الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذايندرج الشباب في تيارات العنف

مهدي النجار

2007 / 8 / 4
المجتمع المدني


لايمكن ان نُلصق ظاهرة انخراط الشباب في تيارات العنف بالمسلمين وحدهم وكذلك لا يمكن ان نُرجع اسباب هذه الظاهرة الى الدين الاسلامي نفسه، فالاديان جميعها بما فيها الدين الاسلامي تناهض العنف والتشدد والكراهية وجاءت رحمة للانسان،أي ان الدين جاء لخدمة البشرية واصلاحها وهدايتها، وعلى حد التعبير العيسوي: "السبت للانسان وليس الانسان للسبت" معنى ذلك ان لا شئ اكرم واغلى ثمناً من الانسان، وكانت في مقدمة الوصايا والتعليمات الدينية حب الناس بعضهم لبعض وعدم ايذاء الاخرين او النيل منهم معنوياً اوجسدياً: "لئن بَسطتَ الي يَدَك لتقتلني ما انا بباسط يدي لاقتلك اني اخاف الله ربَ العالمين" المائدة/28 هذا المثال يقدم نموذجاً انسانياً متسامياً بانسانيته ورفيعاً باخلاقه يريد منه الاشارة الى ان من يخاف الله حقاً ويحبه حقيقة لا يقدم على قتل الاخرين حتى لو ارادوا قتله، وما اعمق هذا النداء العالمي الشامل الذي يصلح ان يكون قانوناً مدنياً لكل الامم وفي كل الازمان: "مَن قَتل نفساً بغير نفسٍ او فساد في الارض كانما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكانما احيا الناس جميعاً" المائدة/ 32 بل يستلزم الامر في التعاليم الدينية (خاصة الاسلامية) ان لا يؤذي المرء نفسه او يقتلها، يقول الرسول الكريم: "من وجَأ (ضرب) نفسه بحديدة حُشرَ يوم القيامة وحديدته بيده يجأُ بها نفسه خالداً مخلداً بالنار" لذا بادئ بدء ينبغي استخلاص بان هذه الشبيبة في المجتمعات الاسلامية (نسبة الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 – 24 سنة تتخطى العشرين بالمئة من عدد السكان ) ليست من طبيعتها القارة ان تندرج في تيارات العنف والتشدد او انها (كما يحلو للبعض ان يقول) مَجبولة بجبلة عدوانية وهوس تعصبي او ان دينها يدفعها لممارسة العنف وبالتالي لا يمكن التخلص من هذه الظاهرة والانتقال بالمجتمعات الاسلامية الى حالة الازدهار والوئام الاهلي او السلام الاجتماعي.


هناك حقيقة مُروعة لابد من الاشارة اليها وهي ان الالفية الثالثة(اوائل القرن الحادي والعشرين) قد شهدت تقهقراً مقلقاً للعقلانية والتنويرفي السياقات الاسلامية قاطبة مقابل ازدهار الظلامية وتعاظم التعصب الديني والمذهبي وصاحب هذا المشهد اللافت للنظر تصاعد انشطة العنف بكل مظاهرها الدموية القاسية والعشوائية واللااخلاقية (تدمير القرى الامنة وابادت اهلها/الانتحار بالاحزمة الناسفة والعجلات المفخخة وسط حشد من الناس المدنيين/قطع الرؤوس ورمي الجثث بالشوارع والمزابل والمياه الاسنة/القتل الجماعي والاستلذاذ بموتهم والتمثيل بابدانهم/تفجير المدارس والمستشفيات ودور العبادة...الخ) وحين نشخص الفاعلين الاساسيين لهذا النوع من العنف المتوحش نجد ان اغلبهم من فئة الشباب، لذا يتوجب ان نبحث عن اسباب عنف الشباب المتصاعد ليس فقط في ثقافتهم الدينية ولا ان نضع كل اللوم عليهم لانهم انخرطوا في تيارات العنف والتشدد لان لهذه الظاهرة اسباباً اجتماعية واقتصادية قاهرة وظروفاً من القمع السياسي الذي لا يطاق انتجتها انظمة استبدادية جائرة(سلالية وشمولية) ضعيفة الشرعية او لا شرعية لها وقد فشلت فشلاً بيناً في نقل مجتمعاتها الى الحداثة والرفاه والاستقرار، ومما يزيد الطين بللاً فان هذه المجتمعات ظلت تتضخم عددياً داخل اسيجتها التقليدية المازومة بالفقر والتخلف والوعي المزيف، تضخماً ليس له أي مثيل تارخي في العالم، فالسكان تزايدوا بنسبة تتراوح بين 60% الى 70% خلال فترة لا تتجاوز الخمسة وثلاثين سنة ونتيجة لمعدل الزيادة السكانية الكارثية فان نسبة مسلمي العالم التي تبلغ الان 20% من سكان العالم (يوجد الان حوالي بليون نسمة) ستصل هذه النسبة الى 35% بحلول سنة2010 . اضافة الى هذه العوامل الداخلية المسببة في انتاج ظاهرة العنف فان عوامل خارجية تشترك في انتاجها على راسها ضغوطات الاخر (الغرب وامريكا) من اوجه حداثته الشرسة


والمتغطرسة التي تتمثل بدعواته الشكلانية النظرية للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان والتي نجدها مفرغه من معناها في معظم الاحيان والدليل على ذلك ان الغرب يتعامل بمعايير مختلفة حسب مصالحه وارادة سياساته النفطية ويُغلب الصفقات العسكرية والتجارية ويتحالف مع اعتى الانظمة استبداداً على كل اعتبار لحقوق الانسان او قيم الديمقراطية اذا ما دعت الضرورة لذلك ووفق تاكيدات صموئيل هانتغتون: "فان الغرب استطاع ان يكسب العالم ليس فقط بسبب تفوق افكاره او قيمه اودينه وانما بالاحرى بسبب تفوقه في تطبيق العنف المنظم، وكثيراً ما ينسى الغربيون تلك الحقيقة ولكن غير الغربيين لا ينسونها" .
اضافة الى ما اسلفنا من اسباب فان الاهم من بين تلك الاسباب المنتجة لظاهرة العنف نجدها في واقع الشباب انفسهم، اولاً وقبل كل شئ في اوضاعهم المعيشية وانحداراتهم الاجتماعية،فمن الملاحظ ان اغلب الشباب المنتمين لتيارات العنف والتشدد ينحدرون من الارياف والبوادي والاهوار،كل عام يهاجر منهم جيش ضخم فرادى او هم وعوائلهم صوب المدن تخلصاً من رداءة اوضاعهم وبؤس حياتهم، تجذبهم اضواء المدنية الكاذبة في المدن وترفها المزيف اذا ما قورنت باحوال البوادي والارياف لان المدن الاسلامية نفسها هي بائسة وتعشعش فيها الفوضى والفاقة وازدحام السكان، هؤلاء المهاجرون يواجهون موانع صلبة للوصول الى مراكز المدن (خاصة العواصم) لذا نجدهم يستوطنون على الاطراف ويشكلون احزمة (ضواحي واحياء) رثة وضاغطة حول المراكز. اذا ما سكن المرء لبضعة ساعات في هذه الاحياء فسيرى جهنم نفسها هنا، توجد مساكن عاجزة عن حماية نفسها من الانهيار والسقوط، مساكن مشيدة من الطين او من التنك او من بقايا مواد انشائية تالفة، لا تتوفر في احسنها المياه الصالحة للشرب و مجاري الصرف الصحي ومنافذ التهوية ومنظومات الكهرباء، فهي على أي حال لا تليق بسكن حتى البدائيين من البشرناهيك عن الاكتظاظ السكاني


المفرط بحيث يصل معدل الافراد الساكنين في هذه النُزل الوضيعة التي لا تتجاوز مساحة اغلبها عن المئة متر مربع بين عشرين وثلاثين فرداً من بينهم ثلاثة افراد او اربعة متزوجون ولديهم اطفال،تمارس هذه العوائل دورة حياتها بصخب وضوضاء وانفلات وانشداد عصبي، اذا عشت بين هؤلاء الناس بضعة ساعات وخطر ببالك ان تتحدث اليهم بمزاج رائق عن التسامح والحرية وصناديق الاقتراع والبرلمان والديمقراطية...الخ فسوف لا يصغي اليك احد، واذا استمع البعض منهم فسوف تراهم يغرقون بالضحك سخرية منك !! ستعرف معنى ذلك اذا تابعت حياتهم في الصباح، كيف تتجه جحافل الشباب وهي غاصة بالمرارات والاحباطات والتمزقات صوب مراكز المدن،هذه حقيقة سنلمسها بسهولة خاصة في قلب العواصم الاسلامية مثل الجزائر والرباط وبغداد واسلام اباد وصنعاء وطهران وحتى في العواصم الغنية مثل الرياض... نجد الشبيبة ضائعة،مُهانة، مُحبطة، تبحث عن لقمة وعن عمل فهي تعيش تحت خط الفقر ولا يزيد معدل دخل الفرد اليومي عن دولار واحد أي اقل من ثمن ثلاث قناني من المشروبات الغازية، وكنموذج لهذه المجتمعات الاسلامية فان نصف الشعب السوري (كما يقول رئيس الوزراء السابق عبد الحليم خدام) يعيش على القمامة !! .
من هنا يبدأ احتواء الشباب ودفعهم للاندراج في تيارات العنف، ستوفر لهم الحاضنات الدينية مشاريع امل كبيرة ولكنها التباسية ووهمية، ستصنع منهم خلايا جهادية مدمرة،مثل تلك التي تصنعها كهوف تورو بورو، عن طريق شحن نفوسهم بنصوص القتل والكراهية بعد اجتثاثها من ظروف تنزيلها وتاويلها حسب وعي الوعاظ والمرشدين المتكسبين من الدين ومن التلاعب بالايات الكريمة، هذا الوعي الراكد الذي يهدر الابعاد التاريخية للنصوص المقدسة والحوادث والوقائع الدينية ويتغلب فيه الجانب الاسطوري على التاريخي والخرافي على الواقعي ويعتقد بامكانية استرجاع الماضي كما هو وبالتالي يشن هؤلاء الوعاظ حملات معادية على الحداثة ويستخفون بمنجزاتها وابداعاتها،


يكفرونها وينسبونها الى الشيطان الاكبر، يشتمون الحداثة ليل نهار حتى يغسلونها غسلاً لان عيبهم الاساس هوعدم معرفتهم بالحداثة وعلومها المعاصرة من حيث اليات معرفتها ومن حيث محتواها.
ماذا سيخسر الشباب اذا ما اندفعوا بكل قوتهم نحو التدمير ونحو الانتحار، وهل ثمة شئ عندهم سيخسرونه؟! سيان امامهم الحياة او الموت، بل يبدو ان الموت هو الارجح لان هذه الشبيبة مشبعة منذ طفولتها براسمال تبشيري ياملهم بحياة اخرى سعيدة، راسمال تبشيري يعطي الامل والخلاص لمن فقدوا كل الامل، لمن اقتلعوا من جذورهم وقراهم واعيادهم وطقوسهم وعقائدهم الحميمية والدافئة التي لا تخلو من شاعرية، ولما كانت اغلبية هذه الشبيبة تعاني من الامية الابجدية ومتعلميها يعانون من الامية الثقافية فستسحرهم المواعظ والخطب التي يحسن مشاهير الوعاظ بكيفية تهييج المشاعر ودغدغدة العواطف من خلال التلاعب بالالفاظ وتغيير نبرات الصوت ورفع الايدي وخفضها ورسم الصور المختلفة على سحنة الوجه حتى يصل الحال اذا اقتضى الامرالى البكاء وزخ الدموع، يرسمون لهم ابهى الصور الخيالية ويحثونهم لان يصلوا الى الجنة باسرع الطرق بواسطة قتل انفسهم وسط حشد من الاعداء( سواء من ابناء جلدتهم او من الغرباء) . حسناً،وانت تريد ان توقف اندراجهم في تيارات العنف وتسد الطريق امام التشدد، لكن ماذا قدمت لهم حتى تسحب بساط الامل من تحت اقدامهم، الامل الذي يتضخم ويتضخم ساعة اصطدامهم بالاهوال والمصائب والمصاعب فيعوض عن حرمانهم ويقلل من حسراتهم، انه بمثابة غذائهم الروحي وليس غيره من غذاء.

تموز/بغداد/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر