الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة حماس والنموذج الاسلامي

احمد مجدلاني

2007 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يحرص السيد هنية في كل خطب الجمعة التي دأب على الظهور العلني فيها بعد الانتخابات التشريعية الثانية وتوليه رئاسة الوزراء، على التذكير في كل مرة على نية حركة حماس، بل وعزمها الفعلي على أسلمة المجتمع الفلسطيني ، بل وكان يذهب لأبعد من ذلك ليعتبر ان سلطته او حكومته تستمد شرعيتها من الله او أنها ربانية ، ووصل به الأمر في خطبته الأخيرة إلى اعتبار ان الله معه وأمريكا مع الآخرين ، معيدا إلى الأذهان ادعاءات حكام القرون الوسطى بالحق الإلهي للحكم ، او في أحسن الأحوال طابع ومضمون الدولة الثيوقراطية التي تسعى حركة حماس إلى استعادتها باعتبارها لا تملك مفاتيح الجنة في الآخرة فحسب ، وإنما الحلول للمعضلات التي تواجهها المجتمعات من الفقر والبطالة وتدني مستويات المعيشة والتخلف بكل أبعاده على قاعدة ان "الإسلام هو الحل" .
السيد هنية ركز على أمرين مهمين، نعتقد انه من الضروري بمكان ان يبدأ سجال حولهما ، وبكل جدية من قبل المثقفين الفلسطينيين بصرف النظر عن اتجاهاتهم الفكرية وتلاوينهم الحزبية ، خاصة وان غالبية القوى السياسية لغاية اللحظة الراهنة، وخصوصا ممن تدعي إنها مازالت في مواقع الماركسية اللينينية ولم تغادرها ،هذه القوى لم تبدي رأيا او موقفا اتجاه الدولة الدينية التي تسعى حركة حماس إلى إقامتها سواء في قطاع غزه باعتبارها الآن هي صاحبة اليد الطولي فيه ، أم في فلسطين .
"والنموذج الإسلامي الذي جسدته حركة حماس في الحكم والسياسة" حسب تعبير السيد هنية ، والذي "تخشى قوى معادية للشعب الفلسطيني من انتقاله وتأثيره في المحيط العربي والإقليمي" ، في الواقع ان هذا النموذج الذي قدمته حركة حماس في القطاع ، بدأ يثير القلق المشروع لدى أوساط كثيرة ليست فقط في مواقع السلطة على المستوى الإقليمي والعربي، وإنما أوساط ديمقراطية وليبرالية ومن مواقعها الديمقراطية المختلفة دعمت حركة حماس بعد نجاحها بالانتخابات وتشكيل حكومة منفردة ، هذه القوى كانت ترى بإمكانية استيعاب الحركات الإسلامية ، أي قوى الإسلام السياسي في النظم السياسية ، بعد تحولها وقبولها بأسس النظام الديمقراطي ،وبالتعددية السياسية والفكرية ،وبحرية الرأي والتعبير، والاهم من كل ذلك بانتقال وتداول السلطة بشكل سلمي وديمقراطي ، واستبعاد الأشكال والاساليب العنفية المنافية للديمقراطية في حل التناقضات الداخلية ،واللجوء لصناديق الاقتراع ولخيار الشعب في حسم قضايا الخلاف السياسي الداخلي ، وليس تحويل قضايا الخلاف السياسي وهي قضايا دنيوية إلى قضايا ذات بعد ديني يتصل بالعقيدة والشريعة والوصول إلى حد ليس رفض الآخر وإنما تكفيره وتحليل قتله .
هذا النموذج الذي سعت له أوساط مختلفة خلال السنوات السابقة وناضلت وعلى قاعدة الديمقراطية وحرية الاعتقاد والتفكير بما في ذلك تكوين أحزاب وحركات سياسية تستمد أيديولوجيتها من الدين ، ودعت إلى إعطاء فرصة للقوى الدينية للانخراط في النظم الديمقراطية كما هو حال النموذج التركي الذي ضرب مثالا ايجابيا ، في اللجوء إلى خيار الشعب والمبادرة للدعوة لانتخابات مبكرة لحل خلاف دستوري حول انتخابات رئاسة الجمهورية .
لكن النموذج التركي الذي مثله حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، والذي شكل عامل استنهاض لقوى الإسلام السياسي بما فيها حركة حماس ، هذا النوذج يواجه الآن وبعد الانقلاب الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة ، تساؤلات حول دقة وصدقية التحليلات التي ذهبت بإمكانية اندماج قوى الإسلام السياسي في النظام الديمقراطي وقبوله لمبدأ التعددية ، والاحتكام لحل الصراعات بالوسائل الديمقراطية وليس العنفية ، ان ما يواجه النموذج الإسلامي الذي تدعيه حركة حماس في قطاع غزة، وهو نموذج يشكل القمع والإرهاب فيه الصورة الأبرز، والملاحقة لمن يختلفون معه بالرأي ، علاوة على قمع التحركات الشعبية وملاحقة وضرب الصحفيين والاعتداء عليهم ومحاصرتهم في مقراتهم وبيوتهم ومصادرة ما صورته كاميراتهم . لقد أصبحت التصرفات الفردية التي تقوم بها القوة الغاشمة والأداة الضاربة (القوة التنفيذية) والتي يدعي هنية وغيره من قيادة حركة حماس بأنها تصرفات غير مقصودة ، هي القاعدة والاستثناء هو تدخل هؤلاء القادة لحل قضية هنا او هناك يخشى هؤلاء القادة على ما تبقى من نموذج يحاولون إظهاره ليبقى على الأقل جذابا لجمهورهم الذي بدأ ينفض عنهم .
وبهذا المعنى فإن أي عاقل من الدول المجاورة وهو يرى نموذج حركة حماس في قطاع غزة بالتأكيد يخشى ان ينتقل عدواه لبلاده ، وهنا لا أتحدث عن النظم السياسية، والتي هي بدون أدنى شك بدأت تعيد النظر بآليات وأشكال التعامل والتعاطي مع حركات وقوى الإسلام السياسي في بلادها، وإنما من القوى الديمقراطية والليبرالية التي تمسكت بحق قوى الإسلام السياسي في الانخراط بالحياة السياسية .
ان أكثر ما أساء للنموذج الإسلامي الذي قدمه حزب العدالة والتنمية التركي، هو حركة حماس وقيادتها التي تعاملت بخفة ، وبدون أية حسابات سياسية لأبعاد خطوتها الانقلابية ، واعتبرت ان ما يجري في قطاع غزة وكأنه معزول عن العالم ، او ان الدول الشقية والصديقة ، او الأطراف الدولية والإقليمية من الممكن ان تبتلع قيام انقلابات تقوم بها حركات أصولية إسلامية، .
هذا علاوة على ان سلوك قيادة حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة منذ منتصف حزيران الماضي أعطى من الشواهد والدلائل التي لا تحصى على ان هذا النموذج لا يمكن ان يشكل عامل جذب ، بل عامل استعداء حتى من قبل قوى كانت تقبل التجاور والتعاون والتنسيق مع قوى الإسلام السياسي .
أما القضية الأخرى وهي لا تقل أهمية عن الاولى، وهي ادعاء السيد هنية ان سبب الحصار والضغوط المسلطة على حماس هو بسبب حملها على تقديم تنازلات سياسية ، وإنهم لان "يدعوا أحدا يسرق منهم الموقف السياسي" .
لكن نريد ان نسال السيد هنية عن أي موقف سياسيي يتحدث ، إذا كان الموقف برفض الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعلى حدود عام 67 فقد وافق هو وقيادة حركة حماس عليها ، وليقل السيد هنية على أي أساس سياسي قامت حكومة الوحدة الوطنية التي رأسها لأقل من مائة يوم وانقلب عليها . وهل الموافقة على هدنة طويلة الأمد ن تؤبد الاحتلال على ما هو قائم ويتلاقى مع مشروع شارون للحل الانتقالي طويل المدى ، او مع ما يطرحه أولمرت من مشروع للدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة ، هو الموقف السياسي الذي تتمسك به حماس وترفض التنازل عنه ولن تسمح بسرقته .
ان المزايدة السياسية ولأسباب معروفه ، لم تعد تجدي لتبرير الانقلاب ، ولا تخوين الآخرين ، والمطالبة بنفس الوقت للحوار معهم ، كما ان استخدام منابر المساجد للتعبئة والتحريض السياسي ، وتحويلها إلى مقرات حزبية تخدم سياسة ورؤية هذا الفصيل او ذاك وتتعدى استخدام الدين في السياسية إلى ما هو ابعد من ذلك، وهو تديين السياسة ، والذي يجب ان يكون هو والمساجد بمنأى عن الصراع الحزبي والسياسي ، ومن اجل ان تبقى دور العبادة للعبادة ، ولا ان تتحول إلى منابر للتحريض والتكفير والتخوين.
ان ما نحن بحاجة إلى نقاشه جديا ونقده بكل شجاعة، ليس تلك الأطروحات التي تفوح منها روائح، الاستخدام السياسي للدين وتثير الغرائز والأحقاد بآن معا، وإنما هل نريد أسلمة المجتمع الفلسطيني ، وهل نريد دولة دينية فيه لتتحول إلى دولة ثيوقراطيه شمولية على غرار النموذج الإيراني ، أم نريد نظاما تعدديَا ديمقراطيا ، حتى ولو شاركت فيه قوى الإسلام السياسي المؤمنة بالديمقراطية والتعددية فعلا وقولا كما هو الحال في تركيا ، وليس إنتاج نظام شمولي ظلامي يعيد المجتمع الفلسطيني قرون إلى الوراء .

رام الله
29.8.2007










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا