الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في القضاء والقدر - من يتحمل مسئولية الموت ؟؟!

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2007 / 8 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليلة أمس تم انتشال جثتي طفلتين في السابعة والثامنة من العمر كانتا قد لقيتا حتفهما غرقاً على شاطيء بحر غزة. كان مشهد أحد الطفلتين باعث على أسى لا حد له، فقد كانت ضفائرها تطفوان على سطح الماء فيما جحظت عيناها. الناس انفضوا عن الشاطيء في لحظات قليلة، فحادث موت الطفلتين لم يبق للاستجمام أي معنى، وتم تسجيل الحادث في ذمة القضاء والقدر ! علماً أن المسئولية تقع على الأسرة التي سمحت للطفلتين بالسباحة وحدهما دون رقابة بعد حلول الظلام، ما جعل إمكانية غرقهما على الشاطيء دون أن يلحظهما أحد واردة، ورغم وجود مسئولين عن حادث موتهما، أي الأهل الذين قصروا في متابعتهما المباشرة، والشاطيء لا يحتوي على لوحة إرشادية واحدة تمنع دخول الأطفال إلى البحر ليلاً، غير أن العادة جرت عند المسلمين بالتسليم بالقضاء والقدر وانتهاء العمر كما هو مقدر ومدون في اللوح المحفوظ !
قبل أيام قليلة أذاع صوت إسرائيل بالعربية خبراً عن وفاة شخص عربي غرقاً في أحد المنتجعات، وأن الشرطة قد اعتقلت على الفور صاحب المنتجع ومنقذ السباحة !
لاحظ أن الحادثين متشابهان، ولكن الخلاف وقع حول من يتحمل مسئولية الغرق، ففي الحالة الأولى تم تسجيل الحادث في ذمة القضاء والقدر بلا مذنبين في القضية، أما في دولة " العدو الصهيوني " فقد تم اعتقال صاحب المنتجع ومنقذ السباحة رهن التحقيق بصفتهما المتحملان لكامل المسئولية عن وفاة الشخص غرقاً.
يحتج نزار قباني بشدة على الإفراط في تحميل القضاء والقدر المسئولية عن إهمالنا وتخلفنا وتقصيرنا فيقول ساخراً:
بالحر قانعون، وبالبرد قانعون
بالحرب قانعون وبالسلم قانعون
بالنسل قانعون وبالعقم قانعون
بكل ما في لوحنا المحفوظ في السماء قانعون
وكل ما نملك أن نقول إنا إلى الله لراجعون
لماذا نقنع بالحر والبرد بينما في الغرب تحدوا الطبيعة واخترعوا المكيفات والمدافيء ؟ لماذا نقنع بالعقم بصفته من القضاء والقدر (( يجعل من يشاء عقيما )) بينما أفلح الطب الحديث في علاج الكثير من أمراض العقم، وتمكن مئات الألوف من المرضى من الإنجاب رغم قرار السماء المفروض من قبل بالعقم ؟؟
وبعيداً عن الجدل الفقهي في حدود التسيير والتخيير ومفهوم القضاء والقدر، فإن السلطات العربية تعيش على هذه الإيمانيات رغم تقصيرها الواضح واستهتارها بحياة المواطنين، فمثلاً، لا يوجد مسؤولين عن حالة الفقر التي يعاني منها الملايين من الجوعى والمشردين، فالفقر والغنى من نصيبك في الدنيا والقضاء والقدر وعلم المشيئة الإلهية. في دولة " العدو " التي تحترم مواطنيها، يعتقل صاحب المنتجع ومنقذ السباحة للتحقيق بشأن حادث وفاة شخص واحد، بينما لدينا لا يعتقل أحد في حادث غرق سفينة أسفر عن موت المئات، إذ في حالتنا تسجل القضية بسهولة في ذمة القضاء والقدر، والعمر الذي لابد أنه انتهى في لحظة الغرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة