الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات البرلمانية التركية والأنموذج اللطيف غربيا للإسلام السياسي

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لعلّ الأوان لم يفت بعد لكي أدلي بدلوي في الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في 22 يوليو الفائت، واشترك فيها 35مليون ناخب. فالظروف لا تزال هي نفسها، و آثارها ستبقى لفترة أطول وستتفاعل مع القادم من الأحداث والمستجدات. وقد جرت تلك الانتخابات بعد اشتداد الخلافات بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب القومية حول انتخاب رئيس للجمهورية في هذا البلد. طرحت الأحزاب القومية قضية ضد حزب العدالة والتنمية بأنه أقر ّ في أجندته إحلال الشريعة الإسلامية تدريجيا محل القوانين العلمانية والمدنية، ما أدى إلى تشديد اعتراض الأحزاب القومية على ترشح عبد الله غُل لرئاسة الجمهورية و اضطراره إلى الانسحاب. ولمواجهة هذا التحدي أعلن حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان إجراء الانتخابات النيابية المبكرة قبل موعدها ، فجرت يوم الأحد الماضي.
و بعد الاستعدادات التي جرت قبل شهور من الانتخابات و الاصطفافات الجديدة برزت 4 اتجاهات سياسية ضمت الأحزاب والمنظمات المختلفة المتنافسة. اتجاه يتمثل بالأحزاب والمنظمات الشوفينية التي تريد الإبقاء على البنية القانونية التي أفرزتها ظروف الانقلاب العسكري في العقدين 60 و 80 الميلاديين ، ويقوده حزب الشعب الجمهوري.
و كان هناك اصطفاف آخر لأحزاب و منظمات يبرز فيه حزب العدالة والتنمية كقوة رئيسية وقائدة و ذات هيبة فيه، وهو الحزب الحاكم في تركيا منذ 5 أعوام، وهو حزب إسلامي ويلعب دورا كبيرا في الميدان الاقتصادي التركي.

و إلى جانب الاتجاهين المذكورين كان ثمة اتجاه سياسي آخر يجمع أحزابا و منظمات مثل الحركة الشعبية و مناطق عملها على الأغلب هي المناطق ذات الأغلبية الكردية، و تعمل في سبيل كسب بعض الحقوق القومية.
و ثمة أوساط شعبية في تركيا كانت تسعى إلى إبقاء تركيا مجتمعا علمانيا تسوده قوانين مدنية وعلمانية، و يبقى الدين مفصولا عن سياسة الدولة والحكومة، و تعمل كذلك إلى صيانة المكاسب الإنسانية و التحررية في المجتمع. هذه الشرائح الاجتماعية لم تكن تتمثل في حزب أو منظمة معينة، لذلك وقف قسم منها خلف أحزاب وطنية قومية ويسارية تقليدية اتفقت على برنامج خاص بها.
وقد قامت كل الأحزاب المتنافسة قبل الانتخابات بدعايات انتخابية هائلة صرفت فيها عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية.. مثلا، حزب الشعب الجمهوري خصص لوحده 63 مليون دولار للدعاية الانتخابية..؟؟؟
وفي فترة الدعاية الانتخابية دعت المنظمات غير الحكومية إلى التظاهر دفاعا عن العلمانية، واستجابت لها جماهير واسعة في المدن الرئيسية.
والمتابع للأخبار يعرف كل تفاصيل الانتخابات، و أنه بلا جدوى أن أنقل وقائعها التي نشرت في وسائل الإعلام و لا تزال محفوظة في أرشيفها ، لكني أريد أن أعبر عن رأيي، ألا هو أن المواطن التركي سئم ألاعيب الساسة، ومل وعودهم، وراح يبحث في الوجوه الانتخابية الكثيرة التي يراها صباح مساء وبين برامج الأحزاب عمن سيعيد للاقتصاد المنهك قوته، ولليرة التي فقدت نصف قيمتها عافيتها، ولطوابير العاطلين عن العمل بعض الأمل، و الذين هدهم القتال اعتبارهم، وقد فاز حزب العدالة والتنمية مرتين في الانتخابات لأن الناس في تركيا عقدوا عليه آمالهم ، ولأنهم الحكومات السابقة كانت أسوأ مما توقعوا.
ففي تركيا يمكن للحزب الذي يفوز بنصف مقاعد البرلمان زائدا كرسي واحد، أي 276مقعد أن يشكل الحكومة بدون ائتلاف مع أحزاب أخرى. حزب العدالة والتنمية بمقاعده ال341 لا يمكنه انتخاب رئيس الجمهورية ، إذ أن ذلك يحتاج إلى 3 أرباع المقاعد 267 مقعد ، ولذلك عليه أن يعقد ائتلافا مع أحزاب أخرى.


يمكن للمشاهد أن يقرأ طموحات المجتمع التركي الحديثة والإنسانية السامية. و يبرز هناسؤال ، ألا هو لماذا انتخب الشعب التركي حزبا إسلاميا؟ هل سيحقق أهدافا مدنية ولبرالية وإنسانية؟ إن حزب العدالة والتنمية يحظى بحماية ودعم قسم من الرأسمالية التركية ، وقام بإصلاحات عديدة في مختلف الميادين تحظى بتأييد الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى تمكن من جذب الرأسمال الخارجي و تقوية العلاقات التجارية مع البلدان الأخرى ، و استطاع أيضا إلى حد من تحسين الاقتصاد التركي و السيطرة على التضخم و رفع قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، ما أهله لتبؤ هذا الموقع المهم في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، و إحراز تقدم مسيرة الدخول في الاتحاد الأوروبي.

كل تلك الظروف آنفة الذكر في فترة الخمس سنوات من حكومة هذا الحزب كانت باعثا لكسب قسم من رأسمال تركيا وشرائح مختلفة من المجتمع وحمايتها بحيث رأينا أن نسبة ناخبيه في مدن اسطنبول وأنقرة وأزمير كانت عالية رغم أن قاعدة الحزب الأساسية اقتصاديا واجتماعيا تقع في الوسط و شرق تركيا.
والعامل الرئيسي الآخر لفوز حزب العدالة والتنمية الذي هيج الرأي العام و أصبح لصالح حزب العدالة والتنمية كان تدخل الجيش التركي في الدفاع عن الأحزاب الفاشستية والشوفينية التركية تحت مسميات الدفاع عن العلمانية ما غيّر المسير السياسي لصالح حزب العدالة والتنمية .
إن الأحزاب القومية لموقفها الداعي لحفظ القيم القومية و البنية الفاشية المستندة على الجيش و عجزها عن إظهار سياسة اللين و الانعطاف تجاه الغرب بمقدار ما يبديه حزب العدالة والتنمية ، بالإضافة إلى كثرة أنصارها العلمانيين الداعين إلى عدم المس بعلمانية تركيا، لكنها انهزمت أمام حزب العدالة والتنمية هزيمة مرّة.

والقسم الثالث المتكون من أحزاب كردية ومتعاطفة مع الأكراد والتي رفعت مطالب قومية ، لم يكن لها طموح سوى ارتفاع نسبة العشرة بالمائة التي حصلت عليها في الانتخابات لكي تحصل على مقاعد في البرلمان ، وقد حصل لها ولا يستبعد أن تشكل ائتلافا مع حزب العدالة والتنمية لانتخاب ممثله لرئاسة الجمهورية.

القسم الرابع كان المستقلون غير المنتظمين في أحزاب ومنظمات سياسية تمثل مطالبهم العلمانية واللبرالية والتحررية و لضعفها وقفوا خلف الأحزاب القومية.
لقد سمعت ُ من مقيمين أتراك يقولون كان الأفضل لهذه الأحزاب استثمار المال الوفير الذي صرفته للدعاية الانتخابية أن تستثمره في مشاريع لخدمة المواطنين الفقراء والمحرومين لنيل أصواتهم، ربما في انتخابات قادمة.
هذه المنافسة الانتخابية على السلطة في تركيا لم تكن الهدف منها تحقيق آمال و طموحات المحرومين و الكادحين في التحرر والرفاه والأمن والأمان . إنها كانت لإظهار تركيا بوجه مقبول من قبل الرأسمالية العالمية ، ملائمة مع شروط العولمة والنظام العالمي الجديد. كانت منافسة لتقديم شكل إسلامي مختلف عن الإسلام السياسي الإرهابي إلى العالم الغربي، إسلام يكون نموذجا أفضل لأوروبا، -وبالفعل أراه أفضل بكثير من الإسلام الوهابي الهمجي- ,قد نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة اوردوغان في تمثيل هذا الأنموذج من الإسلام ، و كذلك طمأنة الرأسمالية الوطنية و الخارجية بأنه القادر على حفظ مصالحها و مصالحه على أفضل وجه.
‏03‏/08‏/2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسن المستكاوى: وقت الإخوان قالوا لى ملكش دعوة بالسياسة وخليك


.. كواليس جديدة عن ثورة المصريين وتمردهم ضد حكم تنظيم الإخوان ف




.. حسن المستكاوى: مش قادر أنسى الذكريات المؤلمة وقت حكم الإخوان


.. 153-An-Nisa




.. كيف استغل تنظيم الإخوان الدين لخدمة أغراضهم وتشويه ثورة المص