الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشق الخس

عبد المنعم عبد العظيم

2007 / 8 / 10
المجتمع المدني


المرأة الفرعونية وتفانين الطبخ
دأبت في الآونة الأخيرة فئات من المجتمع المصري من باب الفخار، استيراد أطباق ولائمهم من المطاعم الشهيرة بالعاصمة الفرنسية باريس، وعلى رأسها حساء الضفادع الذي يصيب الإنسان المصري بالقرف.

ولعلني أدعوهم معي في جولة مع التاريخ لنرى أعرق مطبخ في التاريخ، مطبخ جدتي الفرعونية، لنرى مدى التقدم الذي وصلته هذه الحضارة العريقة التي علمت العالم في وقت كانت حضارة الغرب فيه همجية بدائية قبل أن تنقل لهم الحضارة اليونانية والعربية في الأندلس وصقلية وماحمله العائدون من فلول الحروب الصليبية المنهزمة، وماحملته إليهم الدولة العثمانية من روافد العلم والمعرفة والحضارة.

إن معظم الوجبات التي نعرفها اليوم فرعونية الأصل مثل الفول المدمس والبصارة والطعمية والكباب والتورلي (مجموعة الخضروات توضع في طاجن، ويضاف إليها الثوم لفوائده الصحية).

وعرف مطبخ جدتي من الخضروات: البسلة والكوسة والعدس والكرات والثوم والخيار والقلقاس.

وكان لجدتي غرام خاص بالخس الذي كانت تقشره وتنقعه في الماء وأحيانا تضيف إليه زيت الزيتون كمقوٍّ ومنشط.

عرف مطبخ جدتي من الفواكه: الدوم والجميز والخروب واستورد قدماء المصريين البلح من العراق، ثم زرعوه بمصر، كما عرفوا التين البرشومي الذي كان يزرع بغرب الإسكندرية، وكذلك الرمان.

وفي معبد الكرنك منظر يمثل تحتمس الثالث يستورد الرمان من بلاد الشام وهو الذي ادخل زراعته في مصر، ثم أصبح فاكهة محلية في عصر رمسيس الرابع.

كانت جدتي الفرعونية زوجة مثالية وربة منزل من الطراز الأول تقضي جل وقتها في مطبخ منزلها، لتعد بنفسها الطبق المفضل لزوجها حتى لو كان لديها الخدم والحشم.

كانت جدتي سيدة مودرن تهتم جدا بالجمال، تنسق المائدة بالزهور الجميلة طيبة الرائحة، تقطفها بيديها من حديقة منزلها فقد كان لكل بيت حديقة.

كان مطبخ جدتي عادة في الجزء الخلفي من المنزل، حتى لاتؤثر روائح الطعام في نقاء باقى الحجرات.

يقول ت0ج0 جيمز في كتابه "الحياة أيام الفراعنة" :

"كان المطبخ هو أقصى الغرف من مدخل البيت وكان يسقف بالأغصان والقش بحيث يحجب الشمس، وفي نفس الوقت يسمح بتصريف دخان الطبخ، وفي أحد أركان المطبخ كان يقام الأتون لطبخ الخبز، وهو ذو درجات لوضع الآنية، كما أنه مليس من الخارج بالطين، وكان يثبت في الغطاء الطيني مايشبه العراوي، ربما كان لوقاية الغطاء الطيني، ومنع تهشمه بالحرارة.

وكان بالمطبخ عادة على الأرض هاون حجري أو أكثر لجرش الحبوب، كما كان به حوض للعجين مطلي بالجير، وملاصق لأحد جدران المطبخ، وكان المطبخ يحتوي كذلك على كوة لوضع تمثال لأحد الالهة المنزلية الحافظة لإبعاد الأخطار اليومية مثل الثعابين والعقارب والأرواح الشريرة."

كانت جدتي مغرمة بالتخزين، وحجرة الخزين من الحجرات الرئيسية في البيت المصري القديم. كان المصري عموما يقدر قيمة الأراضي الزراعية ولا يضن عليها بجهده، ومع ذلك كان يخشى من شر المجاعة.

كان يعرف بخبرته أن فيضانا ضعيفا أو جارفا يستتبعه عادة محصول ضعيف، فجعل من التخزين إحدى عاداته، وعموما عاش المصري القديم في بحبوحة من العيش، وكان يميل إلى الجيد من الطعام.

وكان المصري القديم من أكثر الناس أكلا للحوم، فمناظر القصابين وأنواع الحيوانات المخصصة للذبح تغطي جدران المعابد، وكانت العجول أهم مصدر لها.

كانت معظم وجبات جدتي صحية جدا، كانت تكثر من تقديم الخضروات لعظم فائدتها، ومعها مشروب الخروب المنقوع في العسل، وتحرص على تقديم اللبن وعسل النحل في الإفطار، وكان حساء الخضروات المسلوقة من هذه الأطباق.

يقول هيرودوت "أكل المصريون الطيور والسمان والبط والإوز وبعض الطيور الصغيرة التي كانت تؤكل مملحة."

كان المصري القديم مولعا بالبط والإوز المشوي والطيور المشوية عموما.

وكانت جدتي تقطع شحم البط والإوز قطعا صغيرة، وتضيفه لطواجن الخضروات لإكسابه نكهة لذيذة. كانت الأسماك أيضا من وجبات جدتي المفضلة.

وفي النقوش الفرعونية يجلس الصيادون على الشاطىء، أمامهم منضدة صغيرة منخفضة ينزعون عليها أحشاء الأسماك وزعانفها والرأس والذيل، ثم يضعونها في سلال كبيرة، ويعلق السمك كبير الحجم على المجداف أو يذهب به مباشرة إلى المنازل، أو أماكن التجفيف حيث يملح ويعلق على خطاطيف ليتعرض للشمس والهواء. وبعد ذلك ينقل إلى حجرات التخزين.

كان من أحب الأكلات لدى جدتي الشيش كباب والسمان المحشى بالفريك.

وعلى جدران المقابر مناظر لنساء ينزعن ريش البط والإوز، وينظفن داخله، ويقمن بشيه على الأسياخ، ومنظر لطاهٍ يمسك في يده بطة يقوم بشيها على نار الفحم، ويحمي باليد الأخرى وجهه من لفحة النار المشتعلة.

وعرفت سفرة جدتي الشوك والسكاكين والملاعق المصنوعة من العاج واستخدمت أنابيب رفيعة من إمعاء الحيوان لتناول الحساء كما عرفت المصفاة والصواني والأكواب النحاسية.

كان موقد جدتي مصنوعا من الطمي المحروق، ويوجد به ثقوب لتوزيع الهواء، وهناك مواقد عبارة عن حفرة كبيرة تملأ بالفحم ويوضع فوقها لوح مستوٍ توضع عليه الآنية.

كما عرفت جدتي الكانون التقليدي، وهو عبارة عن حجرين متقابلين يوضع الفحم وسطيهما، كما عرفت نوعا من المواقد المتنقلة التي تصنع من فخار أسطواني ارتفاعها حوالي متر، أسفله فتحة يدخل منها الهواء ويخرج منها الرماد، وفي داخله قضيب أو بضعة أسياخ يوضع عليها الوقود، وكان يوضع فوقها إناء ذو مقبضين، وعرفت أيضا أفران تصنع من المعدن عبارة عن صندوق بدون قاع.

كانت جدتي حريصة على نظافة مطبخها وبيتها وجمال بشرتها وتحرص على الاحتفاظ برشاقتها ونعومتها. وفي كل صباح تقدم طعام الإفطار لرب الأسرة حينما يفرغ من الاغتسال وارتداء ملابسه.

كانت تقدم له عادة قطعة من الخبز وكوبا من الجعة وشريحة من لحم الفخذ، وقطعة من الفطائر، بينما تتناول هى إفطارها وقت زينتها.

كان الإفطار عادة يتكون من اللحوم والطيور والخضار وفاكهة الموسم ومشروب الجعة الذي كان يعتبر مشروبا وطنيا، كما كان عصير العنب وعصير الرمان والخروب المحلى بالعسل من مشروباتهم المفضلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر