الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمامة برجوازية في باريس!

نذير الماجد

2007 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا أردت أن تحظى بمكانة اجتماعية مرموقة و مهابة لا تخدش، و أن تكتسب الشهرة سريعا، لعلك تنال تقديرا يجلب وراءه وفرة مالية، و إن كنت فاشلا حين يحقق الآخرون النجاح، فما عليك سوى أن تلف على رأسك عمامة بيضاء أو سوداء و ترتدي جبة فاخرة و تعفي لحيتك و تحف شاربك و تحمل سبحة في يديك و تمشي وقورا و تردد أذكارا و أوراد، و إذا حدثت حالة وفاة لوجيه من الوجهاء أو غني من الأغنياء فلابد أن تكون من الحاضرين المعزين، فتخترق الصفوف و تتجاوز كل المعزين برعونة، و تصافح أهل العزاء ثم تتصدر المجلس و تحتل مكانك بين أهل الشأن، و يجب أن لا تفوتك حفلات العشاء أو الغذاء في الأفراح و حتى في الأتراح، كما يجب عليك أن تجيد التملق لأهل السلطة و المتنفذين، و بذلك فقط ستصبح بقدرة قادر، وجيها بلا وجاهة، و زعيما بلا زعامة، و عالما بلا علم أو وعي، ستصبح حينها زاهدا و مترفا، تاجرا و رجل دين، في آن معا.

هل هنالك حل أفضل من هذا؟ إذ بالإمكان اختصار المراحل ليصل المرء لحظوة ما فوقها حظوة بشيء يسير كالذي مر! فيكفي أن يلف على رأسه عمامة باتقان حتى تتوفر له كل متطلبات و مستلزمات العيش مكرما معززا فيما الآخرون من البؤساء يكدحون في أعمالهم اليومية من اجل تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم، هذا إذا لم نتعمق أكثر في قتامة المشهد لنقول أن هذا الكدح اليومي عاجز عن تأمين مستقبل مأمون له و لذويه و لذلك يلجأ الكثيرون للانضمام في برامج تقدمها البنوك لهذا الغرض! أما أهل العمامة فبمجرد انضوائهم تحت "خط العمامة" لينخرطون في أعباء التبليغ المزمع و الدعوة إلى الدين و التقوى حتى يضمن أحدهم يومه و مستقبله و مستقبل أبنائه و أحفاده معا و الدنيا و الآخرة و ينال رضا الله و الناس أجمعين! فمردود الأخماس يكفي و يزيد!

لهذا نجد نسبة كبيرة ممن يطلقون على أنفسهم "رجال الدين" قد سافروا للدراسة في الحوزات العلمية و التي تعاني في الحقيقة من تساهل و عدم انضباط إلى حد كبير ليس رغبة في العلم أو في نشر الدين و الدفاع عنه و الذَّوْد عن حياضه، بل لأنهم في الحقيقة تعرضوا للفشل في صفوف الدراسة المنضبطة في المدارس أو في الجامعات أو في تأمين وظيفة لائقة. و إن لم يكن هذا التوصيف شاملا لجميع من ألتحق بهذا السلك إلا أن بإمكاننا القول أن الغالبية منهم هكذا، لذلك من الضرورة بمكان أن يتصدى المعنيون بالأمر لإجراء دراسة لإحصاء عدد "الفاشلين" بين صفوف طلبة الحوزة العلمية و الذين لا أحد يعرف مستواهم العلمي و رغم ذلك فهم يرتدون الزي الديني، يجب إحصاء عدد الذين فشلوا في دراستهم و حياتهم فقادهم ذلك للتسكع في أزقة الحوزة و تحصيل الشهريات و عوائد الأخماس، فيما هم يفترشون الوسادة من الصباح حتى الليل و من الليل حتى الصباح! أعتقد أن هذه الدراسة فيما لو رأت النور ستحدث صفعة مدوية في وعي المجتمع بحقيقة مفادها أن المعممين ليسوا سوى فئة تعاني من البطالة المقنعة و تفتقد المهارات و القدرات اللازمة لتحقيق النجاح، لذلك فهذه الفئة تحتاج لتأهيل اجتماعي من جديد.

لست أبالغ حين أقول أن رجال الدين في بلدنا يحتاجون لتأهيل اجتماعي يعيدهم لمواقعهم التي تناسبهم فيدخلون سوق العمل و يساهمون في الإنتاج المحلي و معدل النمو كسائر قوى العمل الأخرى، فالواقع أن بدعةً عصية على النقد اسمها "طبقة رجال الدين" تعاني من الفساد في شتى صوره لا يمكن أن تصمد أمام المتغيرات البشرية الحديثة و التي تؤكد على فكرة تقول : إن الإنسان وصل لسن الرشد، و انتهى عصر الوصاية. و لعل هناك من تنتابه الدهشة إزاء توصيفي السابق لهذه الظاهرة، فحين أقول بدعة فإن ذلك يعني ببساطة أنها ظاهرة حديثة لا تتجاوز القرن الثامن الميلادي، و هنا يتبادر إلى ذهني سؤال على رغم بساطته لم أجد له إجابة مقنعة، ليعذرني القارئ الكريم و يتجاوز عن صلافتي، فلعلي أطرق بابا موصدا، إذ لا أجد لمفردة الكهنوت محلا في قاموس الدين الإسلامي، و كلنا يعرف أن قادة الإسلام الأوائل لم يتميزوا عن الناس في لباس خاص بهم، و لم يجعلوا من نشاطهم الديني حرفة خاصة يتقاضون من خلالها مخصصات مالية، بل كان أحدهم تاجرا أو فلاحا أو يزاول أي حرفة تدر عليه قوت يومه، أما من جعلوا أنفسهم خلفاء و أوصياء فعلى العكس تماما كما هو معروف عندنا جميعا.

في زمن الأمية كان لهؤلاء دور تعليمي بارز لا ينكره منصف، حيث الأمية متفشية و وسائل الاتصالات معدومة لذلك يعمل رجل الدين على القيام بدور الوسيط بين الفقهاء و الأتباع في تبين الفتاوى و الأحكام كما أنهم يقومون بوظائف أخرى، أما في الزمن الراهن فإن الأمية تلاشت أو هي في طريقها للزوال و وسائل الاتصالات جعلت من السهل الاتصال بأي جهة من العالم و أخذ المعلومة من مصدرها المباشر دون وسيط، لذلك ضمرت أو عدمت الحاجة إليهم، و لكن المفارقة المذهلة أن تجدهم يزدادون عدداً و كماً في وقت ضمور أهميتهم إلى حد كبير، و فوق ذلك كان تعلم الناس، و سعي ما كان يسمى بالعامة لنيل الدرجات العلمية في شتى التخصصات أشبه بالقشة التي جعلت منهم عالة على المجتمع أو بتعبير ملطف أصبحوا فئة ذات قيمة معدومة، مما يعني هبوط حاد في مكانتهم السابقة و التي فرضتها الحاجة التعليمية، و لتعويض ذلك أمعن الواحد منهم في الإفراط في فذلكاته و حذلقاته و طقوسه عالية الخصوصية، حتى ينال هيبة تخفض له الجناح و تخضع له الأنفس و تعوض النقص الناجم عن انعدام الحاجة إليه كما أشرت، و لكي يكتمل المشهد أخذ اغلبهم ينخرط في ملذات الحياة ليقطن في منازل بل في قصور فاخرة، و يمتلك احدث موديلات السيارات، و يصطاف في أقصى بقاع الأرض كل عام.

أذكر أنني ذات مرة قمت بزيارة أحدهم حين كان على قلبي غشاوة! فوجدت منزله فارها واسعا أكاد أجزم أن موظف رفيع في أرامكو أو سكيكو أو أستاذ جامعي لن يتمكن من تحقيق هذه الفخامة و الرفاه. كان يتحدث و الحاضرون يستمعون بخشوع، عن رحلته السياحية الأخيرة إلى فرنسا و تركيا ثم لبنان قبل أن يقفل راجعا للديار! أخذ يصف جولته على ضفاف نهر السين و في ساحة مارس و روعة برج إيفل و التحف الأثيرة في اللوفر و جمال أستنبول و سحر مغارة "جعيتا" في لبنان! إلى أن ختم بالقول: كانت رحلة رائعة.. لقد ذهلت كثيرا و تساءلت للحظة هل انا أمام رجل دين أم رجلا ثرياً من العيار الثقيل«الهوامير»! و قبل أن ألوذ بالفرار تجرأت و سألته غامزا من قناته: هل كانت رحلتكم هذه لغرض التبليغ أم لشيء آخر؟ فانتهرني و قال: لا، بل هي للاستجمام، لدرجة أنني طوال الرحلة لم أرتدي العمامة! و عندما هممت بالخروج من هذا الوكر المليء بالدجل لاحت في خاطري صورة أبي ذر و هو ينتهر معاوية و يحدق في "القصر الأخضر" في دمشق و يصيح: من أين لك هذا؟!حقا كم نحن بحاجة لأمثال أبي ذر، و لكن ليس لمواجهة الزعماء و الشيوخ القبليين بل لمسائلة "شيوخ الدين" و أدعياء الزهد و التقشف! كنت غارقا في أفكاري عندما وجدت سيارة المرسيديس الفارهة تمكث في مرآب المنزل فتملكني العجب العجاب من هذه العمامة البرجوازية!!

ألا يحق لنا بعدئذ أن نتفحص و ندقق في دور هذا الرجل و سواه في المجتمع؟ هل ظهر مرة في وسيلة إعلامية ، مرئية كانت أو مسموعة، ينافح و يناضل من أجل قضية ملحة تلامس أبناء جلدته الذين يمنحونه كل يوم ثقتهم و ولائهم و أخماسهم! هل ساهم يوما في تقديم حلول لأزمات الفقر المتفشية في هذا البلد في الوقت الذي يفرضون فيه "ضريبة الخمس" حتى على هؤلاء الفقراء أنفسهم! ما هو دوره في المشاكل الاجتماعية و الأزمات التي تعصف "بقطيفنا" الغالية؟ باختصار ماذا قدم هذا الرجل الذي يجول في باريس و برلين و كوالالمبور و غيرها في كل عام لمجتمعه بل لأتباعه و مريديه أنفسهم؟ قد يقال أنه يؤم الجماعة في الصلاة، و هذا لعمري من المخجل و المخزي أن يعتد به كعمل قائم بذاته، فمنذ متى أصبحت صلاة الجماعة وظيفة خاصة يتقاضى عليها الرجل راتبا شهريا؟!

هل يعني هذا أنه بتوقف تدفق الأخماس ستغلق المساجد و ستندثر سنة صلاة الجماعة ؟ تخيلوا معي أيها السادة لو امتنع الناس يوما عن استخراج حق الخمس، ماذا سيكون حينها مصير هذه العمامة البرجوازية؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي