الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصر .... ورجال الدين

خالص عزمي

2007 / 8 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالقرب من مدينة كريمس النمساوية التاريخية الثقافية العريقة ؛ حيث مزارع الكروم الواسعة في مناطق الفخاو الشهيرة ؛ يقع دير ضخم قديم اسمه ( جود فايك ) . لقد استغل هذا الدير سياحيا ليكون شرفة يتمتع بها الرواد بما لذ وطاب ؛ وثقافيا ليغترف عشاق القراءة والبحث ما شاء لهم ذوقهم من مكتبته العامرة التي تحتوي على اكثر من مائة الف كتاب ؛ والف مخطوطة نادرة .
حينما كنت اتردد على هذه المكتبة العريقة بين الحين والآخر كنت اشاهد بعض زوارها من رجال الدين وقد عكفوا على الكومبيوترالنقال ( لاب توب ) ينقلون عليه من صفحات تلك النفائس ما يجدون فيه ظالتهم
في الاستقصاء والبحث .وليس بعيدا عن هذا الرواق المدهش ؛ كنت اشاهد ايضا مجموعة منهم وقد ارتدوا ملابسهم الرياضية البيضاء ؛ وراحوا يمارسون العابهم المفضلة في ساحات التنس او كرة القدم شأنهم شأن الناس الآخرين .
ولم تكن هذه هي المشاهدة الاولى لمثل تلك الممارسات ؛ فقد سبقتها مشاهدات كثر في بقاع شتى من العالم الذي جلت فيه ....؛ رجال دين يزاولون مختلف الالعاب الرياضية ؛ ويمارسون العزف على الالات الموسيقية ؛ ويقدمون المشاهد التمثيلية المسرحية ... الخ اذ لا عيب في دلك ولا تثريب ؛ لانهم يجدون في مثل تلك النشاطات ؛ حقهم المشروع في الحياة المعاصرة التي يعيشونها ؛ بل قد يجدون فيها مسألة اعمق في خدمة الدين الدي يبشرون به ؛ الا وهي التقرب الى الناس بلا خشية او ترفع ؛ وانما بالمعايشة والتودد واشعارهم دائما بأنهم جزء من المجموعة البشرية التي تفهم معنى العصر الذي تعيش فيه ؛ وتتماشى مع متطلباته وحاجته .

تذكرت ـ وانا احاور النفس بهذا الموضوع الجوهري ـ انني كنت قبل ربع قرن ؛ في زيارة لصديق قديم يعيش في سالسبورغ ؛ حيث دعاني ذات مساء لمشاهدة المهرجان الموسيقي االثري بالفعاليات الفنية الباذخة للفرقة الموسيقية الشهيرة ( فينا فلهرمونيك اوركسترا ) بقيادة الموسيقار البارز ( هيربرت فون كارايان 1908 ـ 1989 ) ؛ وقد لفت نظري ونحن في الاستراحة المقررة ما بين الفصول ؛ ان هناك اهتماما خاصا من بعض الحضور بشخص مهيب ؛ فلما استفسرت من صاحبي عنه ؛ قال ( انه أحد الكرادلة المهتمين بالموسيقى والاوبرا يحيط به رهط من مساعديه ؛ ويا طالما شاهدته في مختلف الفعاليات الفنية والاجتماعية والثقافية) ؛ ثم اردف قائلا (لي صديق من بين حاشيته واسع الثقافة ؛ سأرعرفك عليه بعد انتهاء الحفل .) وكان ان دعاه الى احدى المقاهي العريقة ؛ حيث تطل علينا القلعة التأريخية من قمة شاهقة ؛ فدار الحديث حول مدى اندماج رجال الدين في مفاصل المجتمع بشكل معتاد وطبيعي ؛ فروى لنا القس حادثة تأريخية في هذا السياق ؛ملخصها ( أن أحد البابوات في القرن العاشر الميلادي ترك مقره البابوي في روما و توجه الى قرطبة الاندلس ؛ ولهيامه بالموسقى التحق بمعهد الموسيقار العربي الكبير ( زرياب ) متنكراو لفترة غير قصيرة من الزمن ؛ ولما عاد بعدها الى روما تحدث باسهاب عن ذلك المعهد الفريد وطريقة التدريس الاخاذة فيه واسلوب توزيع الاصوات في الغناء ؛ والذي عرف في اوربا فيما بعد بالتدرج العلمي للاصوات الاوبرالية .) ثم اضاف ( ولا يخفى ان بين رجال الدين شخصيات موهوبة في الرسم والنحت والتمثيل والخط والبالية والرياضة والرواية والقصة والترجمة ... الخ ؛ ؛ وانا امامكم من بين المعروفين برياضة التزلج على الثلج ؛و سباق الدرا جات الهوائية ؛ اضافة الى الرسم والعزف على آلة الكلارنيت في فرقة موسيقية للشباب الهواة في اطراف سالسبورغ حيث موقع عملي .)

منذ أمد وانا اجيل البصر في ظاهرة مدى اندماج ( دعاتنا ) في شتى البقاع التي عشت فيها او زرتها في حركة مجتمعات هذا العصر ؛ فوجدت ان ان هناك افرادا يمارسون بعضا مما اشرنا اليه ؛ ولكن فعاليلتهم تلك انما تتم في نطاق فردي ضيق ومحدد ؛ فمن النادر ان ترى احدهم وهو يمارس احدى الهوايات او الفعاليات القريبة الى نفسه وموهبته شأنه شأن ابناء جلدته ومجتمعه . فليس هناك ؛ وعلى حد علمي ؛ فريق من (الشباب الدعاة ) تكوّن لممارسة احدى الرياضات المناسبة ؛ ككرة القدم او السلة او السباحة او ركوب الخيل او المصارعة او تسلق الجبال او الركض او التجديف او السفن الشراعية وما الى ذلك ؛ كما لم اشاهد عرضا مسرحيا دينيا لمثل اؤلئك الدعاة ؛ يدعو الى ما يأمر به الدين من فضائل الاخلاق ؛ بل لعلكم لم تلتقوا برجل دين وقد نزع عنه( جبته وعمامته ) وراح يشارك شباب محلته او قريته الدبكة الشعبية مثلا تأكيدا منه على قربه من افراحهم.؛ فاذا كان ابتعادهم عن مثل هذه المشاركات تعففا ؛ فلماذا نرى الكثيرين منهم وقد ولج باب العمل السياسي مع علمهم مقدما ما في اعماق ذلك العمل وحواشيه من الآثام والموبقات

لاشك ان هناك العديد من النشاطات والفعاليات المشرفة التي يمكن ان يمارسها الداعية ولا تتعارض مع الدين في شيء ؛ كدراسته للغات الاجنبية الحية ؛ وعلم النفس والتربية الاسرية وعلم الاجتماع وتعمقه بدراسة الحضارات الانسانية الاخرى ؛ا ومتابعته لآخر التطورات في علم التقنيات المبتكرة او الطب والصيدلة ؛ او حتى الثقافة الجنسية ؛ ذلك ان رجل الدين معرض للاستفسار عن احدى هذه المعلومات في مجمل مهامه اليومية وضمن نطاق واجباته ومنطقة عمله. ان رجل الدين لايستطيع اقناع جمهوره في امر حيوي يمر بهم دون اطلاع شامل على مجريات ما يدور حولهم ؛ بعقل متفتح ودراية مناسبة بالمهم من تلك المعارف العامة التي ينشرها عصرنا عبر نوافذه المتفتحة كل طلوع فجر .
اذا كان البعض من رجال الدين يعتقد بان شكلية الملبس ( كالقفطان ـ الجبة ـ والعمامة ) تحول دون القيام بتلك الفعاليات ؛ فان مثل تلك الملابس لم تخصص اساسا لكي ترتدى صباح مساء وانما اوجدت اصلا للتوحيد والتمييز في نطاق الواجبات الوظيفية شأنها شأن ازياء الضباط او الاطباء او المحامين .... الخ ؛فاذا ما انتهت المهام التي ارتدوها بسببها خلعوها احتراما وتكريما لهيبتها وخصوصيتها ؛ وانصرفوا الى حيواتهم اليومية المعتادة كباقي عباد الله الصالحين .

ان تقوقع رجل الدين على ذاته وابتعاده عن محيطه ومجتمعه دونما مشاركة فعالة حيوية منتجة او تطوير حقيقي لامكاناته وتطلعاته ؛ سيجعله بعيدا عن مريديه قبل ان يكون بعيدا عن عصر ولد فيه ويتوجب عليه التفاعل معه طبقا لسنة التطور ؛ واتباعا لمبدأ ان ( لا رهبانية في الاسلام ) .

ان سلوك رجل الدين هذا السبيل الحضاري المتجدد ابدا ؛ انما سيصل به الى قلوب جمهوره عن طريق التعاطف الوجداني المتبادل ؛ والى عقولهم بما سيمنحه من غزير عطائه العلمي والادبي والفني المنسجم تماما مع تعاليم الدين وروح العصر بلا افراط او تفريط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -هجمات منسقة- على كنيس لليهود وكنيسة في داغستان


.. هجمات دامية على كنائس ودور عبادة يهودية في داغستان




.. روسيا: مقتل 15 شرطيا وكاهن إثر هجمات على كنائس أرثوذكسية وكن


.. القوات الروسية تستعد لاقتحام الكنيسة حيث جرى الهجوم الإرهابي




.. قتلى وجرحى بهجمات على كنيستين وكنيس يهودي ونقطة شرطة في داغس