الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن عمل شريف

ياسر العدل

2007 / 8 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


فكرت وبصّرت كثيرا فى أن أجد عملا إضافيا قاصدا التخلص من أحوال اقتصادية سيئة تحيط بى ويعانى منها غالبية أساتذة الجامعة، تصورت أن تخصصى فى علم الإحصاء والرياضيات وحاجة الجميع لمنهج التفكير الرياضى يكفلان لى مجالات متسعة للعمل الإضافى فى معاهد وأكاديميات القطاع الخاص، هكذا فكرت فى المشكلة، التخصص نادر والحاجة إليه شديدة، وبدأت اتبع الطريق العقلى للبحث عن عمل إضافى، أعرض نفسى بوضوح وأحاسب الآخرين بوضوح، ولأن العقل لا مجال له فى كثير من أمور حياتنا باءت محاولاتى بالفشل.
ذات مرة طلب منى زميل أن أذهب معه للتدريس بأحد الأكاديميات العلمية ذات الادارة والملكية الخاصة، بعد حسبة بسيطة وجدتنى سأحصل على ما يقارب مائتى جنيه شهريا مقابل أعباء التدريس لمدة يوم واحد أسبوعيا، هكذا يكون الأجر الرسمى مقابل عدد ساعات التدريس الفعلية، وهكذا وضوح الحسبة يدعو للرفض، فالتكلفة اقل من العائد، وحين رفضت حادثت زميلا أخر خبير فى عمليات الإعارة والتقاط حبات الرزق من فوق الجسور والحوائط،، هذا الزميل الخبير نصحنى بضرورة الموافقة على التدريس وبنفس المبلغ المحسوب، وأخبرنى بأن العملية التعليمية فى الكليات والمعاهد فى التعليم الخاص تخضع لقوانين أخرى غير معلنة، شعارها شيّلنى وأنا أشيّلك، قوانين على شاكلة قانون عمل الجرسون النادل فى كازينو أو مقهى بلدى، الجرسون يتم تعينه مقابل أجر زهيد، مئة جنية شهريا مثلا، والجرسون الشاطر يقبل هذا الأجر الزهيد المعلن وربما يدفع من جيبه الخاص رشوة لصاحب المحل، الجرسون الشاطر يضع قدمه فى المحل ويعيش بعد ذلك على البقشيش وما يتركه الزبائن من فيوضات تتزايد كلما تساهل معهم فى اختراق كثير من الأعراف والقيم.
العمل التدريسى فى المعاهد والأكاديميات الخاصة أمر ميسور، صاحب الحاجة عليه أن ينضم إلى قائمة من أساتذة ذات مصالح مشتركة, لهم سماسرة فى القرى والبيوت ودور العبادة ومكاتب الوزارات، أحدهم يقوم بتدريس المقررات نصف تدريس، وآخر يؤلف الكتاب ربع تأليف، وثالث يبيع الكتاب المقرر بأكثر من كامل البيع، وعلى الباقين أن يسهلوا عملية الامتحانات والغش والتصحيح وإظهار النتائج، ويقتسم الجميع الغنيمة على البركة.
كل هذه اللصوصية فى تعليم أولادنا يديرها أصحاب مؤسسات تعليم مشكوك فى قدراتهم العلمية والأخلاقية، أحدهم دبلوم زراعة يملك ويدير معهدا علميا، وأخر حصل بجهد جهيد على دبلوم صنايع واشترى بسهولة شهادة دكتوراه مضروبة من دولة شرقية وأصبح يملك أكاديمية وجامعة، وثالث أقام مبنى فخم جدا على مساحة ضيقة جدا دون معامل ودون ملاعب، مبنى لا يصلح لغير بيع السيراميك والأدوات الصحية، ومع ذلك أصبح المبنى أكاديمية، هكذا دون قدرة علمية أو وازع أخلاقى ينتشر النصابون فى بلادنا، يتاجرون بالعلم ويصنعون فسادا ويهدمون كثيرا من القيم.
ذات مره سألت أحد المديرين عن فرص عمل للتدريس فى معهده، قابلنى المدير بترحاب وحين تأكد أننى خارج دائرة مصالحه الخلفية تهرب بكياسة من إجابة طلبى، لكنه لم ينس واجب الضيافة الرائقة، أتحفنى بقهوة وشاى ودعوة على الغداء مع توصيل لائق لشخصى إلى باب الخروج قاصدا أن يتخلص منى باعتبارى مصدرا للقلق، عند الباب أخبرنى انه ليس سيئا إلى الحد الذى أتصوره، أقسم بالطلاق مداعبا انه رجل طيب يقوم بخدمة جليلة للمجتمع وللحكومة، يحبس أجساد طلاب ضعاف علميا واجتماعيا فى معهده، ويستهلك أموال لا يحسن قدرها أولياء أمور منافقون، ويشغل الجميع بما يسمونه الدراسة الأكاديمية، الولد ذاهب للمعهد والبنت عائده من الأكاديمية، فينشغل الطلاب ويستريح الآباء، هكذا يعبر الطلاب سنوات المراهقة وفورة الشباب فى معهده، يعاقرون نجاحا ورسوبا وجلوسا على الكافيتريات والمقاهى المجاورة، وفى النهاية يحصلون على شهادات مضروبة تدليسا، يواجهون الحياة بشباب واهن وفهم ضعيف، تستلمهم طوابير الخدمة العسكرية وانتظار الزواج وطلب الوظيفة هنا فى دولة القعاد أو هناك فى دول الغربة، هكذا يتم ترويض أعداد هائلة من الشباب فلا يسببون ألما ثقافيا لأولياء أمورهم ولا يسببون صداعا سياسيا للحكومة، هكذا أقنعنى مدير معهد خاص انه يقوم على إدارة زريبة مهمتها تربية عجول لا صناعة عقول، واقتنعت أن للنصب ضرورة فى بقاء المجتمعات فاسدة.
بعد هذه الفضفضة والمصارحة بحال التعليم الخاص فى بلادنا أتسائل، لو أنى أحد المسئولين عن معهد علمى خاص من غالبية المعاهد التى ترعاها وزارة التعليم العالى فى مصر، توليت منصبى فى غفلة عن عيون العقلاء، هل اختار من هم على شاكلتى للتدريس فى هذا المعهد؟ الإجابة بالقطع لا، فمثلى لا يصلح للعمل تحت هذا النظام !! ذلك أننى أعرف أن الربح فى التعليم الخاص وفير يقارب عشرين فى المئة من رأس المال ويزيد أكثر مع كل تجاوز وإفراط فى الرشاوى والدعاية والاحتيال، فعلا أنا لا أصلح للعمل تحت هذا النظام، أننى لا أعرف فقط بل وأجاهر بالمعرفة أن هذا الربح القاتل سببه أولياء أمور متخلفون ثقافيا يدفعون بطلاب علم ضعاف اجتماعيا إلى مؤسسات ترعاها دولة رخوة سياسيا، وأعلن بشكل إحصائى أن هذه العملية يديرها فى الغالب الأعم أساتذة شطار ولصوص.
العمل العلمى والثقافى بين الطلاب تحت مظلة هذا النظام التعليمى الفاسد لا يتحمل أستاذا مثلى يرفض أن يكون جرسونا فى زريبة تزرع الفساد، ويحاضر طلابه بطريقة تبث روح الفكر العلمى وتدعوا الجميع للنهوض من قاع تخلفنا الرهيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على