الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة -برانا- الثقافية

عفيف إسماعيل

2007 / 8 / 10
المجتمع المدني


*مُسامرة سودانوية



"لقد قلت لك أيها الرئيس:ان كل ما يجري فوق هذه الارض غير عادل، غير عادل، غير عادل: أنا دودة الأرض زوربا الحلزون لا أوافق علي ذلك"
نيكوس كازنتزاكس

مبادرات ثقافية كثيرة في المشهد الثقافي السوداني علي إمتداد المليون ميل مربع انتجها واقع التهميش الثقافي من قبل مركز السلطات الحاكمة الإحتكارية علي إمتداد التاريخ السياسي ما بعد إستقلال السودان علي ما عدا عصبويتها المقربة من قبائلها القديمة والحديثة – أعني بالقبائل الحديثة بعض أحزاب اليمين السياسي السوداني - التي تنطلق ايدلوجياتها من أرث مقدس في الإقصاء لا يقبل غير الدحرجة إلي الوراء وضد عجلة التطور بكافة أشكالها ما عدا تلك الأغراض الأبن- يعقوبية التي تخدم ميكافلية حوجتها الطارئة ثم العودة القهقهري لتكون سادنة القديم بداعوي المحافظة علي التراث بعيداً عن عبث وشوائب الحداثة الهدامة. أما الحد الآخر في المعادلة يضم بعض أحزاب اليسارالمسيار الذي مازال وفياً لجذوره الثائر عليها، ويتخذ من تلك المبادرات الثقافية أبواقاً إضافية أو بديلة لعمله السياسي حين تضيق به السبل المستهلكة، أو حواجز صد موقتة ضد الظرف السياسي الخانق لتلعب دور الكمبارس الفاعل الذي بدونه لا تتم المسرحية، لتتحول المحصلة تسمين رصيده وكسبه في معترك النزاع حول السلطة، ولا آسف علي هذه المبادرات الثقافية إن حُرقت مرحلياً أو تم تبويق أصواتها وفاعليتها وتحدد انحيازتها من الكل الوطني إلي حيز الرصيد الحزبي الذي تفاخر به بقية المتراهنين علي حيازة كرسي السلطة المنتظر.

أغلب المبادرات الثقافية السودانية تولد في ظروف مشوهة ، تجعلها تتحمل أعباء أكثر من طاقة قدراتها علي النمو بشكل طبيعي وصحي، مثل دائماً هناك ظرف سياسي خانق يخشي من ظله يتحسس مسدسه بإستمرار اذا سمع كلمة ثقافة، ويطور آليات قمعه للحد من كل ما يمت لها بصلة، أو يحاول ما استطاع أن يدجن فعالية تلك المبادرات الناهضة، وأيضاً هناك أرث الإصطراع الإعتباطي بين الأجيال في الثقافي السودانية ، وثالثة الأثافي شح الموارد المالية، ثم طبيعة التكوينات الداخلية للمبادرات في جنوحها للخروج لينة العظم الفقري، يقودها الحماس والدفع الداخلي وغبن التهميش بدون تخطيط برامجي استراتجي أو مؤسسي، تجعل وجودها كالمنبت في الفضاء الطلق للفجيعة الثقافية بغير أي سند معنوي أو مادي، لتكون بذلك مشروع جنازة إضافية تضاف لخيبات ذاك الجيل والوطن، أو في أفضل الأحوال حسرات زخم زاوي الوميض يخصب أحاديث "الوناسين" الثقافيين في جلسات الإجترار والدوارن في دوائرٍ برجلها أعرج.

مبادرة "برانا" الثقافية" ضوء جديداً في عتمة ظلال التشابه والإجترار والقمع الثقافي الممنهج، وخروج من عنق المبادرات رهينة البدايات المشرقة، ثم الخفوت، أو الإعتراك في ذلك المستنقع الضحل الذي يسمي الفجوة أو القطيعة بين الأجيال الذي واد العديد من المبادرات المثمرة بسبب الافراط في العداوة في لا معترك بين الاجيال بديلاً للتخاصب والتواشج المعرفي والاعتراف بالسابق كبذرة نابضة ولها ريادتها واستمراريتها وحقها الثقافي والديمقراطي في اختياراتها لأشكال وطرق شروط بقاءها. ولذاك الجيل السابق خبراته المتسقة مع شروطه الزمكانية ولا يمكن محاكمتها بأي حال من الأحوال بوحدات قياس تاريخ اللحظة الحاضرة وراهنيتها.

تبدو مبادرة "برانا" الثقافية إلي حد ما قد نجت من هذه الآفة فقد شاركت أجيال متقاربة الهموم والشقاء ومغبونة علي أمرها متعددة في تأسيسها، أو في تقديم بعض السند المشوري، مما جعلها في عامها الأول تقفأ عين الشفاهة بأربع كتب وهي:" منزلة الرمق.. مذهبٌ في كمال النحول" للشاعرة المتميزة نجلاء عثمان التوم، و"جناين الهندسة" للشاعر محمد الصادق الحاج" ذاك الفريد بين شعراء الحداثة السودانية أو ما بعد حداثويتها ، و "غرقى في المياه الجميلة" للشاعر الجميل خالد حسن عثمان، و"الطواحين" الطبعة الثانية للروائي عبد العزيز بركة ساكن الصاعد بقوة في أفق الرواية الأفريقية والعربية.

وايضاً تلك البادرة الواعية البراعة من مبادرة "برانا" الثقافية بالتضامن مع القسم الثقافي في صحيفة "السوداني" بالاحتفاء باليوم العالمي للشعر ، ويعتبر ذلك تكريسا حضارياً لأحد الأعياد التي لا بد ان تكون في المستقبل أحد الأعياد الوطنية في بلد مثل السودان يلعب الشعر فيه دور يتعاظم يوما بعد يوم. وان تختار مبادرة "برانا" الثقافية شاعر الشعب "محجوب شريف" رمزاً شرفياً للإحتفاء، تعلن بذلك إنحيازها التام للوطن ومن أجل انسان السودان، وتكمل بذلك النصف الاخر من خطوة البدء لمسيرتها ذات الأثر الأخضر المُبشر.

أدعو الأجلاء في مبادرة "برانا" الثقافية لوضع خطط للـ"التشبيك" مع مؤسسات المجتمع المدني القائمة ولها خبرات في صناعة الكتاب في السودان وتتقاطع خططها معهم ويثقون في نواياه الثقافوطنية والفكرية في هزيمة وحش الشفاهة، لخلق تعاون مثمر يضيف لتجربة كافة الاطراف التي تعمل علي النهوض بانسان السودان من وهدة التغيب والطمس والهوس.
كما أدعو بشكل خاص كل مبدعي الدياسبورا السودانية في كافة القارات للمساهمة في هذا الجهد الخلاق لمبادرة "برانا" الثقافية، وعليهم فقط أن ينفضوا الغبار عن مخطوطاتهم التي طوتها أدراج الغربات المستطيلة، وأن يستقطعوا قليل من أحوالهم العسيرة، ومن شظف عيشهم الذي أعلم جيداً جوع ترفه ليساهموا طباعة انتاجهم أولاً ليجد مكانه الطبيعي بين رفوف مكتبات الوطن بأسعار معقولة وفي متناول يد الجميع، وليذهب ما يتفق عليه بين جميع الأطراف من ريع هذه الإصدارات لطابعة كتب أخري لكُتاب من داخل المحرقة يربون الحلم علي صهد الجمر في محل البلد الظالم لمبدعيه إلي حين أن تؤسس المبادرة مصادر ثابتة للتمويل. ودائماً فليتواصل الحلم نحو مركزية الهامش الثقافي السوداني.

* مُسامرة سودانوية، المقال الشهري الذي يكتبه عفيف إسماعيل لصحيفة المهاجر بأستراليا، عدد اغسطس2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: إزالة دمار الحرب في غزة يتطلب 14 سنة من العمل


.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة




.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج