضارب البادية هذه.. كل الذكور الفاسدون والمرتشون واللصوص الكبار المنتشرون في كل زواية وفي كل مؤسسة حكومية وغير حكومية..لا يراهم احد في اللا مكان.. بينما المجاهر الميكروسكوبية تتحسس أظافر أقدام النساء ان كانت مطلية بصبغة مثيرة ام لا… فهذا هو همّ الأمة..لأنه يعني دعوة فساد وخراب للبلاد ودمار للعباد.. بصقت على الارض..أمام الملتحي ومن معه ..لأني لم أعد قادر على ابتلاع ريقي من شدة القهر المصرح به علنا وبدون استحياء..تف على اللا مكان ..تف على أي مكان يُعزز فيه سحق ابناء ارضه بعباءة دينية..

وصلتُ البيت، زوجتي للتو عادت من عملها. لا اطيقها. امرأة ينقصها كل شيء. جميلة متعلمة وتقليدية وملتزمة بطقوس المجتمع..اووف..لا احب هذا الصنف من "الكمال" في المرأة. هذا يعني انها قمة في الغباء.. إمرأة بتجارب ناقصة..لأنها لا تقوى على مس الخطوط الحمراء والتساؤل بدهشة.. كم هم مزعجون اصحاب مثاليات مجتمع باهت..

اتتني وقبلتني كعادتها، وهي تعبر لي عن مدى اهتمامها بي. عيناها تنم عن ذكاء متطفل تدفعاني الى الهروب من المكان… اشعر انها تقرأني بدون ان تستأذني.. امر لا اسمح به لأحد..حتى هي..

اعتذرتُ وسحبتُ جسدي المثقل منها..

ذهبتُ الى الغرفة.. سرير يفترش المكان ويصرّ ان يحتضنني كل ليلة مع امرأة ذابلة.. لم اعد احب الأسّـرة الكبيرة، تذكرني بالولاء لإنسانة واحدة عديمة الخيارات طوال الحياة..

كيف يمكن للإنسان المتعدد الذكاء، والرغبات، والمهارات ان يقتل نفسه في ذاك الايطار الضيق.. مؤسسة الزواج مهزلة كبرى للجنسين، بل الكذبة التي اختلقها المدنيين لكي يشعروا أنهم اكثر تمدنا… تباً للمجتمعات "الحديثة" ..جردتنا من سجيتنا ومتعنا اليومية التي وهبتها لنا الطبيعة.. كم احسد البشر الذين يعيشون حياة بلا "حرية مسؤولة".. في اللا مكان هذا كل ما هو انثوي مجرد من المسؤولية ما عدا الحرية.. جعلوها مسؤولة..ابتزاز فعلا..واستخفاف برمز الانثى الجميل ..الحرية..

استلقيت على الفراش..لم اخلع..حذائي ..اعرف ان ذلك امر تمقته زوجتي.. مرات احب ان استفزها .. لأهشم في داخلها تلك المثاليات الاجتماعية والذوق المندلق بسبب وبدون سبب..

آآآآآآآه..لا بد ان استعيد نفسي… واخرج من دوامة المرأة الواحدة.. واللون الواحد..والزي الموحد..والردود المحددة.. شكرا..عفوا..كيف الحال؟ بخير.. كيف الاهل؟؟ الحمد لله.. كيف الشغل ؟؟ تمام.. كلها تنم عن تبلد في تبلد في تبلد..

العشق الابدي حماقة.. والولاء الزوجي خانق ..والالتزمات الاجتماعية جحيم… والزي الوطني مبلد للحس..وما يليق وما لا يليق اغلال تلتف حول العنق..اريد ان اكون انساناً آخراً..مجنوناً وواعياً وكافراً وعاهراً وداعراً ومتحرراً وزير نساء وملحداً ومرتداً وصوفياً وغجرياً ومشردا وبويهياً وقاضماً لكل مطبوعة كُتبت لإثارة الدهشة..اريد ان أتقمص كل دور لم اعشه من قبل…لا بد أن أجد لنفسي حيوات اخرى.. كي اشعر بالحياة.. هذا حقي.. واذا لم يكن حقي… هذا ما اريد… لا يهمني احد.. سأفعلها رغم انف زوجتي والمجتمع وكل مستغفلي البلد وجلادينه.. لأثبت للجميع انني لست "مثالياً" من قطيعهم، ولا اريد ان اكون "مثاليا" ابداً بإملاءاتهم..

فجأة انتابني شيئ ما، تلفتُ في أنحاء الغرفة شعرتُ كأن زوجتي سمعت ما يساورني من افكار..كرهتُ نفسي..هل انا الى هذه الدرجة مصادر حقي في اللا مكان هذا..؟؟

دخلت زوجتي الغرفة وذكرتني بسفري الليلة.. اعتادت ان لا تمس حقيبتي ..بل لا تقترب من اشيائي.. خلقتُ لنفسي عالمي الخاص بي، حتى وان كان على شكل بسيط..

نَظَرَت إلي وانا مستلقي بحذائي على السرير.. لم تقل شيئا..تباً لها... لم استطع ايقاعها في شراكي..عموما هذه آخر مرة تراني فيها بهذا الشكل..

تأهبت للخروج الى المطار.. سأغادر اللا مكان هذا.. لن ارجع اليه ابدا ..سأخرج بدون عودة.. بعد رحيلي سأبعث لزوجتي برسالة. سأطلب منها ان تطلقني، وان تبحث لها عن رجل تقليدي يليق بمثاليتها وحدودها المزعجة..

هذا اللا مكان بشره موبئيين بمرض الأنا..لا احد يهمه سوى ذاته.. بدون محاسبة لتلك الذات ونقدها..الرجال الملتحون يبحثون عن جنة من خلال إيذاء الناس ومرات قتلهم حتى في بلدان اخرى.. الرجال اللاملتحون يبحثون عن مغريات الحياة.. "حريم" مكسورات ..مال..سلطة .. شهرة..مجد.... والنساء ما أتفههن بلا طعم ولا ذائقة..احلامهن هي ان تتحقق احلام رجالهم..هذا كل ما عندهن..

في اللا مكان هذا لا مكان خارج الأنا، لذلك لا مكان لمن يتطـّلع خارجها..











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحدى المشاركات وتدعى مها ياسين


.. المشاركة مي الجرماني




.. حرائر السويداء لن تخيفنا محاولات الترهيب


.. هدية كمال إحدى المشاركات




.. إلهام ريدان وهي معلمة متقاعدة شاركت في احتجاجات